بين مظاهر الفرح الخفي والشماتة باوروبا وبين مظاهرات التعالي العلنية، يشوشون في اسرائيل على الفوارق الجوهرية بين ارهاب وارهاب. هذا التشويش ليس صدفيا بل هو يخدم لخدمة الرواية. بالنسبة للاسرائيليين الذين لا يميزون بين الفلسطينيين والعرب، العرب والمسلمين، الارهاب والاسلام، حماس وحزب الله، وبينهما وبين داعش والقاعدة – التمييز بين انواع الارهاب يعتبر كفرا. فالارهاب هو ارهاب.
صحيح أن الارهاب هو ارهاب كونه فظيعا ويضر بالابرياء دون تمييز، لكن هناك أنواع والوان للارهاب يجب التمييز بينها. النوع الاول هو ارهاب داعش الذي لا يمكن أن نجد له أي مبرر، لا للاهداف التي يستخدم من اجلها ولا للوسائل التي يستخدمها. إنه يهدف الى فرض الرعب الداعشي من خلال القوة، ولن يشبع أبدا ولن يوافق على الحل الوسط. قد تحاول اسرائيل تعليم اوروبا كيفية القضاء عليه بالقوة، لكن مشكوك فيه أن هذا سينجح.
الارهاب الثاني هو الارهاب الفلسطيني، الفظيع في أدواته لكن صادق في أهدافه التي هي انهاء الاحتلال. ليس هناك صلة بين الانتحاري في محطة القطار في بروكسل وبين الشاب الذي يطعن في باب العمود. ألف خطاب لبنيامين نتنياهو في "ايباك" لن تنجح في تشويش الاشخاص النزيهين: الارهاب الفلسطيني هو أداة اللاحول ولا قوة، أداة في أيدي الضعفاء من اجل تحقيق هدفهم العادل. صحيح أن هذا الارهاب ايضا يضر بالأبرياء وأن الأدوات متشابهة: الهجمات الفلسطينية على الطائرات كانت تحدث حينما كان اسامة بن لادن طالبا في ادارة الاعمال في جامعة الملك عبد العزيز في جدة. والعمليات الفلسطينية الانتحارية سبقت عمليات داعش. ولكن كل ذلك لا يمكنه التشويش على الفروق: اهداف داعش جنونية بينما أهداف الفلسطينيين عادلة.
ماذا كنتم ستقولين لشاب من غزة يتردد اذا كان سينضم الى المقاومة: هل يوجد مغزى لحياته وفرصة لمستقبله اذا خضع هو واصدقاءه لسجانيهم؟ هل يوجد شخص في اسرائيل أو في العالم يتذكر وجودهم دون المقاومة العنيفة والمصنفة على أنها ارهاب؟ واخوانهم في الضفة – صحيح أن العنف لم يجعلهم يحققون أي انجازات حقيقية، لكنه طرح موضوعهم على الاقل على برنامج العمل اليومي. ونقول باستقامة: لولا خطف الفلسطينيين للطائرات في بداية السبعينيات، لما كان أحد في العالم عرف عن كارثتهم. أو كان يهتم بمصيرهم. صحيح أن هذه المشكلة لم تُحل منذئذ، لكن هذا حدث رغم ارهابهم اليائس وليس بسببه.
اسرائيل علمت الفلسطينيين والعالم العربي درسا مصيريا: إنها تستجيب بالقوة فقط. فبالقوة فقط تمت اعادة سيناء. وبالقوة فقط جاءت محادثات اوسلو. وبالقوة فقط سيتم حل المشكلة الفلسطينية. وهذه القوة لمن ليس لهم جيش وسلاح جو، هي الارهاب. السنوات العشرين الاولى للاحتلال التي كان فيها الارهاب قليلا، مرت بشكل مريح. ولذلك لم يخطر ببال أحد اعطاء الفلسطينيين ولو جزء بسيطا من حقوقهم. الارهاب هو الذي طرح المسألة للنقاش، بفضل الانتفاضة الاولى وصلوا الى اوسلو. والانتفاضة الثانية التي كانت أكثر فظاعة سببت لهم الكارثة – لقد فقدوا جزء من تأييد العالم والتأييد في اسرائيل – لكن الارهاب كان وما زال سلاحهم الوحيد. فليس لهم غيره. حتى وإن قاموا بتدمير سلاحهم البائس وساروا في طريق مهاتما غاندي. فليس هناك فرصة لأن يحصلوا على ما يستحقونه بدون الارهاب.
النوع الثالث من الارهاب هو ذلك الذي تستخدمه الدول. في اسرائيل مثلا، قتل الابرياء كما حدث في غزة ولبنان لم يتم اعتباره ارهابا لأن منفذيه ليسوا انتحاريين من الشيعة أو من المسلمين، بل الطائرات الامريكية المتقدمة التي يقودها شبان اسرائيليون يحملون القيم. هذا ايضا ارهاب وإن كان من نوع مختلف.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف