- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2016-06-16
شكلت عملية تل أبيب متزامنة مع بيان باريس، رسالة إلى القوى اليسارية والديمقراطية والوطنية الفلسطينية. فهل قرأت الرسالة؟
■ جاءت عملية تل أبيب، وتداعياتها السياسية والأمنية، لتفاجئ، الأوساط الفلسطينية التي تنبأت بنهاية الإنتفاضة الشبابية، حتى قبل أن تفاجئ الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية. بل يفترض بنا أن نعترف أن المحافل الأمنية الإسرائيلية، وهي ترصد تراجع أعمال الإنتفاضة الشبابية، لم تسقط من حساباتها أن تستعيد هذه الإنتفاضة حيويتها، معتمدين في تقديرهم هذا إلى طبيعة هذه الإنتفاضة، وعفويتها، وإلى أن الأسباب التي أدت إلى اندلاعها مازالت على ما هي عليه، لا بل زادت تعقيداً، خاصة بعد دخول أفيفدرو ليبرمان وزارة الحرب الإسرائيلية بما في هذه الخطوة من إشارات لا تخفى على أحد.
لم تتقدم أي من الفصائل لتبني هذه العملية، وهي المرة الثانية التي تبرز فيها هذه «الظاهرة»، وكانت الأولى مع العملية البطولية للشهيد عبد الحميد سرور في مرآب الباصات في قلب مدينة القدس. ولنا أن نقرأ هذه «الظاهرة» التي تآلفت مع ظاهرة عدم تبني الفصائل لشهداء الإنتفاضة الشبابية، من الذين أعدموا في وضح النهار على يد قوات الإحتلال بدم بارد. وبالتالي، كخلاصة لهذه المقدمة يجب القول إن الإنتفاضة الشبابية مازالت قائمة ومستمرة، وإنها مازالت تطرح علينا أسئلتها: كيف العمل لمدها بعناصر التنظيم، وبعناصر القوة، وبالزخم الشعبي، وتحويلها إلى مقاومة شعبية شاملة، وإلى خيار سياسي وطني، يشق الطريق نحو استراتيجيات بديلة للخيار التفاوضي العقيم، والذي مات منذ فترة، لكن البعض مازال مصراً على الإحتفاظ بجثته، ويرفض أن ينظم لها مراسم الدفن «اللائقة» به كخيار تسبب لشعبنا بكوارث على مدى ربع قرن من الزمن.
* * *
تأتي عملية تل أبيب الشجاعة والبطولية، والتي أشادت بها الفصائل التي تملك بنية عسكرية في قطاع غزة (حماس، الديمقراطية، الجهاد، الشعبية) بينما كان العالم ملتفتاً نحو مؤتمر باريس الوزاري، تمهيداً لإطلاق مبادرة «دولية» خارج إطار الأمم المتحدة، لإستئناف العملية التفاوضية. وقد أتت العملية في الوقت الذي تباينت فيه ردود الفعل إزاء نتائج «بيان باريس» حتى في صف الفريق المفاوض، والذي أظهرت بعض تصريحات رموزه أنه كان يعلق الآمال الكبار على هذا المؤتمر، وأنه كان يطمح أن يخرجه هذا المؤتمر من مأزقه السياسي وأن يوفر له مخرجاً لائقاً، فيه من البهرجة، والأضواء، والضجيج الإعلامي، ما يمكنه من العودة إلى المفاوضات. في ظل شروط لا تغيير في جوهرها، وفي ظل آليات بالية، دون المس بالإستيطان الإسرائيلي، بل ربما مع الكثير من الإغراءات والمكاسب المسبقة للجانب الإسرائيلي، كي يتنازل عن رفضه للمؤتمر، وكي يقبل بصيغة تحاول الإقتراب أكثر فأكثر من شروط تل أبيب. وبالتالي تصبح المعادلة واضحة: كلما ابتعدت عن المصالح الفلسطينية وكلما، بالتالي، بشرت بالمزيد من الفشل الذي يضاف إلى فشل ربع قرن من مفاوضات مماثلة.
وبالتالي، وعندما تتزامن عملية تل أبيب، مع المؤتمر الوزاري في باريس، فمعنى ذلك أن الذين قاموا بها، وأن الذين عبرت عن مشاعرهم وعن اتجاهاتهم السياسية، وعن رؤيتهم للطريق البديل لحل القضية الوطنية، هؤلاء كلهم في واد، والقيادات السياسية التي راهنت، ومازالت تراهن على «بيان باريس» وعلى ما يمكن أن يعطيه للقضية، في واد آخر، وبالتالي (أيضاً وأيضاً) أن الحالة الفلسطينية، تفتقد إلى البرنامج الموحّد والموحّد، وإن الإنقسام لا تقف حدوده عند حماس وفتح، أو عند رام الله وغزة، بل هو إنقسام داخل رام الله، ونابلس وطولكرم وغيرها من المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية، وأن المسيرة الوطنية تعيش في ظل نزاع بين إتجاهات متباينة متضاربة، متناقضة، تحاول بالكثير من الجهد، وبسبب وطأة الإحتلال ووطأة الإستيطان أن تحافظ على مظاهر الوحدة الوطنية، التي أفرغها أوسلو، وإلتزاماته، ورهانه على بيان باريس (كطلقة أخيرة) من مضمونها الحقيقي.
* * *
الواجب الوطني يحتم علينا القول إن اليسار الفلسطيني بتلاوينه المختلفة، وإلى جانبه الصف العريض من القوى الديمقراطية والوطنية وفعاليات المجتمع المدني، مدعو لإتخاذ زمام المبادرة في هذه اللحظة التاريخية، وعدم الوقوف عند حدود الإنتقاد، والدعوات، بل تقديم النموذج البديل، فكرياً، سياسياً، وميدانياً أيضاً. ونعتقد أن على القوى اليسارية أن تبذل كل الطاقات لعدم تفويت هذه الفرصة، وعدم ضياعها. وبالتالي هي مدعوة من أجل العمل (العمل) الميداني، لتوفير العناصر الضرورية لإستنهاض الإنتفاضة الشبابية، ومدها، كما قلنا، بعناصر التنظيم، والتواصل، والزخم، والتطور، وزج القوى في صفوفها، لتتحول حقاً إلى مقاومة شعبية، في إطار البدائل الإستراتيجية في مجابهة الإحتلال والإستيطان.
هذه القوى مدعوة لتعبئة قواها الخاصة، وأطرها الشعبية بالأشكال المختلفة والزج بها في معارك الإنتفاضة التي هي مسار ثوري له وجوهه وأساليبه المختلفة: إشعال نقاط الإشتباك مع قوات الإحتلال ومشاريع الإستيطان. تشكيل لجان الحراسة والحماية في القرى ضد إعتداءات المستوطنين وعربداتهم. تشكيل لجان لحماية للأرض المهددة بالمصادرة لصالح الإحتلال والإستيطان. تشكيل لجان الحماية لمنازل الشهداء المهددة بالنسف على يد قوات الإحتلال وتحويل كل عملية نسف إلى معركة يخوضها أبناء الحي أو القرية أو البلدة، مدعومين بوفود شعبية من الخارج. إحتضان العائلات التي تنسف منازلها، والعمل لأجل بناء منازل جديدة بالجهد الشعبي. تحويل جنازات تشييع الشهداء إلى مسيرات ضخمة، شبيهة بمسيرات المعلمين والمتضررين من تعديلات قانون الضمان الإجتماعي والتي تجاوزت العشرة ألف. تنظيم تحركات التضامن مع الأسرى وعائلاتهم، في مناسبات معينة تكون فرصة لتعبئة القوى وإستنهاض الفعاليات الشعبية. تعبئة القوى في تطوير وتوسيع أعمال وتحركات لجان مقاطعة المنتج الإسرائيلي، ميدانياً وإعلامياً. تنظيم التحركات الدورية ضد «الجدار» وأضرراه. أي بعبارة مختصرة، تحويل الإنتفاضة الشبابية إلى برنامج للقوى السياسية اليسارية والديمقراطية والوطنية والتي تطرح بدائلها لسياسات السلطة إن في العلاقة مع الإحتلال، أو في جوانبها الإجتماعية والإقتصادية وصولاً إلى فرض تنفيذ قرارات المجلس المركزي: وقف التنسيق الأمني، مقاطعة الإقتصاد الإسرائيلي، تطوير المقاومة الشعبية وتدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية.
نحن والتاريخ على موعد. فلنكن أوفياء لهذا الموعد■
■ جاءت عملية تل أبيب، وتداعياتها السياسية والأمنية، لتفاجئ، الأوساط الفلسطينية التي تنبأت بنهاية الإنتفاضة الشبابية، حتى قبل أن تفاجئ الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية. بل يفترض بنا أن نعترف أن المحافل الأمنية الإسرائيلية، وهي ترصد تراجع أعمال الإنتفاضة الشبابية، لم تسقط من حساباتها أن تستعيد هذه الإنتفاضة حيويتها، معتمدين في تقديرهم هذا إلى طبيعة هذه الإنتفاضة، وعفويتها، وإلى أن الأسباب التي أدت إلى اندلاعها مازالت على ما هي عليه، لا بل زادت تعقيداً، خاصة بعد دخول أفيفدرو ليبرمان وزارة الحرب الإسرائيلية بما في هذه الخطوة من إشارات لا تخفى على أحد.
لم تتقدم أي من الفصائل لتبني هذه العملية، وهي المرة الثانية التي تبرز فيها هذه «الظاهرة»، وكانت الأولى مع العملية البطولية للشهيد عبد الحميد سرور في مرآب الباصات في قلب مدينة القدس. ولنا أن نقرأ هذه «الظاهرة» التي تآلفت مع ظاهرة عدم تبني الفصائل لشهداء الإنتفاضة الشبابية، من الذين أعدموا في وضح النهار على يد قوات الإحتلال بدم بارد. وبالتالي، كخلاصة لهذه المقدمة يجب القول إن الإنتفاضة الشبابية مازالت قائمة ومستمرة، وإنها مازالت تطرح علينا أسئلتها: كيف العمل لمدها بعناصر التنظيم، وبعناصر القوة، وبالزخم الشعبي، وتحويلها إلى مقاومة شعبية شاملة، وإلى خيار سياسي وطني، يشق الطريق نحو استراتيجيات بديلة للخيار التفاوضي العقيم، والذي مات منذ فترة، لكن البعض مازال مصراً على الإحتفاظ بجثته، ويرفض أن ينظم لها مراسم الدفن «اللائقة» به كخيار تسبب لشعبنا بكوارث على مدى ربع قرن من الزمن.
* * *
تأتي عملية تل أبيب الشجاعة والبطولية، والتي أشادت بها الفصائل التي تملك بنية عسكرية في قطاع غزة (حماس، الديمقراطية، الجهاد، الشعبية) بينما كان العالم ملتفتاً نحو مؤتمر باريس الوزاري، تمهيداً لإطلاق مبادرة «دولية» خارج إطار الأمم المتحدة، لإستئناف العملية التفاوضية. وقد أتت العملية في الوقت الذي تباينت فيه ردود الفعل إزاء نتائج «بيان باريس» حتى في صف الفريق المفاوض، والذي أظهرت بعض تصريحات رموزه أنه كان يعلق الآمال الكبار على هذا المؤتمر، وأنه كان يطمح أن يخرجه هذا المؤتمر من مأزقه السياسي وأن يوفر له مخرجاً لائقاً، فيه من البهرجة، والأضواء، والضجيج الإعلامي، ما يمكنه من العودة إلى المفاوضات. في ظل شروط لا تغيير في جوهرها، وفي ظل آليات بالية، دون المس بالإستيطان الإسرائيلي، بل ربما مع الكثير من الإغراءات والمكاسب المسبقة للجانب الإسرائيلي، كي يتنازل عن رفضه للمؤتمر، وكي يقبل بصيغة تحاول الإقتراب أكثر فأكثر من شروط تل أبيب. وبالتالي تصبح المعادلة واضحة: كلما ابتعدت عن المصالح الفلسطينية وكلما، بالتالي، بشرت بالمزيد من الفشل الذي يضاف إلى فشل ربع قرن من مفاوضات مماثلة.
وبالتالي، وعندما تتزامن عملية تل أبيب، مع المؤتمر الوزاري في باريس، فمعنى ذلك أن الذين قاموا بها، وأن الذين عبرت عن مشاعرهم وعن اتجاهاتهم السياسية، وعن رؤيتهم للطريق البديل لحل القضية الوطنية، هؤلاء كلهم في واد، والقيادات السياسية التي راهنت، ومازالت تراهن على «بيان باريس» وعلى ما يمكن أن يعطيه للقضية، في واد آخر، وبالتالي (أيضاً وأيضاً) أن الحالة الفلسطينية، تفتقد إلى البرنامج الموحّد والموحّد، وإن الإنقسام لا تقف حدوده عند حماس وفتح، أو عند رام الله وغزة، بل هو إنقسام داخل رام الله، ونابلس وطولكرم وغيرها من المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية، وأن المسيرة الوطنية تعيش في ظل نزاع بين إتجاهات متباينة متضاربة، متناقضة، تحاول بالكثير من الجهد، وبسبب وطأة الإحتلال ووطأة الإستيطان أن تحافظ على مظاهر الوحدة الوطنية، التي أفرغها أوسلو، وإلتزاماته، ورهانه على بيان باريس (كطلقة أخيرة) من مضمونها الحقيقي.
* * *
الواجب الوطني يحتم علينا القول إن اليسار الفلسطيني بتلاوينه المختلفة، وإلى جانبه الصف العريض من القوى الديمقراطية والوطنية وفعاليات المجتمع المدني، مدعو لإتخاذ زمام المبادرة في هذه اللحظة التاريخية، وعدم الوقوف عند حدود الإنتقاد، والدعوات، بل تقديم النموذج البديل، فكرياً، سياسياً، وميدانياً أيضاً. ونعتقد أن على القوى اليسارية أن تبذل كل الطاقات لعدم تفويت هذه الفرصة، وعدم ضياعها. وبالتالي هي مدعوة من أجل العمل (العمل) الميداني، لتوفير العناصر الضرورية لإستنهاض الإنتفاضة الشبابية، ومدها، كما قلنا، بعناصر التنظيم، والتواصل، والزخم، والتطور، وزج القوى في صفوفها، لتتحول حقاً إلى مقاومة شعبية، في إطار البدائل الإستراتيجية في مجابهة الإحتلال والإستيطان.
هذه القوى مدعوة لتعبئة قواها الخاصة، وأطرها الشعبية بالأشكال المختلفة والزج بها في معارك الإنتفاضة التي هي مسار ثوري له وجوهه وأساليبه المختلفة: إشعال نقاط الإشتباك مع قوات الإحتلال ومشاريع الإستيطان. تشكيل لجان الحراسة والحماية في القرى ضد إعتداءات المستوطنين وعربداتهم. تشكيل لجان لحماية للأرض المهددة بالمصادرة لصالح الإحتلال والإستيطان. تشكيل لجان الحماية لمنازل الشهداء المهددة بالنسف على يد قوات الإحتلال وتحويل كل عملية نسف إلى معركة يخوضها أبناء الحي أو القرية أو البلدة، مدعومين بوفود شعبية من الخارج. إحتضان العائلات التي تنسف منازلها، والعمل لأجل بناء منازل جديدة بالجهد الشعبي. تحويل جنازات تشييع الشهداء إلى مسيرات ضخمة، شبيهة بمسيرات المعلمين والمتضررين من تعديلات قانون الضمان الإجتماعي والتي تجاوزت العشرة ألف. تنظيم تحركات التضامن مع الأسرى وعائلاتهم، في مناسبات معينة تكون فرصة لتعبئة القوى وإستنهاض الفعاليات الشعبية. تعبئة القوى في تطوير وتوسيع أعمال وتحركات لجان مقاطعة المنتج الإسرائيلي، ميدانياً وإعلامياً. تنظيم التحركات الدورية ضد «الجدار» وأضرراه. أي بعبارة مختصرة، تحويل الإنتفاضة الشبابية إلى برنامج للقوى السياسية اليسارية والديمقراطية والوطنية والتي تطرح بدائلها لسياسات السلطة إن في العلاقة مع الإحتلال، أو في جوانبها الإجتماعية والإقتصادية وصولاً إلى فرض تنفيذ قرارات المجلس المركزي: وقف التنسيق الأمني، مقاطعة الإقتصاد الإسرائيلي، تطوير المقاومة الشعبية وتدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية.
نحن والتاريخ على موعد. فلنكن أوفياء لهذا الموعد■