أمير تيفون
حينما وقّع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ظهر الخميس الماضي، على تفعيل البند 52 لقانون المسؤول عن القيود التجارية، الذي يسمح له نهائيا بتمرير صيغة الغاز، كان يعلم بنتائج اللقاء الذي جرى قبلها بيوم في سويسرا بين كبار ممثلي تركيا وإسرائيل.
فالمصادقة النهائية على الصيغة والاختراق في اتصالات المصالحة مع تركيا هما حدثان وقعا في ختام عملية طويلة، مستمرة ومعقدة، لكن اقترانهما ببعضهما ليس صدفة.
وتشكل إمكانية تصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى تركيا، التواق اقتصادها لطاقة متوفرة وموثوقة، محفزاً للمصالحة بين الدولتين منذ زمن طويل. ومنذ أكثر من عام نسمع، مرة كل شهرين أو ثلاثة، أن الاتصالات بين الدولتين تتقدم وقريبة من الاكتمال.
والحوافز التركية العالية أصلا، ازدادت جدا في الأسابيع الأخيرة على خلفية الأزمة في علاقاتها مع روسيا.
واسقاط الطائرة الروسية على حدود سورية انضمت للخلاف العام والشديد بين الدولتين حول مصير نظام الأسد، دفع روسيا، وفق تقارير في الصحافة التركية، لتجميد اتصالاتها بشأن إنشاء أنبوب غاز في البحر بين الدولتين.
وفي هذا الوضع، غدا الغاز الإسرائيلي فجأة جذابا على وجه الخصوص للأتراك.
وفي الإيجازات التي قدمتها جهات رسمية إسرائيلية عن الاتفاق المتبلور مع تركيا، نال موضوع الغاز مكانا بارزا. وأوضح مسؤول إسرائيلي أنه «قريبا ستبدأ مداولات لمد أنبوب غاز من إسرائيل لتركيا وبيع الغاز».
وفضلا عن اتفاق حول تعويض عائلات قتلى مرمرة بعشرات ملايين الشواكل، وإزالة محتملة للدعاوى ضد إسرائيل وجنود الجيش على الحادث، ووقف نشاط مسؤول حماس صالح العاروري من الأراضي التركية.
غير أن موضوعاً واحدا لم يذكر في الإيجازات: قطاع غزة. في ديوان رئاسة الحكومة لم يردوا عن أسئلة بشأن التوصل لاتفاق في هذا الموضوع الحساس، الذي عرضه الرئيس التركي في العام الأخير مرارا كمقوم أساسي في اتفاق مصالحة كامل بين الدولتين.
وطلب الرئيس أردوغان من إسرائيل رفع الحصار الذي تفرضه على غزة، وتمكين حكم «حماس» من حرية عمل اقتصادي أوسع. ومن المثير للاهتمام معرفة كيف سيتغلب الأتراك وإسرائيل في الأيام القريبة على هذه العقبة الأخيرة. ففي ظل غياب تنازل جوهري لأحد الطرفين بهذا الشأن، يمكن لاتفاق المصالحة أن ينهار، رغم المصلحة القوية للطرفين في مجال الغاز.
وإذا تبين أن نتنياهو تنازل في الموضوع، وقبل مثلا بفكرة «الميناء العائم» في البحر المتوسط لخدمة غزة، أو بالتبادل، زيادة كبيرة في وتيرة دخول البضائع للقطاع عبر ميناء اسدود، فمن المتوقع أن يكمن له وزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، الذي عارض مثل هذه الخطوات أثناء «الجرف الصامد».
وبدأ ليبرمان في الأيام الأخيرة حملته في الشأن التركي، عندما تكاثرت التلميحات حول المصالحة مع أردوغان. وحذر أن هذا خطأ، وأن تركيا حاليا دولة معزولة ومكروهة في الشرق الأوسط، ولا مبرر لإسرائيل في نظره بالتقرب إليها. وكل معلومة عن تسوية، ولو ضئيلة، بشأن قطاع غزة، قد تتحول إلى موضوع هجوم أعنف لزعيم إسرائيل بيتنا.
وواقع عدم حل موضوع غزة نهائيا حتى الآن، وبقائه بحاجة لمصادقة الزعيمين، يدفع إسرائيل إلى عدم استبعاد خيارات أخرى في مجال الغاز، رغم الرغبة في التقدم مع تركيا. لذلك، بموازاة الاتصالات التي جرت، هذا الأسبوع، مع الأتراك، استمرت أيضا الاتصالات مع شركاء محتملين آخرين. ومثيرة في هذا السياق الزيارة التي قام بها لإسرائيل المديران العامان لخارجية اليونان وقبرص، ولقاؤهما مع نظيرهما الإسرائيلي دوري غولد في وزارة الخارجية.
وكرس اللقاء أساسا لإعداد القمة الثلاثية، الأولى من نوعها، التي ستنعقد في الشهر المقبل في قبرص بين رئيس الحكومة نتنياهو، ونظيره اليوناني ألكسيس تسيفارس، الذي زار إسرائيل الشهر الفائت، والرئيس القبرصي نيكوس أنستاسياديس، الذي زار إسرائيل خلال الصيف. وستركز القمة على فرص التعاون في مجال الغاز، والتي بحثت مطولا في السنوات الأخيرة بين الحكومات الثلاث، كما أيضا بين شركات الغاز في هذه الدول. وقد درست إمكانية مد أنبوب بحري من إسرائيل إلى قبرص وتحويل الجزيرة إلى محطة لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عن طريق «الشريك الأكبر» لقبرص، اليونان.
وتتطلع اليونانيون والقبارصة إلى الغاز الإسرائيلي ليس أقل من الأتراك، وهم قد يجلبون للطاولة شريكا آخر، مصر. وعقدت في العام الأخير قمتان ثلاثيتان بين اليونان وقبرص وإسرائيل مشابهتان للقمة التي ستجري بعد شهر مع إسرائيل. صحيح أن فرص تصدير الغاز لمصر تواجه مؤخرا عقبة جدية بعد إعلان الحكومة المصرية تجميد كل الاتصالات مع إسرائيل بهذا الشأن، لكن تل أبيب تأمل أن تكون هذه عقبة مؤقتة. و«صفقة المساجين» التي نفذتها الدولتان، الأسبوع الماضي، تعزز الانطباع بأن العلاقة بين قيادتي الدولتين لا تزال وثيقة، ما يعني أن الباب على الأقل لم يغلق تماما.
وقد نشأ التحالف الثلاثي اليوناني- القبرصي- المصري على خلفية العداء المشترك لتركيا. فالعداء بين اليونان وقبرص يمتد لعشرات السنين على خلفية احتلال تركيا لشمال قبرص. والسبب الفعلي والأهم لخصومة مصر هو معارضة أردوغان العنيدة للحكم العسكري في مصر ودعمه لـ «الإخوان المسلمين»، الذين أطاح بهم الجنرال عبد الفتاح السيسي في صيف 2013. وشكل العداء المشترك لأردوغان في العام الأخير «اللاصق» بين الدول الثلاث، ما عزز أيضا علاقات كل من هذه الدول أيضا مع إسرائيل، التي وجــدت نفسها في توتر مستمر مع تركيا منذ 2010.
والسؤال الكبير هو ما تأثير المصالحة الإسرائيلية التركية، بافتراض إتمامها، على الاتصالات مع هذه الدول؟ والقرار الإسرائيلي بانشاء أنبوب غاز إلى تركيا لا ينفي بالضرورة إمكانيات أخرى بحثت مؤخرا مع قبرص، اليونان ومصر، لكنه بالتأكيد يشكل ذريعة للتأجيل وتقليص مشاريع كهذه. لقد أفلحت إسرائيل في الرقص في كل الأعراس، والإيحاء لكل الأطراف بأنها معنية بالتعاون معها، لكنها لا تستبعد خيارات أخرى. الآن بعد إقرار صيغة الغاز، ثمة حاجة لاتخاذ قرارات، ليس مؤكدا أن كل الأطراف ستحبها.
عن موقع «والا»

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف