هذا النص جزء من مقال كتبه الراحل ماركيز بعنوان «مناحيم بيغن وأرييل شارون: لهما جائزة نوبل للموت»، نشرتها صحيفة «ال اكسبرسو» الإكوادورية في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 1982.
منْح جائزة نوبل للسلام لمناحم بيغن هو أمر لا يصدّق. المهم أن بيغن هو فعلاً صاحب هذه الجائزة ولا سبيل الآن لتبديل ما حدث؛ فهو صاحب الجائزة منذ منْحِه إياها عام 1978 مع الرئيس المصري آنذاك أنور السادات عند توقيعهما، على انفراد، اتفاقية السلام في كامب ديفيد.
لم يحظ الاثنان بنفس المصير: فمصير السادات كان التبرّؤ الفوري منه في العالم العربي، ولاحقاً قتله؛ أما بالنسبة إلى بيغن، فالاتفاقية خوّلته المباشرة بمشروع استراتيجي لم ينته بعد، والذي أُشبِع قبل أيام قليلة بمجزرة وحشيّة لأكثر من ألف لاجئ فلسطيني في أحد مخيّمات بيروت. لا توجد جائزة نوبل للموت، لكنّها إذا وُجدت فقد تُمنح هذا العام، وبدون منافسة، لمناحيم بيغن وسفّاحه المحترف أرييل شارون.
اليوم، وبعد تكشّف الأحداث، نستطيع فهم غاية بيغن الوحيدة والمتستّرة خلف ستار كامب ديفيد: القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وبناء مستعمرات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية. بالنسبة إلينا ـ نحن الذين بوسعنا تذكّر ممارسات النازيّة ـ مشروع بيغن يعتمد على ركيزتين تثيران لدينا ذكريات فظيعة: نظريّة «المجال الحيوي»، التي أراد بها النظام النازي أن يبسط إمبراطوريته على امتداد نصف العالم؛ أما الركيزة الثانية فهي ما سمّاه هتلر بـ «الحل النهائي» لمشكلة اليهود، والتي حملت بأكثر من ستة ملايين من البشر إلى معسكرات الإبادة.
مشروع اتّساع رقعة المجال الحيوي لدولة إسرائيل ومشروع الحل الأخير للقضية الفلسطينية ـ كما يفهمهما الحائز جائزة نوبل للسلام عام 1978 ـ بدءا في ليلة 5 حزيران/ يونيو الأخيرة؛ ففي تلك الليلة، اجتاحت لبنان قوات عسكرية مختصّة في علم الدمار والإبادة.
إستراتيجية بيغن واضحة أشدّ الوضوح: يريد القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وبهذا يقضي على الشريك الفلسطيني الوحيد الذي بإمكانه التفاوض على إقامة دولة فلسطينية مستقلّة في الضفة الغربية وقطاع غزّة؛ أراضي سبق لبيغن أن أعلنها أراضي يهودية.
كنت في باريس يوم اجتاحت الجيوش الإسرائيلية لبنان. كنت هناك أيضا عندما قام الجنرال جاروزلسكي، قبل عام، بفرض القوة العسكرية ضد إرادة أغلبية الشعب البولندي. وصدفة وجدت نفسي أيضا هناك عندما اجتاحت الجيوش الأرجنتينية جزر المالفيناس «الفوكلاند».
تصرّف وسائل الإعلام، والمثقّفين وكذلك الرأي العام، خلال هذه الأحداث، أظهر لي معادلة مقلقة: بينما نُظّمت في باريس أمسية تضامن مع بطولة الشعب البولندي (وكنت أنا من الموقعين على بطاقة الدعوة)، كان هناك شبه إجماع على الصمت عندما قامت الجيوش الإسرائيلية الدموية باجتياح لبنان (وكان الصمت حتى بين الأكثر متحمّسين لقضيّة بولندا، رغم أنه من المستحيل مقارنة عدد الضحايا وحجم الدمار بين بولندا ولبنان).
أكثر من ذلك، عندما استردّت الأرجنتين جزر المالفيناس من بريطانيا، لم تنتظر الأمم المتحدة يومين للطلب من القوات الأرجنتينية الانسحاب. وكذلك لم تفكّر السوق الأوروبية مرتين قبل فرض عقوبات اقتصادية على الأرجنتين.
بالمقابل، في حالة لبنان، لا الأمم المتّحدة ولا السوق الأوروبية طالبتا بانسحاب الجيوش الإسرائيلية. وشكّل حذر الاتحاد السوفييتي غير المفهوم وانعدام الأخوّة بين الدول العربية شرطَين كافيين للحرب الوحشيّة التي شنّها بيغن والجنرال شارون. لدي العديد من الأصدقاء الذين أرادوا ويريدون إسماع العالم بأسره صرخة قوية ضد «كرنفال الدم» في لبنان، لكنّهم يهمسون لي خوفهم من توجيه تهمة معادة الساميّة لهم؛ هل يعي هؤلاء بأنّهم هكذا يسلّمون أرواحهم لابتزاز مرفوض؟
ـ ترجمة: شادي روحانا

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف