سهيل الناطور
علاقة اللاجئين الفلسطينيين بالاونروا في لبنان تتسم بظاهرة التموج ، كما هي الحال ايضاً في قطاع غزة . تارة هادئة مقبولة بالحدود الدنيا ومرات صدامية تغلفها الاحتجاجات والإضرابات واغلاقات المراكز ، ووصلت في حالات سابقة الى الاعتداء الجسدي على بعض الموظفين ، تعبيراً عن الإستياء الشديد .
في خضم التفاعلات المتقلبة كانت ادارة الاونروا تبحث عن علاجات ، فوصلت في 2010 الى إعتماد ما أسمته مبدأ الشراكة و الشفافية ضمن خطة التطوير التنظيمي التى اقرتها آنذاك . هذه الشراكة قالت عنها الاونروا تتم بالتعاطي مع المجتمع المحلي وهيئاته المختلفة على جميع المستويات ، أي بمعنى آخر تحسين وتطوير أشكال الاتصالات مع المجتمع المحلي وذلك بإشراك هيئات المجتمع المدني ببعض الدراسات لتحديد أولويات البرامج والاحداث والاحتجاجات ، والتنسيق الميداني مع المنظمات غير الحكومية العاملة في الوسط الفلسطيني ، حسب البرامج الخاصة بمجال عملها .
عملياً إنعقدت لقاءات في الفترة السابقة 2010 – 2013 مع المنظمات المذكورة ، وتمت زيارات المسؤولين عن البرامج للمخيمات مباشرة ، للحصول على المعلومات المفترض انها تفيد في تطوير العمل والخدمات وفقاً للواقع الفعلي للاجئين ، لكن هذه المحاولات اتسمت بالاستنسابية ، اذ لا تطلع الاونروا المجتمع المحلي على النتائج ولا على بنود الموازنة ولا تطرح للناس الأليات التي تعتمدها بناء لذلك . ان هذا شهد محاولات من مؤسسات المجتمع المحلي للارتقاء بدوره ، وجعلها في ظروف معينة امام استعصاء قبول بالحلول التي تقدمها الاونروا ، ان تعتمد اسلوب الاضرابات والتحركات الشعبية لتصويب برامج الوكالة .
هناك عدد من المحاور تساعدنا على فهم التازم الحاصل اليوم ، وهو تكرار لتأزمات سابقة ، مثل نهاية العام الماضي . الاعتماد العام الدائم يركز على نقص الواردات وزيادة الاحتياجات فكيف يقع ذلك ؟
1) تعتمد الاونروا في رسم إستراتيجيتها على القرار 302 في تشرين الثاني 1949 الذي حدد ولايتها بتقديم الخدمات ، ورسمتها بالتعليم لابناء اللاجئين ، معالجة صحية اولية عبر عيادات في المخيمات ، اضافة لتقديم الغوث اي الإعاشة التموينية . لكن تطورات الامور أدت عملياً لإدخال برامج جديدة وأنشطة إستجابة الى تغيرات الصراع في المنطقة . وبما ان الجمعية العمومية للامم المتحدة هي التي أنشات الوكالة ، فان آلية ضرورة استمرار عمل الوكالة الى حين التوصل الى حل عادل لقضية اللاجئين مازالت تتكرر ، مع مراجعة في كل مرحلة للميزانية البرنامجية للاونروا ومصادر تمويلها . هنا تبرز معاناة الفلسطينيين دائماً بان الميزانيات تعتمد على اسس واردات مفترضة ، وتقدير لنسبة زيادة سكانية محدودة بما يؤدي فعلياً لوجود هوة بين الاحتياجات الحقيقية للناس وبين ما ترى الاونروا أنه توافر لديها من منح مالية من الواهبين .
مثال من تقارير الاونروا .
الميزانية العامة لـ 2000 360,171$ المصروف الفعلي 277,800$
التبرعات النقدية 282,390$
2001 375,486 $ // 298,800$
التبرعات النقدية 275,490$
2002 304,250$ // 275,790$
التبرعات النقدية 293,550$
2003 344,100$ // 290,8$
لا ذكر لكمية التبرعات النقدية
الأرقام في الموازنات تتصاعد ، لكن غير مضمونة الوصول كاملة ، ثم أن توزيعها على أولويات كل منطقة عمل لا يمارس المجتمع الفلسطيني دوراً في التخطيط والإقرار } هذا يفتح أبواب الهدر المالي والفساد البيروقراطي { .
· أعداد اللاجئين : هناك فوارق بين المسجلين وبين المستفدين من الخدمات فعلياً في كل بلد .اذا قدمت بعض الحلول فعلياً هي جزئية أو مؤقتة ، ونادراً ماتكون ثابتة .
· تزداد إحتياجات الفلسطينيين في لبنان عن غيرهم من المناطق بسبب حرمانهم من الحقوق الانسانية الأساسية وعدم تقديم الأجهزة الحكومية دعماً في مجال الخدمات .
مع مرور الوقت ، وحتى إتفاق اوسلو، كانت الاونروا تصدر تقريرها سنوياً ، بعد نصف سنة على ختام الاعمال السابقة ، بما كان يُغيّب الشفافية ، او القدرة على المعرفة والإطلاع لمجتمع اللاجئين بما جعل الريبة عنصراً دائماً في العلاقة بين الاونروا والفلسطينيين ، رغم الحاجة الماسة لخدماتها .
مثلاً : ساهمت في تعليم أجيال ، علاج حالات وفيرة ، تفاعلت بشكل غير مباشر في الحفاظ على الإنتماء الفلسطيني وأحياناً لغموض علاقاتها بالدول المضيفة أثرت سلباً بشطب حالات من سجلاتها كفلسطينيين ، لكن عموماً جرى لاحقاً تصحيح امور كثيرة / تسجيل المرأة وأولادها ، إعادة تسجيل مشطوبين ، فتح مدارس ثانوية .....الخ . خاصة إدخال الحماية الإجتماعية للاجئين .
شهدنا تخفيضاً في بند الإعاشة ، اذ توقف صرف الاعاشة للعائلات مقابل الاكتفاء بعدد محدود من الاسر ذات العوز الشديد ، والوفر في هذا البند يصبح مجهولاً لان الاونروا لا تعلن سوى كلمات غامضة انه قد تحول للبرامج الاخرى .
2) الاونروا مؤسسة دولية ، لذلك تلتزم آليات عمل المؤسسات المنبثقة عن الامم المتحدة ، فعندما تقر الجمعية العامة اعتماد مشروع الألفية للتنمية ، فان الاونروا تلتزم بتطبيقها .مثلاً في الماضي اعتمدت خطة لأهداف تنموية للفترة ما بين 1900 – 2015 تمثلت باهداف معلنة هي
- القضاء على الفقر .
- تعميم التعليم الابتدائي وتمكين الأطفال من إتمام المرحلة الإبتدائية .
- تعزيز المساوة بين الجنسين وتمكين المرأة .
- إتاحة خدمات الصحة الإنجابية وتخفيض معدل الوفيات للاطفال .
- مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والملاريا .
- كفالة الإستدامة البيئية لانجاز حلول لفقدان الموارد الطبيعية .
- إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية .
طبعاً لا يمكن للاونروا سوى الالتزام بهكذا توجهات ، لكن بنودها كلها لا تنطبق بسهولة على أوضاع أبناء المخيمات خصوصاً ، لذلك اختارت التركيز على أربعة محاور هي :
- حياة مديدة وصحية .
- اكتساب المعرفة والمهارات المناسبة .
- التمتع بمستوى معيشي لائق .
- حماية حقوق الانسان الى أقصى حد ممكن .
هذه الأهداف العامة لتصبح عملية ومطبقة تتأثر بعدة عوامل منها :
- ان الامم المتحدة تطور برامجها على مستوى دول العالم كلها ، ولذلك فان خطة التنمية الخمسية الأخيرة التي أقرتها الجمعية العمومية تتضمن سبعة عشر بنداً وليس كما في السابق سبعة بنود . ورغم ذلك فان الاونروا لم تعلن على صفحتها الالكترونية انها وافقت عليها ودرستها واستخلصت امكانات في بنود محددة للانجاز المباشر واخرى لمراحل زمنية لاحقة . وهذا يؤدي الى فجوة في المعرفة لدى الجمهور الذي تفترض ان هذه التوجهات والاهداف لصالحه ، بما يؤدي لمنازعات حول الموضوع .
- ان اي تطبيق لبند من البنود يأخذ بالاعتبار ما هو قائم ، وما هي الإحتياجات التطويرية وكم كلفتها المادية . هنا نصل الى مسألة الموازنات وخطورة أهميتها في تحويل الكلام النظري الى وقائع مادية ملموسة . فهدف حياة مديدة وصحة مثلاً يجعل بتوافره للاجئين امكانية حل الاستعصاء الصحي شبه الدائم ، منذ انشاء الاونروا ، هذا يستدعي إنشاء الادوات المادية من مستشفيات مناسبة وعقود مع مستشفيات لتقديم خدمات مناسبة ، كما يتطلب تخصيص اموال لانواع من الامراض اكثر مما يتطلب غيرها مثل العمليات الجراحية الكبيرة ، علاجات الامراض المستعصية : السرطان ، السيدا ، التلاسيميا ....الخ . كذلك يستدعي الامر توظيف أطباء وممرضين باختصاصات متنوعة تلبي الاحتياجات ، ناهيك عن الات التصويرالاشعاعي والتحليل وتوفير الادوية وغيرها .
اذا حاولنا تطبيق هذا البند فان آلية درجت العادة على القيام بها ، وهي تعتبر الموازنة للصحة وفقاً لمصروفات العام الماضي ، مع بعض الزيادة الطفيفة بتقدير فائض لنسبة الزيادة السكانية ، لا يمكن ان تفي بالاحتياجات ، وهذا ما يوقع دائماً بنقص الخدمات المطلوبة ...وهكذا في البنود الاخرى ، اي ان هناك إنجازات لكنها ليست بمستوى الاحتياجات .
فما هي الآليات المعتمدة للموازنة ؟
أولاً : توجيه النداء بشكل دائم للوفاء بالتزامات قررتها الدول بنفسها لدعم عمل الاونروا ، إستجابة لمبدأ ضرورة استمرارها . هذه الدول تتبدل سياساتها وأحياناً تصل لقطع الامداد المالي ، كما حصل مع حكومة اليمين المحافظ السابقة في كندا منذ ثلاث سنوات فأوقفت دفع 10 ملايين دولار حصتها السنوية الدورية . وهذا ما يجعل إدارة الاونروا أمام ضرورة إعادة صياغة النفقات وفقاً للواردات ولو كانت الموازنة نظرياً مرسومة ، وهي كما يراها الفلسطينيون اساساً ناقصة فكيف الحال اذا نقصت الواردات شبه المحسومة .
ثانياً : أمام حالات الطوارئ تعمد الاونروا لتوجيه نداءات لدول العالم للاستجابة لهكذا طوارئ . مثلاً نداءات لتلبية الحد الادنى من إحتياجات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ومنها الى الخارج . وهي بدورها رجراجة متقلبة وهذا أحد أسباب المشكلة الحالية بايقاف خدمات لهم في لبنان ، بما زاد حدة التأزم .
ثالثاً : منذ التأسيس ، وفقاً للقرار الرقم 302 في 8/12/1949 يعبر الفلسطينيون عن القلق الدائم حول مصير الاونروا . صحيح انها ربطت بالتذكير بالقرار 194 ، وأوردت في البند الخامس أنها تهدف لتلافي احوال المجاعة والبؤس بين اللاجئين ، ودعم السلام والإستقرار ، مع عدم الإخلال باحكام الفقرة 11من القرار 194 ، فانها تعترف ايضاً من جهة ثانية بضرورة إتخاذ إجراءات فاعلة ، في أقرب وقت ، بُغية إنهاء المساعدات الدولية للإغاثة .
أي ان المساعدات المرتبطة موضوعياً بتبرعات إرادية ، وليست إلزاماً من الميزانية الرسمية لهئية الامم المتحدة ، يمكن ان تتوقف في يوم من الأيام ، ويؤثر قرار الدول المانحة بالكم والنوع للخدمات ، كما يؤثر في بقاء او انتهاء الوكالة ، ولا سلطة لتلزم بالبقاء فعلاقتها تقوم على أساس مايورده البند 20 " توعز الى وكالة الغوث التشاور مع لجنة التوفيق بسأن فلسطين التابعة للامم المتحدة ، لما فيه خير أداء لمهمات كل منها ، وخصوصاً فيما يتعلق بما ورد في الفقرة 11 من قرار الجمعية رقم 194 ( حق العودة والتعويض ).
· التمويل الخاص لمشاريع محددة ، وهي غالباً ضرورية للمجتمع الفلسطيني مثل الإستجابة لمسألة حماية حقوق الانسان ، بما أدى لانشاء قسم خاص له موظفين وعليه مصروفات ، خاصة في غزة ولبنان ، كما ان ما اطلق عليه اسم التطوير التنظيمي للوكالة فرض نفسه ، بعد إعتماد الامم المتحدة ، خاصة في مؤتمر جنيف 2004 قراراً بإصلاح وتطوير برامج الاونروا لتمكين الفلسطينيين من الحصول على الخدمة بسرعة وبشكل لائق ، مثلاً مركز حفظ وثائق اللاجئين وتصويرها من الملفات لعدم تلفها ( سكاننغ ) وهو أمر هام ولكن تكاليفه باهظة ، والادهى ان عملية الاتمتة ونشر الكمبيوتر في العمليات الادارية والمالية أدى لانفاق ما يقارب 50 مليون دولار من الموازنة ، كانت هي الفارق في نهاية العام الماضي وكادت ان تؤدي لوقف تعليم الاطفال في المدارس في الشهرين الاخيرين من العام 2015 ، بسبب هذا الانفاق المالي وعدم تقسيمه على سنوات عدة .
ـــ تعقد آليات أتخاذ القرار :
أ – يقوم الأمين العام بتعيين المفوض العام للاونروا بالتشاور مع المفوضية الاستشارية للاونروا .
ب – منذ قرار إنشاء الوكالة تقرر تشكيل المفوضية الإستشارية لها ، في حينه ضمت 5 دول هي الولايات المتحدة الاميركية ، فرنسا ، بريطانيا ، تركيا ، ايرلندا ، ثم انضمت إليها دول اخرى فبلغت 25 دولة من بينها سبع دول عربية : مصر ، السعودية ، الاردن ، لبنان ، قطر ، الامارات العربية المتحدة وسوريا ثم منحت م.ت.ف . صفة مراقب إضافة للمفوضية الاوروبية والجامعة العربية .
جـ - لقد تم تطويرهيكلية الاقاليم وتطبيق مبدأ اللامركزية ، وذلك من خلال إعطاء رؤساء المناطق صلاحيات أوسع ، وهنا يمكن لمؤسسات العمل الاهلي ان تؤثر بالعلاقة المباشرة لتكون برامج هؤلاء (اي رؤساء المناطق) الممارسة والمقترحة للتطوير مناسبة للاحتياجات الحقيقة لكل قسم مسؤولون عنه .
د – اذا كانت الموازنة هي المجال الارحب لعكس السياسة التي تقرها الدول ازاء الاونروا ومسألة دعم اللاجئين الفلسطينيين ، وهي تشمل ثلاثة أضلاع .
1. الصندوق العام الذي يغطي الخدمات العامة ورواتب الموظفين (85% من الموازنة رواتب) .
2. تمويل خاص لمشاريع محددة .
3. تمويل برامج الطوارئ لتغطية النشاطات الانسانية في مناطق النزاع .
فان التدخل السياسي يصبح هاماً اذا عرفنا الجدول الزمني لإعداد وإقرار الموازنة على المستويات المختلفة ، فالتدخل بالوقت المناسب هو الادق في توجيه السياسة المعتمدة والتصويب لتلبية احتياجات اللاجئين . هذه الموازنة تبدأ الهيئات باعدادها لثلاث سنوات في نيسان وحتى نهاية العام الثالث وتقدمها هيئة ادارة الاونروا الى المفوضية الاستشارية لإقرارها أولياً قبل عرضها على الجمعية العامة للامم المتحدة . هنا يلعب عاملان مهمان اثراً كبيراً : - دور المندوبين العرب وخاصة الفلسطيني في إجتماعات المفوضية وإطلاعهم على الحاجات الحقيقية للاجئين والدفاع عنها . ثانياً العمل لاستدامة التبرعات من الدول الملتزمة بها وتوسيع دائرتها ما أمكن . وفي لبنان توجد خصوصية هي عدم انتفاع اللاجئين الفلسطينيين من اية خدمات صحية اوتعليمية في المؤسسات الحكومية اللبنانية ، وهذا ما يحتاج لحلول متدرجة بشكل معقول تشارك به الدولة اللبنانية بحد مقبول من الخدمات البديهية في التعليم والصحة ، بما يوفر حلولاً إنسانية وبما يمنع القاء عبء اللاجئين على الدولة اللبنانية منعاً لاغراءات اندماجهم وتوطينهم لاحقاً كما يخشى اللبنانيون .

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف