من الصعب أن يكون المرء عربيا، مسلما ومواطنا اسرائيليا في نفس الوقت. من الصعب على المرء ان يكون مواطنا في دولة هي عدو لابناء شعبه، ومؤسساتها تميز ضده، وجماعات عديدة من بين أغلبيتها يرون فيه خطرا، وحكومتها تضعه في اسفل سلم اولوياتها. من الصعب على المرء ان يكون في عقدة الهوية ومعضلة الولاء.

لا مجال للخطأ. في هويتهم العرقية – القومية فان عرب اسرائيل هم فلسطينيون، بالضبط كاخوانهم في نابلس، الخليل وغزة، او اولئك الذين يسكنون في الاردن وفي لبنان. واقع حياتهم كمواطنين اسرائيليين فرض عليهم في 1948 كنتيجة لاقامة الدولة، واتفاقات اوسلو فرضت مستقبلهم داخل دولة اسرائيل، إذ ان اعتراف م.ت.ف باسرائيل حدد حدود الكفاح السياسي الفلسطيني بخطوط 67 واخرجهم من الحل السياسي – الحزبي لحركتهم الوطنية. وقد بقوا جزءا من مشكلة النزاع ولكن ليس جزء من حله.


في العقدين الاخيرين، رغم الازمات الصادمة مثل أحداث تشرين الاول 2000 يبدو واضحا في اوساط عرب اسرائيل ميل ثابت للتكيف والانخراط في حياة الدولة. واقع الحياة والرغبة في البقاء على ارضهم جراهم الى سياقات الاسرلة، واليوم لم يعد ممكنا قطعهم عن المجتمع الاسرائيلي.

لهم تواجد بارز في مجالات الطب ("اذا لم يكن عرب، فلا يوجد صيادلة") وفي صناعة الغذاء، تمثيل في الرياضة (ليس فقط ابناء سخنين)، في المسرح، في السينما وفي التلفزيون ("الاخ الاكبر"، "البقاء"). الكثيرون يتعلمون في الجامعات والكليات الاسرائيلية. العبرية طلقة على لسان معظمهم – وبشكل عام أنتجوا لغة جديدة "عربرية"، تخلط في داخلها عناصر وصياغات من اللغة العبرية. وهم يكيفون لانفسهم مقاييس مستوى معيشة واسلوب كالمجتمع اليهودي.

ميل التكيف يتلقى تعبيرا في السياسة ايضا. وبالتشديد تحت قيادة ايمن عودة كرئيس للقائمة المشتركة. فعودة يوجه الكفاح نحو مساواة الحقوق للمواطنين العرب في الدولة. فمطالبهم السياسية لانهاء النزاع، حسب رؤيا الدولتين، لا تختلف كثيرا عن مطالب اليسار الاسرائيلي.

لقد نجح الفلسطينيون مواطنو اسرائيل، حسب تركيبة وعقدة الهوية في تطوير آليات نفسية تسمح لهم بالحفاظ على هويتهم الكامنة الفلسطينية وفي نفس الوقت التمسك بهويتهم المدنية الاسرائيلية. فمن استطلاع اجراه البروفيسور سامي سموحه من جامعة حيفا في تشرين الثاني 2015 يتبين أن لـ 73.2 في المئة من العرب يوجد عنصر اسرائيلي في هويتهم. وهذا كثير. وقد تزايدت هذه الميول في السنة الاخيرة.

هذا وذاك ايضا بات اصعب بكثير هذه الايام. فالاغلبية الساحقة من العرب في اسرائيل شجبوا ونددوا بالقتل في تل أبيب، بعد أن ميزوا أنفسهم عن عنف السكاكين للفلسطينيين في المناطق وردوا بضبط للنفس على اخراج الحركة الاسلامية عن القانون. بحوث عن مشاركتهم في المس بامن الدولة تبين بشكل واضح أن نصيبهم في الارهاب هامشي، مع أنهم مشحونون بمشاعر جماعية مع امكانية كامنة للتطرف، للثورة وللانعزالية.

الحكومة باذرعها ملزمة بان تشجع سياقات التكيف، العمل على دمج العرب في حياة الدولة وانتهاج سياسة عملية لمساواة الحقوق، المنح بسخاء لميزانيات البنى التحتية، حل مشكلة البناء غير القانوني، تطوير مناطق صناعية، ادخال تشديد على التسامح واحترام الاخر الى مناهج التعليم في المدارس اليهودية والعربية، والى جانب ذلك العمل على فرض القانون وتعزيز الشرطة في الوسط العربي، وليس فقط لاهداف امنية. وليس أقل اهمية: وقف الخطاب الفظ الذي يشكك جماعيا بالمواطنين العرب.

يمكن البدء بخطوة صغيرة للتعديل في الوعي: حسن يفعل رئيس الوزراء اذا ما تراجع عن المطالب التي طرحها كشرط لتحويل اموال الميزانية الخاصة للسكان العرب. مثل هذه الخطوة كفيلة بان تحسن الاجواء، تساهم في ميل التكيف والانخراط للعرب في المجتمع الاسرائيلي، وللامن ايضا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف