"منذ اقامته" (الجيش الاسرائيلي) كتب غادي آيزنكوت رسالة للجنود جاء فيها "الجيش الاسرائيلي قدّس قيما مهمة منها احترام الانسان وطهارة السلاح. وهذه القيم تستند الى الارث اليهودي لسنوات طويلة".
ليس من طبيعة آيزنكوت الظهور بمظهر الطهارة أو تجاهل الحقائق المزعجة. لكن في هذه المرة اخطأ خطأ كبيرا بتصويره الشيء المرغوب على أنه موجود. من وراء ميراث الحرب يطل ميراث الحرب المتطهرة عادة من خلال اقتباسات نتان الترمان أو أفعال دافيد بن غوريون.
في جهوده من اجل الدفاع عن أوامر اطلاق النار والتمييز بين اعطاء الدعم وبين التغطية، تبنى آيزنكوت الدعاية الرسمية الكاذبة والتي تنظر الى الجندي الاسرائيلي والجهاز الذي يعمل فيه على أنه ميثاق اخلاقي مختلف، أسمى من الجيوش الاخرى، هذا في افضل الحالات، والخداع الذاتي الذي يعتمد على معلومات جزئية، رغم أنها من ضابط رفيع مثل آيزنكوت. فمنذ ربع قرن تقريبا كان من المفترض أن يتم افساح المجال للوصول الى المواد الداخلية الممنوعة على العامة.
آيزنكوت الذي يتغنى بحرب عام 1948 والشوارع التي تحمل اسماء الكتائب الاولى، ليس من المريح له التنصل من الظلال التي رافقت العمل العسكري على مدى السنين.
آيزنكوت ليس وحيدا. فقد سبقه وزير الدفاع موشيه يعلون، كقائد لواء وكتيبة في المظليين وبعد ذلك كقائد اركان، امتنع عن ذكر العبر والدروس المريرة امام الجنود، دروس ابائهم من سنوات الـ 50 وما بعد ذلك، من بينهم قتلة اسرى حرب خلال حرب 56، وهذا يعني انه ليست مجزرة كفر قاسم فقط تشكل علما اسود، يشدد يعلون ايضا على عدم توجيه انتقاداته لمن هم فوق، حين كان نائب رئيس الاركان سكت حين حث رئيس الاركان شاؤول موفاز الجنود على انهاء كل مواجهة"بسبع جثث"- هذا القول الذي نفذه بسرعة احد مستمعيه، قائد المنطقة الوسطى يتسحاق ايتان وقائد الفرقة بني غينتس صرخا، اما يعلون فقد اراد ان يصبح رئيسا للاركان بعد عام وبمباركة موفاز.
مثلما هو الحال لدى الفلسطينيين، في اسرائيل ايضا سلسلة القيادة كسرت ضغط حكمة الجموع الغفيرة. عرض السلسلة الاجتماعية انتصر على طول السيطرة، من رئيس الاركان وحتى الجندي حامل البندقية. قريبا، وبدلا من الجيش ستقام "ميليشيا". حتى ذلك الحين، هذا وقت القانونيين، ليلوحوا بــ "أنكونينا" الجندي دافيد أنكونينا على حاجز في غزة قبل 30 عام حيث ادين في المحكمة العسكرية بسبب اطلاقه النار دون الالتزام باوامر اطلاق النار، لكن تمت تبرئته في محكمة العدل العليا، لان القضاة برئاسة المدعي العسكري العام سابقا مئير شمغار، اقتنعوا ان اطلاق النار من قبله كان مبررا، حيث اعتقد ان هناك خطرا على الحياة. اثنان من المدافعين عن أنكونينا في مراحل مختلفة، المدعي العسكري الرئيس أوري شاهم والمحامي حنان ملتسر، يجلسان الآن في محكمة العدل العليا، ويمكن أنهما سيناقشان قضية اطلاق النار في تل الرميدة. ومن واجب محامي الجندي عدم التنازل عن أي مرحلة قضائية.
لا جديد تحت بيت شيمش. ليس كل شيء بسبب الاحتلال وعمل الشرطة، التحرير هو الذي أطلق الامر – وحربي 1956 و1967 كانت الاستمرارية – حيث تم تصنيف القتل والاغتصاب والاهانة والاستخفاف بحياة الناس، بما في ذلك حياة الاسرائيليين. دائما كان في الجيش الاسرائيلي، مثل أي جيش، ضباط ومقاتلون وجنود للقيادة وادارة، أتاحوا المجال لغرائز الانتقام الدموي. لا توجد "اخلاق يهودية" واحدة – من حق العلمانيين التزعزع من الموت "في سبيل الله" – ولا توجد فظاعة لم يكن للاسرائيليين دور فيها حتى لو كان ذلك أقل من الآخرين. كل ديانة وكل أمة تعتقدان أن هدفهما، هدفهما فقط، يبرر الوسيلة. عندما ارسلت منظمة الليحي، كجزء من عمليات ارهابية اخرى، مغلفات مفخخة لوزراء الحكومة في لندن وللرئيس هاري ترومان في واشنطن، لم تتوقع أنه سيأتي اليوم ويقوم داعش بتنفيذ العمليات في باريس وبروكسل.
الاتهامات التي توجه لاسرائيل في الوقت الحالي كاذبة. فلا توجد سياسة رسمية أو عسكرية تريد الاعدام بدون محاكمة (ولا يوجد فعليا اعدام). لكن الامتحان هو تعامل الاجهزة الامنية والقانون مع من يتجاوز السياسة، وهذا التعامل باسكات جرائم الأمس والتسامح معها لا يختلف مبدئيا عن "البوابة الدائرية" للفلسطينيين الآن، يعتقلون ويسرحون. الفرق في الكلام فقط. في اسرائيل لم يسرحوا لأنهم لم يعتقلوا ولم يحاكموا أصلا. وبدل البوابة الدائرية تم فتح بوابات واسعة – قوانين العفو. عند انتهاء حروب كبيرة (1948 و1967) مع الشعور بالرفاه والانتصار، أصبح الجميع ابطال وتم اسكات جرائم الحرب ايضا. في الجبهة يقاتلون. وفي الجبهة الداخلية يسامحون. اقتله وسامحه.
إن الاخفاء في الوقت الحالي أصعب بسبب التغيرات في ثلاثة مجالات – التكنولوجيا المتطورة والرقابة التي اصبحت ضعيفة (بفضل محكمة العدل العليا) والدبلوماسية القضائية التي تركز على تجاوزات قوانين الحرب. لا توجد أي زاوية مخفية للبلاد في "غوغل". كاميرات التصوير الثابتة أو المتحركة، توثق كل شيء. في سنة 2016 لا يستطيع قابيل نفي قتل هابيل، حيث أن احدى المنظمات كانت ستوثق ذلك.
الرقابة التي أحاطت جرائم الحرب تسبب بضرر كبير لاسرائيل. ضحايا الجرائم، اقرباءهم وأبناء شعبهم لم يتم خداعهم. بل سعوا الى الانتقام. جنود الجيش الاسرائيلي الذين لم يعرفوا الحقيقة تعرضوا لخطر أكبر. هذا على الصعيد السلبي. أما على الصعيد العملي، لم يحدث أي ردع للعرب بواسطة استخدام القوة.
بين الزناد والعدل توجد الأدلة الخفية. احيانا في التحقيقات واحيانا اخرى في الابحاث التاريخية ولا سيما في ملفات النيابة العسكرية العامة. وقد قال المدعي العسكري العام السابق تسفي عنبار، الذي جمع شهادات وأدلة من اجل كتابه "الميزان والسيف"، إن اغلبية المواد الحساسة لم تنشر (الدوايمة، الحولة، دير ياسين). ومع ذلك هي معروفة جيدا.
ملفات النيابة العسكرية تهتم بالجبهة والكتائب والالوية. على سبيل المثال في 12 آب 1948، في معسكر الفرقة 23 لكتيبة كرميلي في الطيرة، أطلق ح. ب على أسير وأصابه بجروح. وبعد يومين هرب من المعتقل وعندما تم القاء القبض عليه أهان قائد الكتيبة. وقد حكم عليه بالسجن 18 شهرا، منها 3 اشهر بالسجن الفعلي. وقالت المحكمة إن المتهم حصل على رسالة من أقاربه في المغرب جاء فيها أن والد زوجته قتل هناك، لهذا قرر الانتقام بتأثير عادات بلاده الاصلية، واطلق اربع رصاصات من اجل قتل اربعة أسرى عرب. 15 شهر اعتقال مع وقف التنفيذ كان حكمه بسبب محاولة القتل، وثلاثة اشهر فعلية بسبب اهانة قائد الكتيبة.
في حادثة اخرى أكثر خطورة في نفس الكتيبة، خففت المحكمة العسكرية العليا عقوبة قائد فرقة قام بقتل 33 لبنانيا. وحسب رأي اغلبية القضاة "المحكمة لم تعط الوزن المطلوب للفترة التي قام المستأنف فيها بأفعاله". هذه التبريرات تبدو راهنة: "دوامة الدم... لحظات ضائقة صعبة... لا يجب الاستغراب من وجود الكراهية الكبيرة تجاه العرب. العدو لا يراعي قوانين الحرب، الامر الذي عمق الكراهية في اوساط الشبان الذين يتحملون عبء المعارك ويرون بأعينهم الفظاعات التي يتم تنفيذها... في اليوم الذي حدث فيه العمل لم يكن المستأنف محصن نفسيا ضد مشاعر الانتقام التي أوجدتها الفترة لديه". قاضي الاقلية اقترح عقوبة أخف لأنه "في فترة العملية ومراحل اخرى من الحرب قام الضباط والجنود باعمال قتل مشابهة وأخطر، لكنه الوحيد الذي يحاكم". الرئيس حاييم وايزمن ألغى العقوبة ومنح العفو للضابط.
كان من المتعارف عليه الاستخفاف بصلاحية المحكمة. الغاء محاكمة وقرار لرئيس الاركان (يعقوب دوري) باعطاء الامر لعدم اعادة المحاكمة. في قضية اطلاق النار على اثنين من سكان قرية جاعوني. الجنديان ق. وش. تمت تبرئتهما في المحكمة المركزية للكتيبة 9 التي وجدت أنه "يمكن الافتراض أنهما تصرفا حسب الاوامر العامة والغير واضحة من قبل قائدهما المباشر". وعندما تم الغاء التبرئة امتنع رئيس الاركان عن استئناف العملية.
في الفرقة 46 "النائب يوسف أحضر امرأتين وعجوز على حمالة الى بيت في أنطلة كي يتم نقلهما الى المستشفى. لكن تم القاء قذيفة على البيت واخطأت هدفها – فقام يوسف بالقاء قنبلة يدوية الى داخل البيت. وقد قام بقتل عربي آخر في اليوم التالي".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف