الناس يخافون من الحديث. فهنا يوجد كم للأفواه. الأجواء في الشبكات الاجتماعية والشارع مخيفة. يخافون من قول ما يفكرون به بصوت مرتفع لأنهم يعرفون أنهم اذا تحدثوا بصوت مرتفع فانهم سيبتلعونهم ويتهجموا عليهم ويهددونهم، وسيجدون أنفسهم وحيدين أمام جموع غاضبة. وفي العادة يرتدع الناس عن السير بعكس التيار.


إنهم اشخاص جيدون لكنهم صامتون. ففي الأجواء العامة الحالية في اسرائيل يفضلون الاختفاء، إنه شعور سيء أن تكون جزءً من أقلية منكمشة على نفسها. هذا لا يعزز أمنهم الوجودي، واحيانا يشكّون في أنفسهم، أو يتساءلون اذا ما أصيبوا بالجنون. اذا كان الجميع يفكرون بصورة مختلفة فهم مخطئون اذا. وبالتالي يقومون بطأطأة رؤوسهم. كان يفترض أن يكون الفيس بوك والتويتر هدية كبيرة للديمقراطية. لكن يتضح أنهم يُغذيان الوحدة الفكرية ويفرضان ارهابا فكريا. الفتك والخزي هي مفاهيم العصور الوسطى والفترة التي سبقت النهضة والأنسنة. وهذه الكلمات تحولت الى جزء لا يتجزأ من واقعنا الحالي. لم يكن الانسان مكشوفا بالقدر الذي هو مكشوف فيه الآن ويتعرض للتأثير من الشبكات الاجتماعية. الجميع يراه ويتابعه، من الاجهزة الاستخبارية وحتى آخر الزعران المندفعين.


لذلك يجب الالتقاء في احتفالية لمرة واحدة. هل يوجد اليوم في اسرائيل نصف مليون شخص مستعدين للقدوم الى ميدان رابين؟ من اجل القول إننا ندرك بأن اسرائيل تحولت الى دولة ثنائية القومية، وإن فيها نظام تمييز عنصري تجاه الفلسطينيين في المناطق. احتفالية للاعلان عن نهاية الصهيونية ونهاية الديمقراطية ونهاية العدالة الاجتماعية. لأنه لا توجد صهيونية أو ديمقراطية أو عدالة اجتماعية في دولة ثنائية القومية يسود فيها نظام تمييز عنصري.


يبدو أنه ستكون لهذه الاحتفالية قيمة رمزية ومعنوية كبيرة. فالناس الذين يخافون من الحديث سيكتشفون أنهم ليسوا وحدهم، وسيخرجون من الدائرة الضيقة الخائفة والتي تبعث على اليأس، وسيعرفون أنهم ليسوا مجانين أو أنهم يتخيلون، وأن هناك من يرى الذي يرونه، وأن أعينهم ترى الواقع الواضح والقاطع.


يمكن أن لا تكون حاجة للخطابات في هذه الاحتفالية، بل حمل اللافتات والوقوف بصمت فقط. الوقوف وعدم الحركة لساعات طويلة. نصف مليون شخص يفهمون أن المسألة قد انتهت، بدون خطابات مزعجة لليمين. تسيبي لفني وهرتسوغ وشيلي يحيموفيتش (كم تستطيع قول اشياء حادة وواضحة عن الغاز لكنها لا تستطيع قول كلمة واحدة عن اخلاء جميع المستوطنات على طول الشارع رقم 60 في المناطق؟)، هؤلاء لا يجب دعوتهم. فهم جزء من الطريقة التي أنزلت الكارثة على اسرائيل. هذه نهاية اسرائيل مثلما كنا نعرفها.


قد تنشأ بداية من هذه النهاية، في اعتصام واحتفالية نهاية الصهيونية، ونهاية الدولة اليهودية، قد تنشأ حركة سياسية جديدة تعترف بالواقع الجديد وترد عليه بالمثل. حركة تطالب بتفكيك نظام التمييز العنصري في الدولة ثنائية القومية.


يكفي هذا الأمل الفارغ بـ "السلام" المثالي وغير الملموس، الذي هو عامل أساسي في نقاش اليمين. في دولة ثنائية القومية لا حاجة الى السلام بل بحاجة الى الديمقراطية، بحاجة الى حقوق الانسان. في الدولة ثنائية القومية لا مكان لدولتين. لا يمكن اعادة قشرة البيضة بعد تحطمها.


من يريد أن يأتي؟.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف