أبرز ما يميز الفكر العسكري لليهود، القديم والمعاصر، هو ذلك الربط الوثيق بين "حروب دولة الكيان" وبين "رب الجنود". فالحرب عمل مقدس، في ذلك الفكر، لأن قائدها هو الله، "يهوه" إله يهود. وهو في الوقت نفسه رب الجيوش، محارب شديد، يقود شعبه بعنف وغلظة"، وترتيبا على ذلك فكل حروب يهود، قديمها وحديثها، إنما هي حروب مقدسة، وفي هذا المعنى يقول "موشى جورين" حاخام جيش الدفاع الصهيوني، إبان الجولة الثالثة في يونيه 1967: "إن حروب الكيان الثلاث مع العرب في سنوات 1948، 1956، 1967 إنما هي حروب مقدسة، إذ دارت أولاها "لتحرير دولة الكيان"، وقامت الثانية "لتثبيت أركان دولة الكيان"، أما الثالثة فقد كانت "لتحقيق كلمات أنبياء يهود". "ومن أجل تحرير وتثبيت وتحقيق أمن دولة الكيان نؤمر بالقتال".


2. العناصر الأساسية للفكر العسكري الصهيوني


أ. في كتاب العهد القديم


إذا كان للحرب، في موازين العقيدة اليهودية، كل هذه القدسية، وتلك الوشائج برب الجنود، فيكون منطقيا أن ينظر إلى كل ما يترتب عليها من عواقب ومجازر، كنتائج طبيعية تتطلبها ضرورة إطاعة "الأوامر الإلهية"، التي تأمر بالاستيلاء على أرض الميعاد وتفريغها من السكان الأصليين. هكذا كان "وعد الله" لشعبه المختار في التوراة، كذلك حول هرتزل هذا الوعد الديني إلى "مخطط صهيوني سياسي". ولا تكتفي الصهيونية بذلك، بل تستبيح دون قيود، أو حدود، أية أرض تطؤها أقدام جنود صهاينة، فتلك وصية الرب ووعده الإلهي لشعبه المختار.


وفي المعنى نفسه، قال بن جوريون في خطاب له أمام الكنيست: إن ما حدده الرب من حدود هو أفضل ضمان لدولة الكيان، أما الضمانات التي أعطتها لنا الدول الثلاث الكبرى (البيان الثلاثي الذي أصدرته الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا عام 1950 لضبط التسلح في الشرق الأوسط وضمان حدود دولة الكيان) فليس لها مثل هذا الوضوح أو تلك الثقة ".


ب. في كتاب التلمود


ورد في التلمود أن: "الأرض المقدسة، هي أعلى من كل الأراضي"]، كما جاء فيه الدعوة إلى تفضيل السكن في أرض الميعاد، في مدينة أكثر سكانها من غير اليهود، على السكن خارج الأرض المقدسة في مدينة، أكثرية سكانها من اليهود، كما ورد فيه أن هواء فلسطين هو الأفضل في الكون، وهو يكفي لجعل الإنسان حكيماً.


ج. فكرة الخلاص، والعودة إلى أرض الميعاد


جوهر هذه الفكرة، من وجهة النظر اليهودية، ينطوي على إعادة بعث الشعب اليهودي، وعودته إلى الأرض التي وعدهم بها الله (في فلسطين). وكان من نتيجة هذه الفلسفة انطباع أمل العودة إلى فلسطين لدى اليهود، بوصفه الخلاص من عهد العبودية والتشتت. إلا أن قادة الصهيونية حاولوا جعل فكرة الخلاص عقيدة سياسية، أكثر منها دينية. فهم يرددون أن أرض الميعاد، هي الأرض التي يقول اليهود إن الله قد وعدهم بها، وذلك بناء على عدة نصوص وردت بالتوراة.


د. فكرة السيادة العالمية لليهود


تتبع هذه الفكرة من عقيدة التفوق والتميز، نتيجة لكون شعب بنى يهود شعب الله المختار، لذلك فرسالتهم القيام بدور القيادة العالمية، على أن تكون القاعدة التي ينطلقون منها، هي العودة والاستيلاء على أرض الميعاد.


ونتيجة للفلسفة اليهودية، تميزت تصرفاتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالعنصرية الشديدة، والانعزال، وعدم الاندماج مع سائر بني البشر (تكوين جيتو Ghetto في أي بلد يقطنونه) واستغلال غير اليهود، بالإضافة لعدم الولاء الكامل للدولة التي يقيمون بها، ويعدون مواطنين فيها. وكان رد الفعل لتصرفات وسلوك اليهود، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، أن تعرضوا لموجات من الاضطهاد، على مدار الفترات المختلفة، وأدى ذلك إلى ظهور المصطلح السياسي "اللاسامية".


هـ. اللاسامية:Anti-Semitism


يقصد باللاسامية عداء السامية أو مناهضة اليهود، أي النشاط والأعمال المعادية لهم.


وهكذا كانت اللاسامية، من أهم البواعث على ظهور الصهيونية السياسية، حيث استغلت الزعامة الصهيونية، عقدة اللاسامية، كدافع لجذب الأنصار، كما استغلت الصهيونية ظواهر اللاسامية، لدفع عجلة الصهيونية، حيث عبر هرتزل عن ذلك بقوله "إن الصهيونية هي وليدة الضغط والاضطهاد، وأنه إن لم يكن هناك ضغط واضطهاد ضد اليهود، فيجب أن نخلقهما لكي تقوى الصهيونية، ونجعل اليهود يتحدون ويتحركون لتحقيق أهداف الصهيونية".


3. المرجعية التاريخية للفكر العسكري الصهيوني(اليهودي):


ترسيخاً لهذا الفكر، بذل المؤرخون العسكريون اليهود، غاية جهدهم لإخراج ما أسموه "بالتاريخ العسكري اليهودي". وربطوا بين معارك العبرانيين في التاريخ القديم، وحروب دولة الكيان في التاريخ الحديث، ليقنعوا أنفسهم، قبل غيرهم، أنهم أصحاب "مهمة إلهية" تخصهم بشرف إتمام رسالة الآباء والأجداد.


كان تعبئة جيش الكيان ضخم، على أساس هذا الفكر، يتطلب تحويل مجتمع يهود برمته إلى "شعب مسلح"، لذلك، أصبح لزاماً أن تحاط الحرب بهالة من القدسية، حتى يصير شـرف الانخراط في سلك الجندية أملاً يتمناه كافة اليهود، وامتيازاً ينفرد به الصفوة. ولتحقيق ذلك، تبذل المؤسسة العسكرية الصهيونية الجهود، لترسيخ تعاليم الديانة اليهودية، التي تحض على القتال، وتحث على تعبئة الموارد والإعداد للحرب، كما تعمل بلا ملل على نشر الوصايا الدينية العسكرية لتصبح جزءاً من حياة الجنود، وقد استلزم تثبيت هذه المفاهيم في وجدان اليهود، خلق رباط تاريخي متين، بين ماضي العبرانيين القديم، وحاضر الصهيونيين المعاصر.



Easter - 9s2zLiDQ9I
2016-05-18 08:50
Damn, I wish I could think of sotehming smart like that!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف