
- تصنيف المقال : شؤون عربية ودولية
- تاريخ المقال : 2016-06-23
مَن سمع يوم الخميس خطابَي موشي يعلون وإيهود باراك في مؤتمر هرتسليا، أخذ الانطباع بأن المعركة الانتخابية تهلّ علينا. الأول، وزير الدفاع إلى ما قبل لحظة، عاد لتكرار ما قاله في بلاغ استقالته، بأنه سيتنافس على الزعامة. الثاني، قديم ومستخدَم أكثر، بطلّة جديدة، لواعظ ديني أو نبي غضب، يعلم أنه لا يمكنه أن يحلم برئاسة الحكومة. وقد اكتفى بحثّ المواطنين على النهوض عن مقاعدهم «المريحة أو الأقل راحة» ـ وكما هو معلوم ليس هناك مقاعد أكثر راحة من مقاعد الدرجة الأولى ـ والتجند لإسقاط هذه الحكومة «المخطوفة» ورئيسها.
وبعد الظهر ظننا أن يعلون، الذي ارتفع درجة في انتقاداته لسلوك نتنياهو، صنع العنوان. ولكن بعد ساعات تبين أن يعلون ليس بين مشهيات الوجبة ذات الأطباق الستة التي قدّمها لنا إيهود باراك. لقد كان، في أحسن الأحوال، مجرد كأس ماء بارد يقدم للمدعوين قبل وضع قائمة الطعام على الطاولة.
فقد تحدث يعلون بارتياح، بموضوعية، ومن دون عواطف، ولا بروق ولا رعود. وبطريقته أوضح لسامعيه أنه في الانتخابات المقبلة، التي ليس مؤكداً أنها وشيكة، سيتنافس على رئاسة الحكومة. وهو لا يرى بين الآخرين المتنافسين على التاج، مَن هو أكثر منه جدارة وخبرة للمنصب. وباختصار فإن أجندته ستكون، مزيجاً من اليمين السياسي، والاعتدال الأمني والعودة للقيم الليبرالية والزعامة الأخلاقية، الموحّدة، المحترمة لسلطة القانون، وغير المشتتة، أو المحرّضة والمثيرة للغرائز. ومع كل الاحترام للأجندة، فإن ما سيقرّر مصير الانتخابات المقبلة، سيكون مدى الضجر من نتنياهو. وكما هو معلوم، الانتخابات لا تحسم بالتصويت لصالح من، وإنما ضد من.
ومقابل يعلون، فإن الشرارات التي انطلقت من خطاب باراك بوسعها أن تنير بسهولة كل رمت غان. كان هذا «عرضا» ذكّرنا بأيامه الجيدة كزعيم لمعارضة حكومة نتنياهو الأولى. وخطابات كهذه هي التي أوصلته للحكم عام 1999. ولكنه حينها كان بضاعة طازجة وأملاً كبيراً، وهو اليوم عكس ذلك. وخلافاً ليعلون، الذي اختار كلماته ولم يذكر نتنياهو باسمه، وإنما «القيادة» فقط، لم يختر باراك كلماته ولم يكبح نفسه. فقد ضرب وعذب نتنياهو بأسواط وأفاعٍ وعقارب. وهو لم يغرس في جسده سكيناً واحدة وإنما كل السكاكين التي وجدها في المطبخ ولدى الجيران. وليس مجرد غرس وإنما أدار السكاكين جيئة وذهاباً. كان هذا ذبحاً بكل معنى الكلمة: مبرراً، مرتباً، بليغاً وعديم الرحمة. وتسأل عن مدى تسويغ ذلك كل مستمع ومشاهد. ويمكن لافتراض أن كل السفارات في إسرائيل أشعلت المصابيح حتى وقت متأخّر. وتلخيص خطابي باراك ويعلون نقلت إلى وزارات الخارجية في كل زوايا العالم، مع ملاحظة: شيء ما يحدث في إسرائيل.
لم يكن هناك ما يمكن مقارنته بخطاب حامل لقب «رئيس المعارضة البرلمانية»، اسحق هرتسوغ الذي تحدّث قبل باراك. هرتسوغ احتجّ في الأساس على أن نتنياهو أدار له الظهر، وأنشأ حكومة يمينية خالصة. ومن أقواله يمكن أن نفهم أنه لو قرّر نتنياهو التخلص من البيت اليهودي، فإن هرتسوغ سيندفع إلى داخل الحكومة، كي ينقذ الوطن. وبذلك، بقدر كبير جداً من الأرجحية، يمكن التقدير أن هذه معارضة ميتة ودفنت بشكل مشين. وخطابا يعلون وباراك، خصوصاً الأخير، ينتجان واقعاً جديداً، ذروة جديدة، في المناخ السياسي الإسرائيلي. وهما يرتبطان بجينات الكثير من ناخبي معسكر الوسط ـ يسار (الذين تشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن كثيرين منهم يفكرون في التصويت لحزب يمين معتدل، فقط من أجل إسقاط نتنياهو والليكود). في هذا السجال، في هذا الواقع، سنرى كيف أن هرتسوغ سيصل إلى مؤتمر حزب العمل لإقناعه بالضرورة الوطنية للانضمام إلى نتنياهو.
وبديهي أن باراك ويعلون ليسا نقيين كعروس خرجت من النهر. كلاهما خدم تحت إمرة الرجل الذي أعاباه أمس، كل واحد على طريقته. باراك كان عنده أربع سنوات، حتى 2013، ولم نسمع منه تحليلات كهذه. يعلون حل مكانه، وإلى أن خرج مضطراً قبل بضعة أسابيع، أظهر ولاء وأخلاصاً للزعيم، وكان سيواصل ذلك لولا أنه طرد لصالح أفيغدور ليبرمان. والرجلان، باراك ويعلون، فكرا وقالا مراراً أثناء توليهما المنصب، أن إيران تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل. وباراك حث للهجوم 2010-2011 وتراجع بعد ذلك. أمس، كلاهما، سوياً، تراجعا ورفضا نظرية التخويف التي يتبعها نتنياهو، بأن إيران خطر وجودي وإسرائيل معرضة في كل وقت لمحرقة ثانية. ولكن فوق كل ذلك تبرز الحقيقة التالية: عشر سنوات تراكمت ونتنياهو رئيس للحكومة في أربع ولايات منفصلة. الأولى بين 96-99، وزير دفاعه كان الجنرال اسحق مردخاي. في نهاية تلك الولاية انسحب مردخاي من الليكود وشكل حزباً بهدف إسقاط نتنياهو. وباراك صار وزير الدفاع الثاني لنتنياهو بين 2009 ـ 2013. ويعلون الثالث من 2013 حتى وقت قريب. وكلاهما تحدثا أمس، بوضوح وحزم. والسؤال: هل المشكلة مع وزراء الدفاع الذين يتغيرون أم مع رئيس الحكومة؟
من السابق لأوانه التكهن بمَن سيتحالف مع مَن وفي أي إطار في الانتخابات المقبلة. أنهار من الذاتية المنتفخة، الكراهية وحسابات الماضي تفصل بين هؤلاء الرجال، وتشكيل إطار سياسي واحد. ولكن الاحتمال قائم. ويتوقع أن ينضمّ لهذا الخليط رئيسا الأركان المتقاعدان، غابي أشكنازي وبني غانتس. وفيما يستتر أشكنازي عن الأنظار، لسبب ما، يظهر غانتس كمن يتمتَع بالأضواء. فقط في الأسبوع الفائت ظهر مرتين. نتنياهو لا يمكنه البناء على دعمه. وهو سيُضطر لأن يخرج من القبو «أمني» كبير. بريق آفي ديختر لا يكفي. ولا أحد يوصي بالبناء على ليبرمان، الأمني المستجدّ.
وبعد الظهر ظننا أن يعلون، الذي ارتفع درجة في انتقاداته لسلوك نتنياهو، صنع العنوان. ولكن بعد ساعات تبين أن يعلون ليس بين مشهيات الوجبة ذات الأطباق الستة التي قدّمها لنا إيهود باراك. لقد كان، في أحسن الأحوال، مجرد كأس ماء بارد يقدم للمدعوين قبل وضع قائمة الطعام على الطاولة.
فقد تحدث يعلون بارتياح، بموضوعية، ومن دون عواطف، ولا بروق ولا رعود. وبطريقته أوضح لسامعيه أنه في الانتخابات المقبلة، التي ليس مؤكداً أنها وشيكة، سيتنافس على رئاسة الحكومة. وهو لا يرى بين الآخرين المتنافسين على التاج، مَن هو أكثر منه جدارة وخبرة للمنصب. وباختصار فإن أجندته ستكون، مزيجاً من اليمين السياسي، والاعتدال الأمني والعودة للقيم الليبرالية والزعامة الأخلاقية، الموحّدة، المحترمة لسلطة القانون، وغير المشتتة، أو المحرّضة والمثيرة للغرائز. ومع كل الاحترام للأجندة، فإن ما سيقرّر مصير الانتخابات المقبلة، سيكون مدى الضجر من نتنياهو. وكما هو معلوم، الانتخابات لا تحسم بالتصويت لصالح من، وإنما ضد من.
ومقابل يعلون، فإن الشرارات التي انطلقت من خطاب باراك بوسعها أن تنير بسهولة كل رمت غان. كان هذا «عرضا» ذكّرنا بأيامه الجيدة كزعيم لمعارضة حكومة نتنياهو الأولى. وخطابات كهذه هي التي أوصلته للحكم عام 1999. ولكنه حينها كان بضاعة طازجة وأملاً كبيراً، وهو اليوم عكس ذلك. وخلافاً ليعلون، الذي اختار كلماته ولم يذكر نتنياهو باسمه، وإنما «القيادة» فقط، لم يختر باراك كلماته ولم يكبح نفسه. فقد ضرب وعذب نتنياهو بأسواط وأفاعٍ وعقارب. وهو لم يغرس في جسده سكيناً واحدة وإنما كل السكاكين التي وجدها في المطبخ ولدى الجيران. وليس مجرد غرس وإنما أدار السكاكين جيئة وذهاباً. كان هذا ذبحاً بكل معنى الكلمة: مبرراً، مرتباً، بليغاً وعديم الرحمة. وتسأل عن مدى تسويغ ذلك كل مستمع ومشاهد. ويمكن لافتراض أن كل السفارات في إسرائيل أشعلت المصابيح حتى وقت متأخّر. وتلخيص خطابي باراك ويعلون نقلت إلى وزارات الخارجية في كل زوايا العالم، مع ملاحظة: شيء ما يحدث في إسرائيل.
لم يكن هناك ما يمكن مقارنته بخطاب حامل لقب «رئيس المعارضة البرلمانية»، اسحق هرتسوغ الذي تحدّث قبل باراك. هرتسوغ احتجّ في الأساس على أن نتنياهو أدار له الظهر، وأنشأ حكومة يمينية خالصة. ومن أقواله يمكن أن نفهم أنه لو قرّر نتنياهو التخلص من البيت اليهودي، فإن هرتسوغ سيندفع إلى داخل الحكومة، كي ينقذ الوطن. وبذلك، بقدر كبير جداً من الأرجحية، يمكن التقدير أن هذه معارضة ميتة ودفنت بشكل مشين. وخطابا يعلون وباراك، خصوصاً الأخير، ينتجان واقعاً جديداً، ذروة جديدة، في المناخ السياسي الإسرائيلي. وهما يرتبطان بجينات الكثير من ناخبي معسكر الوسط ـ يسار (الذين تشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن كثيرين منهم يفكرون في التصويت لحزب يمين معتدل، فقط من أجل إسقاط نتنياهو والليكود). في هذا السجال، في هذا الواقع، سنرى كيف أن هرتسوغ سيصل إلى مؤتمر حزب العمل لإقناعه بالضرورة الوطنية للانضمام إلى نتنياهو.
وبديهي أن باراك ويعلون ليسا نقيين كعروس خرجت من النهر. كلاهما خدم تحت إمرة الرجل الذي أعاباه أمس، كل واحد على طريقته. باراك كان عنده أربع سنوات، حتى 2013، ولم نسمع منه تحليلات كهذه. يعلون حل مكانه، وإلى أن خرج مضطراً قبل بضعة أسابيع، أظهر ولاء وأخلاصاً للزعيم، وكان سيواصل ذلك لولا أنه طرد لصالح أفيغدور ليبرمان. والرجلان، باراك ويعلون، فكرا وقالا مراراً أثناء توليهما المنصب، أن إيران تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل. وباراك حث للهجوم 2010-2011 وتراجع بعد ذلك. أمس، كلاهما، سوياً، تراجعا ورفضا نظرية التخويف التي يتبعها نتنياهو، بأن إيران خطر وجودي وإسرائيل معرضة في كل وقت لمحرقة ثانية. ولكن فوق كل ذلك تبرز الحقيقة التالية: عشر سنوات تراكمت ونتنياهو رئيس للحكومة في أربع ولايات منفصلة. الأولى بين 96-99، وزير دفاعه كان الجنرال اسحق مردخاي. في نهاية تلك الولاية انسحب مردخاي من الليكود وشكل حزباً بهدف إسقاط نتنياهو. وباراك صار وزير الدفاع الثاني لنتنياهو بين 2009 ـ 2013. ويعلون الثالث من 2013 حتى وقت قريب. وكلاهما تحدثا أمس، بوضوح وحزم. والسؤال: هل المشكلة مع وزراء الدفاع الذين يتغيرون أم مع رئيس الحكومة؟
من السابق لأوانه التكهن بمَن سيتحالف مع مَن وفي أي إطار في الانتخابات المقبلة. أنهار من الذاتية المنتفخة، الكراهية وحسابات الماضي تفصل بين هؤلاء الرجال، وتشكيل إطار سياسي واحد. ولكن الاحتمال قائم. ويتوقع أن ينضمّ لهذا الخليط رئيسا الأركان المتقاعدان، غابي أشكنازي وبني غانتس. وفيما يستتر أشكنازي عن الأنظار، لسبب ما، يظهر غانتس كمن يتمتَع بالأضواء. فقط في الأسبوع الفائت ظهر مرتين. نتنياهو لا يمكنه البناء على دعمه. وهو سيُضطر لأن يخرج من القبو «أمني» كبير. بريق آفي ديختر لا يكفي. ولا أحد يوصي بالبناء على ليبرمان، الأمني المستجدّ.