خواطر عربية
بقلم: عبد العال الباقوري - القاهرة
مشروع القرار العربي - الفلسطيني الذي قدمته الأردن إلي مجلس الأمن. في يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي. يثير تساؤلات عديدة حول مضمونه وتعديلاته وتوقيته وجدواه من ناحية. وحول مدي الاتفاق الشعبي الفلسطيني علي المشروع. والتخوفات المشروعة مما أصبح يتعرض له النص من تعديل أو بالأصح تشويه. يخرج به بعيدا عن الهدف الذي كان موضع اتفاق فلسطيني حين بدأت فكرة العودة إلي مجلس الأمن من جديد. ولأول مرة منذ 2009 . يتلخص هذا الهدف في الحصول علي قرار يحدد فترة عامين لإنجاز استقلال فلسطيني علي كامل الأرض التي احتلت في يونيو 1967. مع إخلائها من المستوطنات والمستوطنين. والحفاظ علي الحق المشروع في عودة اللاجئين إلي ديارهم وأرضهم ووطنهم. مع تعويضهم طبقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194. ومن يتابع تطورات الأمور منذ طرح هذه الفكرة ويصل إلي اليوم سيجد أمامه أسئلة أساسية. علي رأسها وفي مقدمتها - في ضوء ما جري ويجري إلي هذه اللحظة - سؤال: لماذا يأبي العرب إلا أن يصدق فيهم قول عدوهم: إن العرب يطالبون اليوم بما رفضوه أمس. وسيطالبون غدا بما يرفضونه اليوم! هذه كلمات أبا إيبان وزير خارجية العدو عشية عدوان 1967. ومن يتأمل التطورات والتحولات والأحداث منذ الهزيمة ومؤتمر الخرطوم ولاءاته: لا تفاوض ولا صلح ولا اعتراف. وصولا إلي المشروع المطروح - قبل تعديله وتشويهه - لابد أن يتساءل: كم تنازل العرب؟ وكم تغيروا؟
ويمضي متسائلا: تُري. هل سيتغيرون أكثر؟ وما جدوي هذه التغيرات بينما العدو يكسب وقتا ويصهين أرضا ينزع منها وعنها عروبتها. بل ويطمع في أن يطرد من تبقي فيها من أهلها؟ أخشي ما يخشاه المرء أن تكون الضجة المثارة حول مشروع القرار المقدم إلي مجلس الأمن ستارا لحصول العدو علي مهلة زمنية أخري. يستوطن فيها الأرض الفلسطينية كيف يشاء.
وقبل الحديث عن نص المشروع كما نشرته صحيفة فلسطينية. وقبل أن نتطرق إلي مواقف الفصائل الفلسطينية منه قد يجوز الحديث عما بدأ يثار منذ الآن عن تأجيل وتعطيل عرض المشروع علي مجلس الأمن إلي أن تجري الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في مارس المقبل. فربما تسفر عن نتائج تؤدي إلي تشكيل حكومة إسرائيلية تقبل وقف الاستيطان في الضفة والقدس المحتلتين مقابل استئناف المفاوضات. وهكذا. تعود حليمة إلي عادتها القديمة. من قبول ضمانات لا تتحقق واعتماد وعود لا يتم تنفيذها. كما جري منذ 1967 إلي اليوم. وفي ظل الرؤساء الأمريكيين من جونسون إلي جورج بوش الابن. وصولا إلي الرئيس الأمريكي الحالي. الذي وعد بوقف الاستيطان. وحين لم يتحقق هذا. ضغط علي الطرف الفلسطيني كي يستأنف المفاوضات في ظل الاستيطان بأمل التوصل إلي صيغة للتسوية. خلال عشرة شهور. انتهت في أبريل الماضي. وخرج منها الفلسطينيون كما دخلوها. بينما خرج الإسرائيليون وفي أيديهم سلة مكاسب: المزيد من الوصلات الاستيطانية والمستوطنين في الضفة والقدس. والمزيد من المهاجرين إلي إسرائيل. وتزايد استقواء رئيس وزرائهم علي رئيس الإمبراطورية الأمريكية!
تحولات إيجابية.. ولكن
ومن أبريل الماضي إلي اليوم. وعبر ثمانية أشهر. راح المفاوض الفلسطيني يبني أحلاما من تفاوض علي أرض من رمال. وراح يقيم حكومة وحدة وطنية لكنها مشلولة. ويعجز عن الاستفادة كما يجب من الصمود الشعبي الجبار من قبل أهل غزة ومقاوميها ضد العدوان الصهيوني الجديد. الذي خرج منه العدو الإسرائيلي بشهادة خبرائه ومحلليه دون أن يحقق مكسبا. إن لم يكن قد أصيب بخسارة. وخسارة غير هينة. وعبر هذا ظل حديث القيادة الفلسطينية يدور من جانب حول الانضمام إلي فروع الأمم المتحدة المختلفة من موقع عضوية ذات وضع خاص في المنظمة الدولية. ويدور من جانب آخر حول مشروع قرار لمجلس الأمن يضمن قيام فلسطين المستقلة خلال عامين. بينما كان العالم كله يشهد تحولات إيجابية لصالح قضية فلسطين وحقوق شعبها. وأصبح عدد كبير من الدول يعيش حالة يقظة يكتشف خلالها حقيقة الدعوة وبالتالي الدولة الصهيونية. كما يعبر عن مساندته وتأييده للنضال الفلسطيني. وكان العدو أكثر متابعة وفهما لهذه التحولات وعبر زعماؤه عن خشيتهم من عواقب ذلك. وظل المفاوض الفلسطيني والقيادة الفلسطينية في وضع "محلك سر". مما أعاد فتح ملفات الخلافات والصراعات الفلسطينية - الفلسطينية مرة أخري. خاصة بين الاخوة الأعداء في حركتي فتح وحماس. وازدادت الصراعات سوءا. فقيل مثلا إن حماس تقاربت مع القيادي الفتحوي المعزول محمد دحلان ضد قيادة السيد محمود عباس رئيس السلطة والمنظمة وفتح!!
من الطبيعي أن تنعكس هذه التوترات وغيرها علي أية خطوة دبلوماسية فلسطينية. مهما تكن شرعيتها وقوها. خاصة وأن القيادة الفلسطينية لاتزال تعيش علي ميراث القائد الوطني ياسر عرفات في كيفية التعامل ولا أقول التلاعب. مع الفصائل الأخري. بوسائل مختلفة.. وهي وسائل لم تضعف هذه الفصائل فقط. بل أضعفت "فتح" نفسها. وهذه قصة طويلة أخري. قادت من قبل إلي أوسلو وتنازلاتها. وما تلاها ويتلوها. وكل هذا يجد جذوره وأصوله في كامب ديفيد الأول في 1978. يومئذ نقل عن قيادي فلسطيني أنه قال: "لقد فاتنا القطار". ومن فاته القطار هل يتسابق بالمزيد من التنازلات كي يلحق به؟. أو يحاول أن يحسن مواقعه ويحصن مواقفه ويستعد لجولة أخري؟
من أسف. أنه منذئذ ركب العرب "سبنسة" التنازل الذي يلد تنازلا. سواء في ذلك من رأي أن 99% من الأوراق في يد أمريكا. أو من يري أن المقاومة المسلحة ضارة وغير مفيدة!!
عودة إلي 1975
هذه المواقف لابد أن تعود إلي مشروع القرار الذي نشرته صحيفة "الأيام" الفلسطينية وهو مشروع تعيدنا إحدي فقرات ديباجته إلي الاتفاق الثاني لفصل القوات في سيناء في سبتمبر 1975 أي قبل حوالي 40 عاما. في نصه علي أنه: "يؤكد من جديد أن التوصل إلي تسوية عادلة ودائمة وسلمية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لا يمكن أن يتحقق إلا بالوسائل السلمية..".. في تلك الأيام. أيام فصل القوات في سيناء. وبعد قطيعة. جاء للقاهرة وفد فلسطيني برئاسة فاروق قدومي والتقي السيد إسماعيل فهمي وزير الخارجية المصري عندئذ. وجري الحديث حول ثغرات الاتفاق بما فيها فقرة مثل بالتي سبقت بالإشارة إليها. فحاول إسماعيل فهمي بذكاء أن يبدو وكأنه يطالع هذا النص لأول مرة. حسب رواية عضو في الوفد الفلسطيني لايزال حيا يرزق ويشغل منصبا مرموقا في السلطة الفلسطينية. الغريب أن شيئا قريبا من هذا يحدث اليوم. فقد أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان أصدرته أن مشروع القرار الحالي "عرض شفويا" خلال اجتماع القيادة الفلسطينية يوم الخميس الماضي. لماذا؟ قال البيان: لأن محتوي المشروع يتعارض مع "مفاصل رئيسية في البرنامج الوطني المتمثل في حق العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس المحتلة في عام 1967". وهذا الموقف أكدته فصائل فلسطينية أخري. علي رأسها الجبهة الديمقراطية التي أصدرت عدة بيانات وقدمت مقترحات محددة بشأن مشروع القرار المعروض إلي مجلس الأمن. وكذلك حزب الشعب وجبهة النضال الشعبي والمبادرة الوطنية. كما وصفت حركة "حماس" الصيغ المقدمة إلي مجلس الأمن بأنها "تنتقص من الحقوق والثوابت الفلسطينية".

تعديلات خطيرة وتنازلات أخطر
هذا النقد الرافض لهذا المشروع قبل أن تمتد إليه يد التعديل والتشويه. من أية جهة جاءت. فما بالنا وبعض التعديلات المنتظرة تشير من الآن إلي أن ينص المشروع عند إقراره علي أن "إسرائيل دولة الشعب اليهودي". مع إعادة توطين اللاجئين. ويتم ذلك من خلال مفاوضات تنتهي في آخر ..2017 مرة أخري مفاوضات ومماطلات. دون ضمان حقيقي لأي نتائج محددة. هذا بالإضافة إلي البحث عن الأغلبية اللازمة لإصدار القرار. وهي تسعة أصوات. بشرط ألا يصطدم المشروع ب "الفيتو" أي حق النقض من جانب أية دولة من الدول الخمس ذات العضوية الدائمة.. وهنا. سيكون الفيتو الأمريكي جاهزا. وهو طالما استخدم ضد أي مشروع قرار يضمن حقا من الحقوق الفلسطينية الثابتة والمشروعة والتي لا يجوز التنازل عنها. طبقا لقرارات وتوصيات الأمم المتحدة نفسها. هذه المرة. تحاول جهات أمريكية أن توحي بأن هناك ترددا أمريكيا. وأن الإدارة الأمريكية تقدم رجلا وتؤخر أخري في الاعتراض علي صيغة المشروع التي يمكن أن تطرح. هذا التردد. إن وجد. يرجع إلي حسابات أمريكية تري أن "الفيتو" في هذه المرة يختلف عن مرات كثيرة سابقة. لأن المطروح اليوم هو استقلال فلسطين بل و"وجود" الدولة الفلسطينية. بشكل يقترب من موقف الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947. حينما ألقت أمريكا بكل ثقلها في خارج المنظمة الدولية وفي داخلها لضمان صدور قرار تقسيم فلسطين. وقد حققت ذلك.
ما العمل؟
حقا. إذن. ما العمل؟ هل هناك إمكانية للقيام بخطوة إلي الوراء؟ المطلب الوطني الفلسطيني الغالب. كما تعبر عنه مواقف القوي الفلسطينية الأساسية - باستثناء فتح!! - يري أنه لا مفر من إعادة المشروع إلي صاحب الحق الأصلي فيه. وهو الشعب الفلسطيني ممثلا في منظمة التحرير الفلسطينية. حسب اقتراح الجبهة الشعبية. أو بالحفاظ علي "التوافق الوطني" علي الأسس التي تم التوصل إليها في المؤسسات الشرعية الفلسطينية. حسب اقتراح الجبهة الديمقراطية. والمطلبان حق وعدل. حق أصيل للشعب الذي لا يملك أحد التنازل عن ثوابته المشروعة. فمن يفعل هذا سيلقي غضب الخالدين: الشعب والوطن.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف