في الآونة الأخيرة، تشهد مشاركة المرأة في الحزب السياسي اهتماماً ملموساً من قبل الكوادر والقيادات النسوية ومن قبل قيادة الأحزاب نفسها. ولا شك ان الفضل يعود في ذلك الى النساء، حيث قامت بدعوة الأحزاب إلى كلمة سواء، وفتح النقاش معهم حول واقع مشاركة المرأة في الحزب، انطلاقا من صدور دراسات وابحاث عن المؤسسات النسوية وآخرها بحث مركز الدراسات النسوية، وما أثاره من جدل حول تجربة المرأة في الاحزاب بلسان عضوات الحزب وقياداته، دورها ومشاركتها ومثبطاتها من جهة، وموقف الأحزاب الحقيقي من قضية المرأة، والتوصيات المجترحة للحلول القادمة.
لا شك ان الحراك السياسي والاجتماعي الجاري في الإقليم قد حَفّز على الاهتمام بشكل أوسع وطَرحَ تفعيل مشاركة المرأة، من خلال فحص طبيعة أي مشاركة تحظى بها المرأة وأي اعتراف مسجَّل لوضعيتها، وأي دور تلعبه وأي دور منتظر منها، وطبيعة العقبات الحائلة دون كونها أحد اللاعبين والفاعلين الأساسيين.
السؤال الذي طَرح نفسه في واقع مشاركة المرأة في الحزب السياسي يبتدئ ولا ينتهي حول إن كانت المرأة عازفة عن المشاركة..أم انها تتعرض إلى إقصاء عن مركز القرار، متعمد أو غير متعمد.. والإجابات سارت في خطين متوازيين لم يلتقيا، فقد اعتبرت الحزبيات أنهن غالبا ما يتعرضن الى عملية إقصاء، بينما اعتبر الحزبيون أن النساء عازفات عن التقدم بأنفسهن..
الجدل الدائر الجماعي حول المرأة ووضعيتها ودورها في الأحزاب من الظواهر الجديدة، فلماذا تلجأ الحزبيات من مختلف التنظيمات إلى رصّ الصفوف وطرح مشكلتهن مع أحزابهن جماعياً.. فلا أذكر ان النساء من مختلف التنظيمات قد أجمعن سابقا على تسجيل تشاركي لمآخذهن علانية، وأن يتفقن على وجود التماهي الفكري بين الاحزاب واندماجها بالفكر السائد، أو ربما زهدها في حق الرد والتصدي، ويتفقن على وجود الفجوات بين النص النظري وممارسته، وأن الجميع سواء في آلية الاستبعاد عن المهام القيادية بتباين طفيف بين حزب وآخر.. طرح جماعي لمشكلة جماعية، لغة موحدة في المضمون، انفتاح غير معهود، وحِلْف معلن لقضية واحدة..
اعتقد ان ظاهرة العزوف ليست صفة خاصة بالنساء، لأن العزوف عن المشاركة السياسية والعامة ظاهرة يشهدها المجتمع، ليؤكد انها ليست فردية أو لصيقة بالمرأة، حيث يقف خلف العزوف "كوكتيل" الزهد ولتحامل والاحتجاج. بينما الإقصاء الذي قصدته النساء ظاهرة تمارس ضد المرأة وكذلك ضد فئات أخرى لأسباب مختلفة، والاقصاء ليس بالضرورة ان يكون مكشوفا، بل غالبا ما يكون خفيا وبما يؤدي بالعضوة الى الابتعاد الاختياري.
الإقصاء في الحزب ليس بعيدا بمفهومه وارتباطاته عن شبكة العلاقات التقليدية وموقع المرأة الدوني فيها، ويندرج في إطار العلاقات التراتبية للقوة وانعكاسها على تقسيم الأدوار الاجتماعية في المجتمع. وهنا يبرز السؤال حول دور الأحزاب الأساسي في عملية التغيير الاجتماعي، وفي إعداد الأعضاء للمهمة التغييرية المناطة به، والانتفاض على الفكر التقليدي وليس تكريسه والسماح بديمومة انتاج المنظومة التمييزية بحق المرأة.
الاحزاب تعتبر أن المرأة قد أخذت حقها في المشاركة، وأن الأرقام والمؤشرات تدل على معدلات مشاركة عالية قياسا بالمراحل الذهبية التي شهدتها الساحة بانطلاق الأطر النسوية، حيث تتجاهل ان انطلاق الأطر كان في ظل مناخ ثوري وتغييري ساهمت الاحزاب في صنعه.. فأين هي اليوم من خلق البيئة المواتية لصناعة التغيير الاجتماعي المنوط بها، وهو ما تحتاجه المرأة أكثر من حاجتها للتمثل في مستويات القرار..
ما تطالب به العضوات من أحزابهن التعاطي مع قضايا النساء كقضايا مجتمعية بالأفعال وليس بالأقوال، بعدم فصل قضيتها عن قضايا المجتمع ومطالبه بالعدالة الاجتماعية والكرامة ومحاربة الفقر والبطالة، وأن تتقدم ببرنامج إصلاحي شامل يبدأ بالضغط على تغيير المناهج الدراسية التي تكرس الفكر التقليدي التمييزي، ولا ينتهي بتكافؤ الفرص والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات دون تمييز.. ما تطالب به المرأة إبقاء الحوار حول موضوع على طاولة الحزب كقاعدة متَّبعة لتحقيق الغايات والمستقبل المنشود، ومن خلال رفع الكفاءة المعرفية والفكرية بأبعادها الاجتماعية لدى جميع أفراد الحزب ومنظماته.
نضغط على الأحزاب لأنها تستطيع، ولأنها في واقع الخصوصية الفلسطينية البوابة الكبيرة للمشاركة وتغيير الأدوار. تستطيع الأحزاب ان تشكل عناصر حاسمة إن دافعت عن حقوق المرأة ولم تهادن الفكر التقليدي اجتماعياً كما لم تهادنه تنظيمياً وسياسياً، تستطيع إن تمسكت بدورها في صناعة التغيير الجوهري وتخطت العوائق بجرأة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف