قال الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الشرق الأوسط"، هذا الأسبوع: "لن يكون هناك تطبيع مع إسرائيل من أي نوع كان إلا في إطار المبادرة العربية". هكذا صرّح بوضوح وبساطة، ومن دون ربما ومن دون من المحتمل، ومن دون تلميحات. ويعكس كلام العربي أيضاً مواقف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وعبد الله ملك الأردن، وسلمان ملك السعودية، وجميع الدول التي تبنّت سنة 2002 في القمة التي عقدتها الجامعة العربية في بيروت، المبادرة العربية التي هي ثمرة مبادرة من ملك السعودية عبد الله. لذلك من المستغرب من أين يأتي رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بالكلام عن "أجواء السلام" و"الفرصة التاريخية" الذي يسوّقه من على كل منبر. وحتى في خطاب السيسي الذي أثار عاصفة غبار سياسية في إسرائيل، لا يمكن العثور على ما يوحي بأنه مستعد للتنازل عن انسحاب إسرائيلي من "المناطق"، أوعن المطالبة بتنفيذ المبادرة العربية. إن تلميحات نتنياهو بشأن استعداده للموافقة على المبادرة العربية بشرط ادخال بعض التعديلات عليها، ووجهت برفض صارم من جانب الدول العربية "المعتدلة"، خاصة وأن نتنياهو لا يأتي على ذكر التعديلات التي يقصدها. وهو بذلك يواصل كبح فرص إجراء نقاش مهم. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة تتحدث عن انسحاب إسرائيلي من جميع "المناطق"، بما في ذلك هضبة الجولان والقدس الشرقية، وعن قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وعن حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين وفقاً للقرار 194 الصادر سنة 1948، الذي يعترف بحق العودة. والسؤال المطروح هو: أي بند من هذه البنود مستعد نتنياهو لمناقشته؟ والأهم: أي بند ستوافق الدول العربية على التنازل عنه في رأيه؟ وبدلاً من تبني المبادرة العربية كأساس للمفاوضات مع محمود عباس يستطيع نتنياهو خلالها عرض التعديلات المطلوبة في رأيه، حول هذه المبادرة إلى طبقة واقية اضافية في مواجهة المفاوضات مع الفلسطينيين: إذا كان العرب يريدون مبادرة عربية، تعالوا أولاً لنناقش التعديلات قبل بدء التفاوض مع الفلسطينيين. وبذلك يحاول نتنياهو أن يحلّ محل الشريك الفلسطيني شركاء عرباً، وأن يحول لبّ النقاش من انسحاب وحدود ولاجئين، إلى رسم صورة التطبيع مع دول عربية في حال التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. إذا كانت هذه هي نية نتنياهو، فهي تستند إلى افتراض لا أساس له في أفضل الأحوال، وإلى وهم بأن دولاً عربية قد توافق على اجراء مفاوضات من وراء ظهر الفلسطينيين أو بدلاً منهم. لقد كانت المرة الوحيدة خلال الـ49 عاماً الأخيرة التي وافقت فيها دول عربية على "الالتفاف" على الفلسطينيين قبل 14 عاماً عندما وافقت على المبادرة العربية التي "تكتفي"، بخلاف الموقف الفلسطيني، بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين دون ذكر حق العودة صراحة. إن الذي يبحث عن دليل على نيات نتنياهو ليس بحاجة إلى أن يذهب بعيداً حتى بيروت سنة 2002، فإسرائيل تشهد في هذه الأيام نهاية مفاوضات تتعلق بترميم العلاقات الدبلوماسية مع تركيا. وبقيت "فقط" البنود المتعلقة برفع الحصار عن غزة، أو في الأصح ما يمكن أن يبدو وكأنه رفع للحصار عن غزة. لا تتطلب هذه المفاوضات انسحاباً من مناطق، وهي ليست مرتبطة باعتراف حركة "حماس" بإسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية، ولن تُقتلع أي مستوطنة بسببها. ففي نهاية الأمر وضعت تركيا مطلباً انسانياً يقدم تحقيقه نوعاً من مكافأة سياسية لها. وفي مقابل ذلك تستطيع إسرائيل التباهي بترميم علاقتها مع دولة أخرى في المنطقة. إن كل من يعتقد أن نتنياهو مستعد فعلاً لتبني مبادرة سلام عربية تتطلب منه دفع ثمن مستحيل بالنسبة إليه، مدعو أولاً لمشاهدة كيف تصرف إزاء غزة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف