لم يكن يعتقد أنه سيدخل يوماً قائمة العشرة الأكثر تعليماً بالعالم، محمد زكريا ابن طيرة الكرمل المولود في مخيم البص بلبنان، 43 عاماً، يفتخر بحصده 13 شهادة أكاديمية عالية المستوى، ونشره عشرات الأبحاث في أرفع المجلات العلمية الأوروبية.
يتحدث محمد عن بدايته فيقول: “انا فلسطيني ولد كأي فلسطيني لاجئ بلبنان، حيث الظروف المعيشية الصعبة والفرص المحدودة تعلمت في مدارس الأونروا وتخرجت من أحد مراكز تدريبها المهني في لبنان، في التاسعة عشرة من عمري غادرت إلى لاتفيا، والتحقت ببرنامج البكالوريوس الأول ثم الماجستير فالدكتوراة في الهندسة الميكانيكية بتخصص هندسة وفيزياء طبية”.
التعليم كجواز سفر
بداية واعدة وقوية للشاب الطموح، لكنها لم تكن كافية لتغيير حقيقة أن اللاجئ الفلسطيني في لبنان لا يملك جواز سفر أو جنسية تسمح له بالتنقل والإقامة وبناء مستقبل واعد كما يحلم، ليجد محمد في الاستمرار برحلة التعليم حلاً لتوفير اقامة واستقرار بأوروبا .
يقول: “منذ حصولي على الدكتوراة في لاتفيا بدأت محاولات الاستقرار في مكان يوفر لي فرص حياة كريمة، لكن هذا لم يكن سهلاً لفلسطيني قادم من لبنان لا يمتلك أي نوع من وثائق السفر، حصلت على قبول من جامعة ليند السويدية ومنحة من الحكومة السويدية غطت تكاليفي، من هنا بدأت حكايتي مع التعليم كجواز سفر”.
ويتابع الفلسطيني الأكثر تعلماً “اليوم احمل 13 درجة أكاديمية تشمل 8 شهادات ماجستير و3 شهادات بكالوريوس وشهادة دكتوراة وشهادة مهنية”.
لم يتقدم محمد بطلب للحصول على جواز سفر لأي دولة، لكنه حصل على الإقامة الدائمة في السويد لعمله وتعليمه، قبل أن يمنح في عام 2012 المواطنة السويدية لذات السبب، قبل ذلك كان يعرف عليه على أنه فلسطيني بلا دولة من لبنان يتنقل بوثيقة سفر ضعيفة الأثر.
فلسطين جاهزة للحرية
لا يزال محمد يحلم بالعودة لفلسطين، فهي حكاية الأمنيات والمكان الذي ينتمي اليه كما يصف “فلسطين حيث انتمي ولا أشعر بالغربة أبداً، دوما انتظر العودة لأشعر بوطني وأرضي بعيداً عن الغربة واللجوء والاغتراب”.
الإنجاز لغة الممكن كما يصف الشاب الفلسطيني المقيم بالسويد، فهو يعتبر انجازه رسالة لكل فلسطيني بأن المستحيل لا يجب أن يكون بقاموس أي صاحب هدف، هذا يعني أننا شعب يقاوم ويخطط ويحب الحياة، نحن جاهزون للحرية لأننا احرار من الداخل، لا شيء مستحيل مع ان الطريق طويل وصعب، صنعنا الكثير من الانجازات في كل مكان وجاهزون للإنجاز بدولتنا الحرة”.
يتمنى محمد الحصول على فرصة لمتابعة التقدم على مستوى التعليم العالي بفلسطين، لا يعتبر ان تقييم التعليم بفلسطين سهل وموضوعي عن بعد، لكنه ينتظر الفرصة للمساهمة بدعم التعليم في الوطن من خلال ما اكتسب من خبرة ومعرفة. ويضيف “وجود جامعات عالية المستوى تحت الاحتلال انجاز بحد ذاته، المستوى المعرفي والعلمي متقدم لإدراك الفلسطيني اهمية التعليم بمواجهة المحتل، سنتقدم أكثر ان كنا نمتلك السيطرة على مقدراتنا”.
المستقبل والطموح
يرى الباحث الشاب أن مستقبله يجب أن يكون كصانع قرار في منظمة دولية، يعمل من خلالها على خدمة شعبه ووطنه، ويؤمن أن دوره لن يكون أقل أهمية في رسم سياسات رفع جودة التعليم بفلسطين.
“اليوم أنا الفلسطيني والعربي الحامل لأكبر عدد من الشهادات الأكاديمية، لا أحد من صناع القرار يمتلك فكرة عن انجازي، أتمنى أن يعلم الجميع أنني افتخر بهذا الإنجاز لوطني، وليؤمن الجميع أن الكل قادر بإنجازات صغيرة متواصلة على خلق واقع أفضل بكثير”.
الفلسطيني في لبنان..إبداع ومعاناة
يصف محمد حالة التعليم لأبناء فلسطين في لبنان بالصعبة، ويتحدث عن ذلك بحرقة قائلا: “في لبنان آلاف من أبناء شعبنا من المبدعين والمميزين، لكن قسوة ظروف الحياة وصعوبة توفير الموارد المالية للتعليم في ظل ارتفاع مستويات الأقساط الجامعية، أعرف العديد من الأمثلة من المبدعين والمميزين الذين فقدوا فرصة التعليم وتطبيق ابداعاتهم لأسباب مالية، شاءت الظروف ان احصل على فرصة نادرة بالخروج من لبنان والتعلم حتى هذه المرحلة، يمكن القول انني حالة نادرة لا تتكرر كثيراً في السياق الفلسطيني بلبنان”.
لا يغفل ضيفنا دور السلطة الوطنية في دعم التعليم بلبنان، لكنه يقر ان الاحتياج أكبر بكثير من امكاناتها المتواضعة، في مجتمع يغلب عليه الفقر المدقع وندرة فرص العمل، ومع ذلك يرسل محمد رسالته “اتمنى توفير المزيد من فرص المنح الدراسية والتعاون مع دول أخرى لمنح اللاجئ الفلسطيني بلبنان فرصة عمل مميزة، فتعليم فرد من الأسرة هناك كفيل بإخراج العائلة من دائرة الفقر الشديد، أو على الأقل تحسين ظروف حياة افرادها”.
التميز ليس بالدراسة فقط
“التعليم يعطيك الأدوات لكن الممارسة وجودة التطبيق ترتبط بالشخص، شخصياً أوظف مهاراتي ومعارفي للترويج للقضية الفلسطينية وطرحها في كل موقع أصله من خلال إبراز روايتنا على الرواية الإسرائيلية الطاغية بالأدبيات الغربية، وأحاول أن استثمر قدراتي لإبراز معارفي وعلمي، الجميع يتعامل معي بناء على شخصيتي المدعمة بالمعرفة وليس ككتلة معرفة مجردة”.
أمل ومستقبل
يحلم محمد بزيارة القدس، ويأمل بأن تستثمر الحكومة الفلسطينية انجازه كرسالة للعالم عن الفلسطيني المتعلم والجاد، يحلم أن تحكى حكاية فلسطيني شق طريقاً صعباً وتربع بين أكثر المتعلمين بالعالم، ويقول لكل فلسطيني يرغب بالتعلم “لا تترك حلمك رغم كل الظروف الصعبة، علينا المحاولة دوماً لإخراج أفضل ما بجعبتنا، وسنحصل يوماً ما على ما نستحق، التعليم قيمة عالية وجودة فردية ومجتمعية وسلاح قوي ان تم استثماره، بل هو الأقوى في الحالة الفلسطينية”.
لا تزال حكاية محمد مستمرة، فهو يعد أطروحة الماجستير في العلوم السياسية، بجامعة ليند السويدية حول اجندة الطاقة بالاتحاد الأوروبي، ولا ينقطع أبداً عن نشر أوراق ومساهمات بحثية في أبرز المجلات العلمية الدولية المحكمة، يؤمن بأنه قادر على أن يكون نموذجاً شاباً مميزاً، ويعتبر أن طريقه مستمرة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف