في العلاقات العربية
حتى في أوج الكلام عن «حرب الشعب طويلة الأمد لتحرير كامل التراب الوطني» وعن إمتدادها في المدى العربي، لم تكن الجبهة الديمقراطية تقدم نفسها كمشروع لحزب قومي عابر للحدود، بل كانت تتمسك باستقلالية كل حركة وطنية – برنامجاً وعملاً – ضمن حدودها القطرية (حتى لو كانت هذه الحدود وليدة إتفاق سايكس – بيكو)، مع إقامة أفضل العلاقات فيما بينها من خلال أطر تنسيق وتعاون الخ.. نذكر منها: الجبهة العربية المساندة لـ (ومن ثم المشاركة في) الثورة الفلسطينية التي عقدت مؤتمرها التأسيسي في بيروت أواخر العام 1972، أو اللقاء اليساري العربي القائم حالياً الخ..
ما سبق لا يعبر عن موقف إقليمي منغلق بدليل السعي الدائم لإقامة أوثق العلاقات مع فصائل الحركة الشعبية العربية وأحزابها، لا بل مع الجهات العربية الرسمية على قاعدة الإستقلال والتكافؤ طالما أحد الأغراض الرئيسية من كل هذا هو دعم النضال الوطني الفلسطيني.
في فترة النهوض الجماهيري وبدايات الكفاح المسلح الفلسطيني، كان من الطبيعي أن تشهد الثورة الفلسطينية إقبالاً، لا بل دفقاً من المتطوعين العرب، لما كانت تمثله من نقطة مضيئة في ظلام هزيمة الـ 67، ونظراً لطبيعة القضية الفلسطينية بإعتبارها قضية قومية منغرسة في عمق الوجدان العربي.
وفي هذا، كان حال الجبهة الديمقراطية كما غيرها من الفصائل، مع الإشارة إلى أن الطبيعة الفكرية للجبهة الديمقراطية ونمط علاقاتها الداخلية، لا تضع حاجزاً أمام إرتقاء أي مناضل – وبصرف النظر عن أصوله القطرية - سلم المسئوليات القيادية وصولاً إلى أعلاها بفعل إقدامه وإلتزامه وجدارته. وهذا ما يفسر الحضور القيادي لبعض هذه الحالات المتميزة بدورها وبإنتمائها وهويتها الوطنية الفلسطينية المتأصلة.
في العلاقات العربية تكتسي العلاقات الفلسطينية – الأردنية مكانة متميّزة لإسباب بيّنة. ومع أن هذه العلاقات إجتازت محطات صعبة، إلا أنها إنفتحت على أفق واعد في ضوء تطورين مفصليين:
- قرار الأردن في تموز 1988 بفك الإرتباط الإداري والسياسي مع الضفة الغربية.
- قرار الأردن الإعتراف بالدولة الفلسطينية بعد إعلان الإستقلال الصادر عن المجلس الوطني في تشرين الثاني 1988.
وعليه، وبعد نزع فتيل التشابك بالتوترات الناجمة عنه في العلاقات الثنائية، كان من الطبيعي أن تدفع الجبهة الديمقراطية بإتجاه إستقلال منظمتها في الأردن – التي كانت أصلاً تتمتع باستقلالية واسعة - في إطار حزب أردني تقيم معه علاقات ينظُمْها إطار للعمل المشترك( النص الكامل لإطار العمل المشترك كما ورد في النظام الداخلي للجبهة).
قضايا الوحدة الوطنية
كان لها باستمرار موقع الأولوية في سياسة الجبهة الديمقراطية التي كانت طرفاً مؤسساً في منظمة التحرير منذ دخول فصائل المقاومة إليها واستلامها لقيادتها في شباط 1969، وكذا الأمر بالنسبة للهيئات والأطر التابعة للمنظمة.
في فترة الانقسام الفلسطيني الأول بين العامين 1983 – 1987 ناضلت الجبهة الديمقراطية من أجل استعادة وحدتها على قاعدة البرنامج المشترك الذي كانت الدورة 16 للمجلس الوطني قد أقرته في شباط 1983، أي قبل ثلاثة أشهر من وقوع الانقسام.
