الجدلية القانونية في تعريف اللاجئ الفلسطيني

يسود التشويش والتذبذب في تعريف من هو الفلسطيني، نتيجة الإضطرابات السياسية العربية أثناء الخلافة العثمانية من جهة، وإبراز الهوية اليهودية من قبل الإنتداب البريطاني من جهة أخرى، وتعزيزها على حساب الهوية الفلسطينية التي إندمجت مع الهوية العربية، ما جعل مصطلح "فلسطيني" ينطلق من مبدأ القومية العربية، أو من خلال العرب الذين سكنوا فلسطين التاريخية.

أشار المجلس الوطني الفلسطيني في المادة الخامسة من ميثاقه أن الفلسطينيين هم العرب الذين كانوا يقيمون إقامة دائمة في فلسطين حتى تاريخ 1947، سواء من أخرج منها أو بقي فيها، وكل من ولد من أب عربي فلسطيني، بعدا هذا التاريخ، سواء كان داخلها أو خارجها، أما المادة السادسة منه، فقد أشارت إلى اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين التاريخية حتى بدء الغزو الصهيوني يعتبرون فلسطينيين.

أما قانون الجنسية الفلسطينية الصادر عام 1995، فيشير إلى أن الفلسطيني من كان أحد أسلافه مولودا في فلسطين وفق حدودها زمن الإنتداب البريطاني، واكتسب الجنسية الفلسطينية بموجب القوانين المعهودة في ذلك الوقت، أو إذا كان مولودا في قطاع غزة أو الضفة الغربية، أو القدس الشرقية، أو إذا كان زوجا لفسلطينية أو زوجة لفلسطيني، وألا يكون قد اكتسب الجنسية الإسرائيلية، ما يعني إستثناء هذا القانون للأقليات العربية الموجودة في "إسرائيل" داخل الخط الأخضر عام 1948.

لكن عبر الفلسطينيون عن أنفسهم في مفاوضات "أوتاوا"، أن الفلسطينيين هم الذين طردوا أو أجبروا على ترك بيوتهم بين تشرين الثاني 1947 (قرار التقسيم 181)، وبين كانون الثاني 1949 (إتفاقية الهدنة / رودس)، من الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل في ذلك التاريخ.

فيما يخص اللاجئ الفلسطيني، فقد تم تعريفه من قبل إتحاد جمعيات الصليب الأحمر التي كانت أول جهة دولية قدمت الإغاثة للمهجرين الفلسطينيين عام 1948، بأنه أي شخص كان مقيما في فلسطين إقامة دائمة، وكان له فيها شغل رئيسي حرم منه نتيجة الصراع على فلسطين، وليس لديه موارد كافية لضرورات الحياة الأساسية حينها يعتبر لاجئا أهلا للإغاثة.

وقد إستعانت وكالة الأونوروا بهذا التعريف التي أنشئت بموجب القرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، حيث عرفت اللاجئ الفلسطيني بأنه أي شخص كانت فلسطين محل إقامته خلال الفترة الممتدة من 1 حزيران 1946، إلى 15 أيار 1948 وفقد منزله وسبل معيشته نتيجة الصراع سنة 1948.

من خلال الإضطلاع على ما سبق، يمكننا الإستنتاج أن كل تعريف كان خلال حقبة زمنية محددة، تهدف لوضع معين ، لكن لم يخدم إلى الآن الأهداف الأساسية العامة، بل شتتها، ما جعل الفلسطينيين إلى اليوم يلجؤون إلى المنظمات الدولية والوكالات القانونية المختلفة وعلماء الإجتماع السياسي، للتعريف عن أنفسهم أو التعبير عن قضيتهم والتعريف بأصحابها، وكما يقال من لم يتقن التعريف بنفسه لا يتقن إستعادة حقوقه.

بعد عرض هذه التعريفات، يتضح أن مستقبل اللاجئين الفلسطينيين يسوده الضباب، أو ما يعرف بالمنطقة الرمادية، خصوصا بعد تعريف المجلس الوطني الفلسطيني للفلسطينيين ورفضه من قبل الأونروا، وتجاهله من قبل مفوضية اللاجئين، ما جعل الفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم داخل إسرائيل مشردين داخليا، وسقط تعريف الأونروا عن الذين أبعدتهم سلطات الإحتلال الإسرائيلية عام 1967، وكذلك عن الفلسطينيين الذين أبعدوا ومنعوا من العودة، ناهيك عن الذين منعتهم كرامتهم من التسجيل في وكالة الغوث (الأونروا).

ما يزيد الأمر صعوبا في تعريف اللاجئين الفلسطينيين، اللجوء إلى أكثر من بلد، بسبب التغيرات السياسية، أو النزاعات المسلحة، كما حصل في الأردن، سوريا، الكويت، العراق... ورغم من إنطباق المادة الأولى من إتفاقية جنيف للاجئين عام 1951، إلا أنهم مستثنون من الإتفاقية بموجب البند أ-د، التي شكلت لهم حالة خاصة، إنقسمت إلى ثلاثة أقسام، الأولى الفلسطينيون الذين يقعون تحت نطاق وكالة الغوث (الأونروا)، الثانية الفلسطينيون الذين يقعون تحت نطاق عمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والثالثة الفلسطينيون المتواجدون في بلدان لم توافق على الأونروا ولا على المفوضية، ما أدى إلى ظهور فجوة قانونية تتعلق بالحماية الدولية والحقوق، رغم إقتصار الأونروا على الحياة المعيشية والصحة دون تقديم الحماية القانونية لهم.

وقد إستغل الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب" الخلاف القانوني حول تعريف اللاجئ الفلسطيني، وإعتبر أن اللجوء لا يورث، وبالتالي فإن إبن اللاجئ ليس لاجئ، ما أدى إلى خلق جدلية جديدة، إحتج من خلالها على أعدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في وكالة الغوث (الأونروا)، وبرر موقفه في قطع المساعدات التي كانت تقدمها الإدارة الأميركية.

تبقى الكرة اليوم في الملعب الفلسطيني، للعمل على تكريس التعريف الذي إعتمده المجلس الوطني الفلسطيني المنبثق عن منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والتمسك به، كونه التعريف الذي رضي بها عامة اللاجئين الفلسطينيين، والذي يشكل جزء لا يتجزأ من حرية تقرير المصير.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف