- الكاتب/ة : دمتري شومسكي
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2016-06-16
تتحدث ليزا لوزفسكي، بحق، عن قلة المفاهيم لدى المحللين الاسرائيليين حينما يغطون قطاع الروس في اسرائيل ("هآرتس"، 2/6). من الصعب تجاهل الخيال المحدود لدى وسائل الاعلام الاسرائيلية في كل ما يتعلق بصورة السياسيين الروس الاسرائيليين. في نهاية المطاف تعودوا مرة تلو الاخرى على عدة مواقف مسبقة، عرقية وسطحية، على شاكلة ليبرمان – بوتين/ الكين – راسبوتين. ومع ذلك يجب الاعتراف بأنه لا يمكن فهم ظاهرة الليبرمانيين والالكينيين بشكل عميق في السياسة والمجتمع الاسرائيليين، دون التطرق الى الخلفية الاجتماعية والسياسية والثقافية التي شكلت الوعي السياسي عند كثير من المهاجرين من الاتحاد السوفييتي سابقا. المواقف اليمينية السائدة في الشارع الروسي في اسرائيل ليست نتيجة الواقع الاسرائيلي المحيط، وليست ردودا احتجاجية متواصلة ضد اليسار الاسرائيلي بسبب الاجحاف الاجتماعي، الاقتصادي والقمع الثقافي، مثل التي تفسر أنماط التصويت لدى الشرقيين. لا يدور الحديث عن ثمار ايديولوجيا دينية مسيحانية، مثل التي تفسر المزاج لدى الجمهور الديني القومي، وايضا ليس نتيجة الصراع القومي الذي لا يتوقف، مثلما هي الحال لدى كثير من الاسرائيليين القدامى من مصوتي اليمين. مواقف قومية متطرفة مع ما هو أكثر من العنصرية وكراهية "الآخر"، التي يتبناها كثير من الاسرائيليين الروس، هي نتيجة واضحة لواقع ما بعد السوفييتية. الميزة البارزة لهذا الواقع هي نقيض القيم الانسانية والمساواة. مثلما كانت الحال لدى مواطني الاتحاد السوفييتي في نهاية ايامه وبعد انهياره. بسبب التناقض الذي لا يمكن تحمله بين رفع راية حب الانسان والاخوة بين الشعوب في الحوار الرسمي والثقافي والتربوي وبين غياب المساواة الاجتماعية والقمع القومي في الواقع اليومي، فقدت مفاهيم التحضر الاساسية صلاحيتها في نظر الانسان ما بعد السوفييتي. ويضاف الى ذلك أن مجرد استخدام هذه المصطلحات يعتبر من ناحيتنا سلوك مصاب بالتلون، ومن المشكوك فيه من الناحية القيمية. ففي الوقت الذي يعتبر اليسار شيئا غريبا وهذيانيا وخائنا ومحبا للعربا وليس يهوديا بما يكفي، في اسرائيل الفاشية لنتنياهو وبينيت، فان اسرائيل ما بعد السوفييتية لليبرمان والكين تعتبر اليسار غير اخلاقي بالمعنى اللاانساني والميتافيزيقي تقريبا. زمرة الاسرائيليين الروس القوميين المتطرفين يتحفظون من المواقف القومية المتطرفة للاغلبية. وهي غير مستعدة في العادة بالاعتراف بأن لهذه المواقف جذورا عميقة في الثقافة السياسية لدولة مريضة اخلاقيا. صحيح أن هذه الثقافة تلاشت من العالم، إلا أنها خلفت وراءها إرثا لاانسانيا غنيا، هذا الارث وجد لنفسه خطوات وتعبيرات ايضا في الشرق الاوسط. ولكن بدل مواجهة الظاهرة ومصدرها، تحب الاقلية الروسية التذكير بأنماط التصويت المتقلبة، وهذا يجد له مؤيدين في اوساط اليسار – الوسط في اسرائيل وخصوصا لدى القدامى، على ما يبدو بسبب الحب والحنين للثقافة الروسية، التي تأثرت بها الثقافة العبرية والاسرائيلية القديمة، حيث يبدون الاستعداد لتقبل وشراء "البراغماتية الروسية". ادعاءات من هذا النوع لا أساس لها تستند اليه. عندما صوت كثير من المهاجرين الجدد في العام 1992 لمعسكر اليسار برئاسة اسحق رابين، كان الرأي السائد في وسائل الاعلام الروسية في اسرائيل وفي اوساط الجمهور "الروسي" الواسع، هو أن الجنرال صاحب الهالة والعظمة أفضل من مجرد "جاسوس" (اسحق شمير). يبدو أن ايهود باراك كان يدرك هذا الشعور العسكري القومي لدى الاسرائيليين الروس، وفي حملة الانتخابات العام 1999 شدد على الرسائل القومية والامنية في وسائل الاعلام الروسية. دون التطرق الى الولاء لطريق السلام لرابين التي أعلن عنها مرة تلو الاخرى في الحملة الموجهة لجميع السكان، كنتيجة لذلك فإن "روسا" كثيرين أيدوا باراك؛ الصورة التي اظهرها لهم كانت بعيدة عن شخصية اليساري. ليس مفاجئا أن ما اكتشفه باراك في العام 1999 وما يعرفه كل سياسي اسرائيلي من حزب كبير حين يسعى وراء الناخبين متحدثي الروسية، يتم نفيه من قبل الهوامش الليبرالية لجالية متحدثي الروسية. إن سياسة الهويات متعددة الثقافات، التي تلعب دورا مركزيا في النقاش الاسرائيلي الحالي، لا تلائم النقاش الانتقادي داخل المجموعات بأي شكل كان، بل العكس، التعدد الثقافي في شكله المركزي اليهودي الاسرائيلي يشجع النرجسية في الهوية – سواء كان الحديث يدور عن الهويات الخاصة بمجموعات الثقافة والاصل اليهودي المختلف في اوساط الاسرائيليين، أو المهتم بالهوية القومية المقدسة ما بعد العلمانية. تتم ملاطفة "الهوية" اليوم، واولئك الذين يتجرأون على انتقاد الهوية – العرقية الثقافية أو العرقية الدينية القومية – يتم اعتبارهم خونة تجاه الجالية أو الأمة، ويساهمون في تحطيم الموقف الذاتي الصهيوني اليهودي، كما قالت تسفيا غرينفيلد ("حينما أُسكت عاموس عوز ودافيد غروسمان"، "هآرتس"، 20/5). في ظل هذه الاجواء العامة فان على الهوية الروسية الاسرائيلية الاستمرار في الازدهار ومعها أحد المركبات المهمة لارث الماضي الثقافي الذي تمثله العنصرية ما بعد السوفييتية لافيغدور ليبرمان وزئيف الكين.