واستمرت الجبهة الديمقراطية في نضالها ضد الخروج عن البرنامج المشترك بما في ذلك التوقيع على اتفاق عمان (شباط 1985)، إلى أن استعاد المجلس الوطني في دورته الـ 18 (نيسان 1987) الوحدة المفقودة.
الانقسام الثاني الذي شهدته الساحة الفلسطينية كان سياسياً (ولم يكتسِ طابعاً تنظيمياً أو مؤسسياً) إثر اتفاقات أوسلو، حيث حرصت الجبهة الديمقراطية على إطلاق مبادرة للحوار الوطني الشامل في شباط 1997ـ سرعان ما انتظمت حولها لقاءات حوارية بين رام الله ونابلس وغزة، أثمرت عن توافقات، وإن لم تُتَحْ لها فرصة لأن تأخذ مجراها في الحياة العملية. ومع ذلك فقد أسهمت بتوليد بيئة سياسية داخلية فلسطينية وفرت شروط الوحدة في الميدان بين مختلف الفصائل والاتجاهات، ما أن اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28/9/2000 .
استمرت الجهود الحوارية لرأب الصدع الداخلي حيث بدأت مصر تستضيف جولات الحوار الفلسطيني بدءاً من كانون الثاني 2003، جولات توجت بإعلان القاهرة في آذار 2005 الذي سجلت فيه القوى الفلسطينية المتحاورة إنجازاً مهماً عندما اتفقت على عدد من النقاط الرئيسية منها: تطوير منظمة التحرير، واعتماد قانون انتخابات قائم على النسبية الكاملة للمجالس المحلية، والدعوة إلى انتخابات المجلس التشريعي وبالنظام المختلط الذي يجمع بالمناصفة بين الدوائر والنسبية.
غير أن هذه الخطوات الإيجابية، سرعان ما انقلبت إلى نقيضها إثر انتخابات المجلس التشريعي في كانون الثاني 2006، بالفوز الكاسح الذي حققته حماس، ما أسس لحالة فلسطينية على مستوى العلاقة بين فتح وحماس كانت ومازالت تتراوح بين حدّي الصراع المفتوح أو المحاصصة بديلاً من التوافق الوطني القائم على أساس المشاركة.
ورغم الجهود التي بذلت سواء بإجازة وثيقة الوفاق الوطني في حزيران 2006، التي تعتبر من أرقى الوثائق السياسية التي أنتجها العقل السياسي الجماعي الفلسطيني، أو بتشكيل الحكومة الـ 12، حكومة الوفاق الوطني، فإن خيار الصراع المفتوح طغى على تجاذب فتح وحماس، فسارعت حركة حماس إلى القيام بانقلاب حزيران 2007 في غزة وضع الحالة الفلسطينية أمام الانقسام الثالث، وهو انقسام سياسي، مؤسسي وجغرافي ألحق أفدح الخسائر بالنضال الوطني، ومازالت الجراح التي تسبب بها نازفة حتى اللحظة، رغم تسلسل عديد الاتفاقات التي وقعت من أجل تجاوز حالة الانقسام هذه التي تعتبر من أصعب الحالات التي واجهت الحركة الوطنية الفلسطينية حتى يومنا.
في قضايا الوحدة الوطنية أخيراً لا تفوتنا الإشارة إلى علاقة الجبهة الديمقراطية كمنظمة يسارية بسائر المكونات اليسارية في ساحة العمل الوطني الفلسطيني، حيث تنطلق رؤية الجبهة الديمقراطية من دافع تعددية هذه المكنونات تعبيراً عن غنى هذا اليسار، خصوبة فكره وعراقة تاريخه.
على هذه الخلفية تسعى الجبهة الديمقراطية، إلى تحقيق وحدة العمل بين مختلف مكونات هذا اليسار، وبطموح توسيع مساحته باضطراد، وبأفق التقدم نحو تجبيه مكوناته ضمن صيغ تنظيمية وبرنامجية مستقرة ■
• عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف