مثلما في كل سنة، في 2016 ايضا يستعد الجيش لجولة عنيفة اخرى في غزة في الصيف. وحدد رئيس الاركان تاريخا هدفا لجاهزية الجيش، والجميع يركزون على انهاء الخطط وسد الثغرات في العتاد والتدريب. احد لا يعرف ان يخمن التوقيت او السبب المباشر للاشتعال، ولكن واضح للجميع بان الطقوس شبه السنوية واجبة الواقع. وهذا ليس مجرد نمط التفكير الاسرائيلي.
سكان غزة الذين يخرجون من القطاع ويلتقون الاسرائيليين يتركون الانطباع بان هذا الاحساس المميت يسود في الطرف الاخر ايضا. من ناحيتهم، المواجهة العسكرية مؤكدة. كما أنهم يؤمنون بانها ستكون اكثر عنفا بكثير وان اسرائيل ملت الاعيب حماس وانها ستفعل كل شيء كي تصفيها، بينما ستفاجيء حماس اسرائيل بقوى نارية واصابة للسكان المدنيين في محاولة لتحطيم الوضع الراهن والحصار. وعندما تكون المجموعتان السكانيتان مقتنعتين بان هذا ما سيحصل، فان القيادات لن تخيب الامل.
ولكن يبدو بان القيادتين من شأنهما ان تكونا في الجولة الاخذة في النضوج متفاجئتين، لانهما لن تسيطرا على الاحداث. معقول أكثر الا تندلع المواجهة بسبب خطأ، استفزاز، او خطوة عسكرية مخططة يقبع خلفها منطق سياسي. هناك احتمال عال بان شدة المواجهة وتوقيتها سيقرره سكان غزة الذين سينفجرون لحماس في وجهها، وهذا سينتقل الينا، الى المناطق والى مصر على حد سواء.
لقد اصبحت غزة مختبرا بشريا تفحص فيه كل يوم نقطة انكسار السكان. في اسرائيل يكثرون من وصف أزمة البنى التحتية في القطاع – الكهرباء، الماء، المجاري. هذه هي الزينة فقط. فالسكان في غزة يبثون انحلالا شخصيا. كمية حالات الانتحار غير مسبوقة. عدد حالات القتل داخل العائلة آخذ في الازدياد (ثمة مثلا ظاهرة النساء اللواتي يطعن ازواجهن العاطلين عن العمل). كل مواطن ثالث يستخدم ادوية العلاج النفسي والذهني. هناك ارتفاع في تعاطي المخدرات وزيادة في حجم الجريمة، ولا سيما البغاء، مثلما هي ايضا ظاهرة أليمة لفتيات يتزوجن شيوخا يمكنهم ان يعيلوهن، كزوجة ثانية أو ثالثة. من جهة اخرى، لا يوجد مال، والشباب يتزوجون أقل وسن الزواج يرتفع.
السلطة الفلسطينية، المسؤولة عن نقل أموال التبرعات، لا تنقل الى غزة الاموال للصحة والتعليم بشكل منظم. لا توجد في غزة خدمات نفسية مناسبة. هناك ارتفاع عدد المواليد المشوهة، والذي يعزى لارتفاع عدد زواج القربى. وفي ضوء ازمة اللاجئين العالمية، تتلقى وكالة الغوث مالا أقل، بحيث أن عددا اقل من العائلات تنجح في الطوف فوق وجه الماء. وفوق كل هذا يسود الخوف المشل من الهجوم الاسرائيلي. ليس للغزيين مفر: ليس لهم الى اين يهربون، وليس لهم تأثير على الاحداث. هم غاضبون من رجال حماس الذين حفروا لانفسهم مدينة تحت الارض يختبئون فيها، في الوقت الذي ليس لديهم ملاجيء.
شبان القي القبض عليهم وهم يحاولون اجتياز الجدار لاسرائيل، رووا بانهم فعلوا ذلك لانه لا يوجد ما يأكلونه في البيت. بعضهم هرب بسبب عنف في العائلة. 50 في المئة من الشبان في غزة اعلنوا في استطلاعات مختلفة بانهم يريدون الهجرة من القطاع الى الابد. وجنود الجيش الاسرائيلي شهود على الظاهرة: طلاب حصلوا على تصاريح عبور في ايرز، يخرجون من القطاع ويقبلون الارض. من ناحيتهم، فقد تحرروا من السجن. فكرة العودة انكسرت؛ دعوهم فقط يهربون.
حتى منتصف 2015 كانت العائلات التي تمكنت من ذلك انصرفت عبر الانفاق الى مصر أو الى ليبيا، وبحثت عن سفينة الى اوروبا. مئات الفلسطينيين غرقوا في هذا المسار. ونجح المصريون في التغلب على معظم الانفاق فاغلق المسار. اما الان فازداد عدد الاشخاص الذين يزورون شهادات مرض كي يخرجوا لتلقي العلاج في الضفة فلا يعودون.
بعض من الاشخاص في غزة أحرقوا انفسهم احتجاجا. في تونس تسبب حدث كهذا باشتعال "الربيع العربي". غزة هي الاخرى ستشتعل. صحيح، السكان متدينون، تقليديون، يميلون اكثر للتسليم بمصيرهم، ولكن هنا ايضا امتلأ كأس السم. عندما ستنفجر هذه العبوة الانسانية، لن يكون أي ردع. والشظايا ستنزل علينا جميعنا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف