تعميم. ليس من السهل أن تكون عربيا في اسرائيل في هذه الايام. الجمهور الديني أو المحافظ اليميني يشعر بين الفينة والاخرى بالتعميم. كما نذكر "كُلنا" قتلنا رابين و"كُلنا" كنا في دوما. الجمهور العربي في اسرائيل يعيش ذلك بشكل دائم. ماذا يهمنا. سيقول بعضنا. بالتأكيد يهمنا؛ بقي عرب البلاد معنا. وما بعد ضباب الاتهامات المتبادلة يجب رؤية المستقبل المشترك. هناك في الطرفين من يحلمون بالتخلص من الطرف الآخر. كل طرف والمسيحانيين فيه. ومع ذلك نحن نعيش معا على السراء والضراء.
إنها مسؤولية كل واحد وواحدة منا. الكثيرون لا يتذكرون أن المصالحة لم تحدث فقط بين يعقوب وعسوة بعد عداء أبدي بل قبل ذلك ايضا حدثت بين اسحق واسماعيل بعد الانفصال الكبير. مع موت ابراهيم قيل: "ويدفنه اسحق واسماعيل أبناءه في الحرم الابراهيمي..." أخوين يدفنان والدهما. وصف حكماؤنا المصالحة كذروة توبة اسماعيل والتصاقه الجديد مع بيت ابراهيم واسحق. يمكن رؤية مصيرنا المشترك هنا كتحدٍ – ليس فقط التحدي القومي بل ايضا الاجتماعي والروحي.
تمثيل. حلم المصالحة بين اسحق واسماعيل متردد لأننا في ذروة صراع قومي ديني. وسواء أرادوا أم لم يريدوا (وهذا يرتبط عن أي مجموعة نتحدث) فان عرب البلاد يرتبطون بصراع العالم العربي ضد دولة اسرائيل والاسلام ضد الشعب اليهودي. لذلك ليس بالضرورة أن يكون كل عداء يرتبط بالعنصرية.
يصعب التعامل مع الجانب المدني لعرب اسرائيل بشكل منفصل عن المجموع. ممثلوهم في الكنيست لا يُسهلون علينا العمل وبعضهم يتحدث باستمرار بتصريحات قومية متطرفة وهجومية. وميز هذا الاسبوع عضو الكنيست اسامة السعدي بين قتل اليهود في تل ابيب وبين قتل المستوطنين. التعامل المختلف مع المستوطنين من قبل القيادة العربية مقارنة بالمناطق داخل الخط الاخضر هو تكتيكي وليس جوهري. فمن الناحية المبدئية حكم تل ابيب مثل حكم كريات اربع.
في مقابلة معي شبه عضو الكنيست جمال زحالقة اليهود هنا بأحفاد الاغتصاب مقارنة بالعرب "الذين هم أبناء البلاد القانونيين". أجبت أن ما يعتبره اغتصاب هو بالنسبة لنا عودة الى البيت، لأحفاد اليهود الذي طردوا في اعقاب الاحتلال الاسلامي بين القرن السابع والحادي عشر. وأن "الاحتلال" لم يبدأ في القرن العشرين.
يهودية ديمقراطية. الهوية اليهودية لاسرائيل هي للتابعين في نظر النخبة العربية، رغم أن اسرائيل ليست متميزة في هذا الامر. فهناك ديمقراطيات مسيحية تحتوي على أقليات مع حقوق مدنية كاملة. في العالم هناك عشرات الدول الاسلامية. لكن عرب اسرائيل يفضلون فكرة "دولة كل مواطنيها"، وهو اختراع اسرائيلي ولد في اقسام العلوم السياسية ويعني "دولة جميع قومياتها"، أي محو الهوية اليهودية لاسرائيل.
محاولة الغاء الهوية اليهودية للدولة ترتبط بأمرين: أ- التوجه المعروف لـ "سرقة البلاد من سكانها الاصليين". مثلا لجنة المتابعة العربية وصفت في وثيقتها اسرائيل كـ "نتاج عمل كولونيالي بادرت اليه النخب اليهودية الصهيونية في اوروبا والغرب". الوثيقة لا تعترف بالصلة التاريخية والدينية بين الشعب اليهودي وبلاده. ارض اسرائيل حسب الوثيقة هي "مفهوم توراتي" وليست واقعا تاريخيا. ب – التعامل مع اليهودية كدين وليس كقومية. على مدى مئات السنين تعامل العالم المسيحي والاسلامي بهذا الشكل مع اليهود. ولا يستحق الدين دولة. مثلا المادة 20 في الميثاق الفلسطيني "الادعاءات التاريخية أو الروحية الكاذبة لليهود حول فلسطين لا تتفق مع الحقائق التاريخية... اليهودية كدين سماوي ليست قومية ذات كيان مستقل. لذلك فان اليهود ليسوا شعبا واحدا له كيان مستقل...".
عدم الاعتراف بالصلة التاريخية والدينية لليهود في البلاد، والصراع من اجل تغيير هوية الدولة يكبحان التقدم نحو دمج عرب اسرائيل الكامل في المجتمع. إنها مسؤوليتهم. ايضا يتحمل اليهود المسؤولية في المساعدة على دمج الوسط العربي في المجتمع الاسرائيلي واعطاء الميزانيات المشابهة لتلك التي تعطى للوسط اليهودي. قرار الحكومة تخصيص 15 مليار شيكل للوسط العربي هو خطوة مهمة كان يجب أن تحدث منذ زمن.
تمييز عنصري. منظمات حقوق الانسان وساسة عرب يسمون اسرائيل "دولة ابرتهايد" لأنها تفضل اليهود على باقي الاقليات. يوجد هنا تشويه كاذب لتاريخ جنوب افريقيا التي لم يكن فيها الاسود قادر على محاكمة البيض في المحاكم أو ارسال رئيس حكومة ورئيس دولة الى السجن. لم يستطع السود البقاء في الشواطيء التي كانت مخصصة للبيض، والخدمات العامة كانت منفصلة ايضا. واضافة الى صفة الابرتهايد التي تلصق بنا يضاف وصف "عنصري" حيث أن معاملة العرب تشبه معاملة الالمان لليهود في الثلاثينيات.
في النصف الثاني من القرن الثامن عشر بدأ اليهود في الدول التي تتحدث الالمانية الخروج من الغيتوات. ولم يحظى اليهود بحقوق كاملة. سُمح لهم التعلم في الجامعات لكنهم لم يستطيعوا أن يكون معلمين. استطاعوا تعلم المحاماة لكن لا أن يعملوا كمحامين. بعضهم استمر في دفع ضريبة الرأس على وجودهم في المدن الالمانية. وزير التعليم البروسي أبلغ المستشار أن الطابع المسيحي للدولة لا يسمح بتعيين اليهود كمعلمين للشباب.
رد اليهود على هذا الوضع غير العادل لم يكن الصراع ضد المانيا كدولة مسيحية، لم يطلبوا تفكيك قوميتها ولم يتضامنوا مع اعداء الدولة. كان ردهم وطني الماني في كل مجالات الحياة. فقد تجندوا في الجيش وشاركوا في معارك تحرير المانيا من الاحتلال الفرنسي حتى لو كان يوجد يهود في الطرف الثاني.
لا أحد يطلب من عرب اسرائيل أن يكونوا صهاينة أو الغاء هويتهم الدينية. لا يتم منعهم من التعبير عن مواقفهم. ويستمتعون بحرية لا شبيه لها في الدول العربية. ينتمون للاحزاب السياسية التي تريد تغيير طابع الدولة والمحكمة تدافع عنهم. وقد نشرت في هذه الصحيفة مقالات ضد اخراج "بلد" باسم حرية الاعتقاد والانتظام. مع ذلك، ليس كل انتقاد للوسط العربي هو "تحريض".
أقلية. اذا كان اليهود أغلبية داخل الدولة فمن الناحية الجغرافية فان اليهود هم أقلية في المحيط العربي الاسلامي. لذلك يجب إحداث التوازن بين الحفاظ على حقوق الاقلية العربية في اسرائيل وبين الحفاظ على حقوق الاغلبية اليهودية التي هي اقلية على المستوى الاقليمي. هذه هي الدولة الوحيدة للشعب اليهودي. والتسليم بهذا المبدأ هو مفتاح التعايش المتوازن مع الأمل بالمستقبل.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف