- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2016-06-19
تتوالى ردود الفعل على مشاركة عدد من العرب في المؤتمر السنوي الذي تعقده إسرائيل في مدينة هرتسليا الساحلية، والذي أصبح تقليداً سنوياً منذ ستة عشر عاماً. أبرز ردود الفعل تركزت حول شخصيتين: الأولى التي كانت مفاجأة المؤتمر عصام زيتون ممثل الجيش السوري الحر، والثانية أحمد مجدلاني أمين عام جبهة النضال الشعبي وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ماذا كان يفعل ممثل الجيش السوري الحر؟ هو السؤال الذي أعطى لمؤيدي النظام في سورية ولحلفاؤهم دليلاً دامغاً على تعاون المعارضة السورية المسلحة مع إسرائيل وتجريد تلك المعارضة من أي طهرانية ثورية ادعتها في خضم القتال، بل إن تلك المشاركة زودت ماكنة الإعلام بالكثير من الدعاية حتى إن زيتون نفسه ظهر على وسائل الإعلام متلعثماً وباهتاً في الدفاع عن تلك المشاركة.
لكن الجدل الذي اشتعل في الساحة الفلسطينية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وكان أكثر أهمية هو وجود أمين عام جبهة النضال الشعبي وإلقاؤه كلمة في المؤتمر، وتلك ربما مسألة بحاجة للنقاش بعد أن أصبحت تلك المشاركة تقليداً يجب التوقف أمامه، سواء لطبيعة ذلك المؤتمر أوحتى للظروف التي ينعقد فيها، وهو الأمر الذي ربما جعل شخصية مثل المحامي رفيق أبو ضلفة عضو المكتب السياسي لجبهة النضال ومسؤولها في غزة يحاول التنصل من مشاركة أمينه العام بالقول: إن مجدلاني ذهب بتكليف من اللجنة التنفيذية بصفته عضواً فيها وليس كممثل للجبهة.
في السنوات الأخيرة، توصلت القيادة الفلسطينية إلى نتيجة مفادها بأنه لا فائدة من الحوار والمفاوضات مع حكومات اليمين الإسرائيلية وذهبت بالعمل مباشرة مع المجتمع الإسرائيلي في محاولة لإحداث تغيير ما ضاغط على تلك الحكومة، وقد كلفت عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد المدني بتلك المهمة، والتي اعتبرها ليبرمان تمس بوحدة المجتمع الإسرائيلي ومنع رئيس اللجنة من الدخول لإسرائيل، والحقيقة أن تلك اللجنة تمكنت إلى حد ما من تجنيد بعض الفعاليات التي أدت إلى سحب التصريح بعد تقارير من الشاباك لمراقبة نشاطها وتدخلها كما يقول ليبرمان في الشأن الداخلي الإسرائيلي.
وهنا علينا أن نميز ما بين محاولة التأثير على المجتمع نفسه وما بين مشاركات رسمية في مؤتمرات لا ناقة للفلسطيني فيها ولا بعير، إذ إن فكرة مؤتمر هرتسليا بدأت في عام 2000 بمبادرة من مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق عوزي أراد بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية التي أحدثت أزمة للمجتمع الإسرائيلي، وأيضاً في تلك الفترة كان التحدي الأبرز والذي كان يمثل أزمة كبيرة للدولة الإسرائيلية وهو ملف فلسطيني 48 والذين وصفهم تقرير سري من مكتب نتنياهو عندما كان رئيس حكومة في أواسط التسعينيات بأنهم «خطر كامن»، أما ثالث تلك الأزمات ما بدا أنه هزيمة إسرائيلية تمثلت بالهروب المذل للجيش الإسرائيلي من لبنان وتنامي قوة حزب الله وإيران.
تلك التهديدات أظهرت أن إسرائيل آنذاك تقف أمام عديد من الأزمات؛ فتداعت في كانون الأول عام 2000 لاجتماع ثلاثمائة شخصية إسرائيلية من خبراء وسياسيين وأمنيين سابقين وعلى رأس عملهم وكل الوزراء ورجالات المؤسسة أي نخبة إسرائيل، إلى الدرجة التي وصف فيها الكاتب المرحوم محمد حمزة غنايم الأمر قائلاً: «من لم يحضر المؤتمر لم يعد من النخبة في الدولة».
لقد تداعى هؤلاء لمناقشة التهديدات المتصاعدة وفحص مدى مناعة إسرائيل أمامها ووضع السبل لمواجهة التحديات والأخطار لذا أطلق على المؤتمر «مؤتمر ميزان المناعة والأمن القومي». ويتم دراسة تلك المناعة من قوة عسكرية وأذرع أمنية وتفوق تكنولوجي وكيف يتم نصب الكمائن للفلسطينيين وتذويب قضيتهم ومواجهة ايران والتغلب على نقص المياه والعملة الصعبة وتعديل الميزان الديموغرافي في غير صالح فلسطيني 48.
باختصار، إنه المؤتمر الذي تتم فيه مناقشة كل الخطط ضد خصوم إسرائيل في المنطقة ومنها نحن الفلسطينيين لذا فإن سؤال ماذا كان يفعل السيد أحمد مجدلاني في المؤتمر هو سؤال استنكاري وليس استفساريا لمعرفتنا بطبيعة المؤتمر منذ أن بدأت فكرته.
أذكر أنني كتبت مادة مطولة في مجلة «رؤية» للأبحاث والدراسات التي كانت تصدرها الهيئة العامة للاستعلامات 2001 عن ذلك المؤتمر ونتائجه وبقيت بعدها أتابع المؤتمر كل عام وأكتب عنه وفي البدايات كان هذا المؤتمر مغلقاً على الإسرائيليين وكثير من جلساته تبقى سرية، لكن إسرائيل مع الزمن أعطت له هالة وبدأت بدعوة ضيوف غير إسرائيليين لإلقاء كلمات وللاستماع للرواية الإسرائيلية وللأخطار المحدقة بدولتهم وكيف أن تلك الدولة الصغيرة تواجه كل تلك التحديات بجرأة وشجاعة وإبداع.
الفكرة هنا ليس بتحريم أو تجريم الاتصال بإسرائيل ولكن هناك فرقاً بين المفاوضات مع إسرائيل، سواء كلعبة علاقات عامة بهدف كشف إسرائيل أو مفاوضات جدية هدفها حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية أو حتى تواصل من اجل استهداف المجتمع الإسرائيلي والتأثير عليه، ولكن مؤتمر هرتسليا شيء آخر، فأي تواصل هذا مع قيادات الدولة التي ترفض حتى التفاوض، وتجتمع لدراسة مدى تحصين الدولة من الأخطار الخارجية.
بين المؤتمر الأول أو المؤتمرات الأولية كان الفلسطيني حاضراً في هرتسيليا كتهديد على مستقبل إسرائيل سواء بالانتفاضة أو بالأرقام الديموغرافية لفلسطيني 48.
لقد تمكنت الدولة من التغلب على تهديد الفلسطينيين. أوقفت المفاوضات ونشرت المستوطنات. أما فلسطينيو الداخل فقد عملت خلال السنوات الماضية على سن القوانين التي تضمن وقف نموهم إلى الدرجة التي ظهر في السنوات الأخيرة ما يشبه التقارب في الولادات العربية واليهودية.
لكن بقيت أخطار أخرى متمثلة في تهديات مثل المنظمات التي تعتبرها إسرائيل متطرفة وليست دول، مثل حزب الله الذي ظل موضوعه يتكرر في كل مؤتمر ومعه ايران، قد يكون قاسم مشترك بين إسرائيل وعصام زيتون في التهديد المشترك الذي يمثله الحزب، ولكن ما علاقة منظمة التحرير وجبهة النضال بذلك؟
والأهم أن هناك قراراً من المجلس المركزي بتحديد العلاقة مع إسرائيل، من الصعب تحديدها في ظل هذا التشابك اليومي ولكن ليس إلى الحد الذي نرى فيه ممثل منظمة التحرير حاضراً في هرتسليا. يجب أن يتوقف