يتوهم أكثرية الاسرائيليين من أتباع إستعمار فلسطين ، ومؤيدي التوسع الأستيطاني ، وغالبيتهم من العنصريين وأُحاديي النظرة ، ورافضي أي حل واقعي للصراع العربي الصهيوني في الجولان السوري مثلاً ، وللإسرائيلي الفلسطيني في رفض حل الدولتين للشعبين ، كما يتوهم مثلهم قطاع من الفلسطينيين سواء كانوا من دعاة الخنوع والأستسلام للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي والهروب إلى أي حل يتكيف مع بقاء الاحتلال ، أو من دعاة التطرف الديني أو القومي أو اليساري ، يتوهمون جميعاً أولئك وهؤلاء إذا إعتقدوا أن المأزق الذي يواجه الشعب العربي الفلسطيني وحركته السياسية ، يواجه المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني وحده ، دون المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، فالمأزق مزدوج وشامل لطرفي الصراع ، يحول دون تحقيق أهادفهما المتناقضة ، المتصارعة ، لطرف على حساب أخر ، فكلاهما فشل في تحقيق كامل أهدافه ومشروعه وبرنامجه وإن كان ذلك بنسب متفاوتة ، لمصلحة بقاء هذا الطرف أو ذاك .
بعد أكثر من خمسين عاماً من النضال والثورة والتضحيات أخفق خلالها الفلسطينيون من تحقيق أهدافهم الوطنية ، وتطلعاتهم المشروعة نحو المساواة والاستقلال والعودة ، إنعكاساً لعنوان فشلهم في دحر المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وهزيمته ، ووقف تمدده على أرض بلادهم الوطنية ، وأخر إنجاز حققه الشعب الفلسطيني ، كان في عهد الراحل ياسر عرفات أنه نقل الموضوع الفلسطيني ، وعنوانه من المنفى إلى الوطن ، وبات النضال الفلسطيني وأدواته وقاعدته داخل الوطن وليس خارجه ، وفي مواجهة عدوهم ، عدو الشعب الفلسطيني الواحد ، والشعب الفلسطيني ليس له سوى عدو واحد فقط هو المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي يحتل أرضهم ، التي لا أرض لهم سواها ، ويصادر حقوقهم الثابتة غير القابلة للتبديد أو الانتقاص أو التلاشي ، ويعتدي على كرامتهم حيث لا حياة لهم بلا كرامة ، ونضالهم في مواجهته يتم على أرض بلادهم فلسطين ، وبأدوات فلسطينية ، ومن أجل برنامج فلسطيني ، مدعوماً بشكل متواضع من قبل العرب والمسلمين والمسيحيين ومؤيدي حقوقه من بلدان العالم المتحضر وشعوبه المستنيرة .
لقد سعى الفلسطينيون من أجل منع تدفق المهاجرين اليهود الأجانب إلى فلسطين ، ومحاولة رميهم إلى البحر ، ومنع إقامة دولة يهودية على أرضهم ، وعملوا على التصدي للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرضهم وهزيمته ، وفشلوا في مسعاهم ، لأن الإسرائيليين توفرت لهم عوامل أفضل ساعدتهم على الهجرة والاستيطان وحصلوا على الدعم من يهود العالم ومن الأوروبيين ومن الأميركيين ، وهم نتاج المجتمع الأوروبي المتطور ، فحققوا جزءاً كبيراً من برنامجهم وإحتلالهم وإستعمارهم لأرض فلسطين ، ومع ذلك ، فهم ليسوا أفضل حالاً بالمعيار السياسي من الفلسطينيين ، فقد حاولوا رمي كل الفلسطينيين إلى الصحراء وطردهم خارج وطنهم ، ولكنهم فشلوا في تحقيق كامل برنامجهم ، وباتوا في مأزق مماثل يتمثل ببقاء نصف الشعب الفلسطيني على كامل أرض وطنه بعد طرد وتهجير النصف الاخر من اللاجئين والنازحين ، وقد سبق وتحدث بعض المفكرين الأمنيين والإستراتيجيين الإسرائييين في مؤتمر هرتسيليا السنوي عن مأزق الإسرائيليين الديمغرافي ، ووصفوا الحركة الصهيونية على أنها إرتكبت ثلاث حماقات في تاريخها وهي :
أولاً : الحماقة الأولى أنها سمحت ببقاء مائة وأربعون الف فلسطيني في مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، وباتوا معروفين أنهم الضلع الثالث لمثلث مكونات الشعب الفلسطيني ، وهم يشكلون اليوم خمس المجتمع الإسرائيلي ولديهم 64 مدينة وقرية عربية فلسطينية في مناطق 48 ولهم سبعة عشر نائباً في البرلمان الإسرائيلي .
ثانياً : الحماقة الثانية أنها سمحت ببقاء سكان الضفة والقدس والقطاع في أماكنهم ، رغم محاولات طرد بعضهم ، وفي محاولات إفقار ما تبقى منهم ، وجعل أرضهم الفلسطينية طاردة لهم وهم أهلها وأصحابها ، وبقي أكثر من أربعة ملايين فلسطيني في الضفة والقدس والقطاع ، يشكلون الضلع الثاني من الش عب الفلسطيني .
ثالثاً : أما الحماقة الثالثة فهي السماح لأكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني بالعودة مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى فلسطين منذ بداية عام 1994 ، إلى الضفة والقطاع حتى عام 1999 ، وبات مجموع ما بقي من الشعب الفلسطيني على كامل أرض وطنه ما يقارب من ستة ملايين عربي فلسطيني ، على أرضهم في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948 ، والثانية عام 1967 ، وهم يمثلون نصف عدد الشعب الفلسطيني والنصف أخر مهجر ومشتت خارج فلسطين ، يشكل وجودهم داخل فلسطين ، ليس فقط فشلاً مادياً مباشراً لأهداف المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وبرنامجه في طرد الفلسطينيين خارج وطنهم ، ولكنهم يشكلون المأزق الحقيقي الملموس لفشل كامل مشروعهم الإستعماري التوسعي الإسرائيلي في جعل كامل فلسطين وطناً للإسرائيليين وحدهم .
ولهذا ليس المأزق الذي يواجه الشعب العربي الفلسطيني ، وحركته السياسية ، ومشروعه الوطني ، مقتصراً عليهم وحدهم ، في عملية الصراع المستديمة القديمة المتجددة ، بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، ليس هذا المأزق مقتصرة أثاره ومتاعبه وتداعياته ، على الفلسطينيين وحدهم ، بل هو مأزق مشترك يواجه الإسرائيليين كما يواجه الفلسطينيين حيث أن كليهما فشل كل من ناحيته في إنهاء الاخر ، وفي إجتثاثه وتصفيته ، ومن هنا فالحل والرؤية يجب أن تشمل طرفي الصراع ، على قاعدة العمل المشترك ، ضد الإحتلال والإستعمار والعنصرية ، والنضال المشترك من الأمن الواحد والحياة المشتركة ، والتعاون من أجل التوصل إلى حل يضمن لطرفي الصراع الاستقرار والطمأنينة بعيداً عن الاستئصال والنفي ونكران الوجود ، وإلغاء الاخر .

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف