- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2016-06-25
يبدأ العبث بالمشروع الوطني الفلسطيني، حين يتم إختزال البرنامج الوطني الفلسطيني، من برنامج يغطي كامل مساحة القضية الفلسطينية، من مناطق الـ 48 إلى المناطق المحتلة عام 1967، إلى مناطق اللجوء والشتات، إلى برنامج يتطابق مع «حل الدولتين» وفقاً لتعريفات غامضة، تسقط من حساباتها دائرتين من دوائر القضية الثلاث، ثم تختصر الدائرة إلى مشروع يتم من خلاله التنازل، ليس عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، في مناطق تواجده كافة فحسب، بل وكذلك عما هو معني حتى بدائرة الـ67، أي حدود الدولة الفلسطينية وعاصمتها، وعلاماتها السيادية، بما في ذلك حقها في إستقبال مواطنيها على أرضها دون شروط تفرضها عليها دولة أخرى، هي إسرائيل، التي تبقى تمارس دور الوصاية الإحتلالية، بذرائع أمنية وغير مقنعة، هدفها الحقيقي ضرب المشروع الوطني في الصميم.
ثم يمتد العبث بالمشروع الوطني، في ألاعيب سياسية مفضوحة، تحاول أن تجعل من مشروع أوسلو طريقاً إلى الإستقلال والسيادة (المنقوصة).
ولا يكفي، كما يبدو، ربع قرن من العبث السياسي تحت سقف أوسلو، للخروج بالخلاصات المقنعة أن هذا الطريق مسدود ولا يصل إلى الدولة المستقلة، وأن أفضل ما يمكن أن يقود إليه، هو حكم إداري ذاتي، على الناس، وليس على الأرض، تبقى فيه السيادة بيد سلطة الإحتلال، دوماً بذرائع أمنية واهية. ولأن التاريخ لا يعرف الموت، فإن مفاعيل هذه السياسة من شأنها أن تنتج لهذه المرحلة أدواتها وفئاتها الإجتماعية المستفيدة من الواقع القائم، تتراكم عندها المصالح، وترتبط هذه المصالح بدوام الحال على ما هو عليه، ويصبح أي تغيير بهذا الموقع وكأنه يعرض مصالحها للخطر، فتجد نفسها، في نهاية المطاف، معنية بتقديم الخدمات للإحتلال، كصون التعاون الأمني بما يخدم مصالحه هو دون غيره، والحرص على التبعية لإقتصاده، على حساب بناء إقتصاد وطني، فتنقلب القيم والمفاهيم، وتأخذ «الوطنية» شكلاً جديداً، بحيث يكون التقارب مع الإحتلال، والتفاهم مع الإحتلال، والحرص على عدم إزعاج الإحتلال، ضرباً من ضروب الوطنية.
مثل هذا العبث من شأنه أن لا يكتفي بتشويه المشروع الوطني الفلسطيني، بل وكذلك الذهاب بالمشروع نحو الكارثة الوطنية. وهي كارثة نقرأ علاماتها يومياً على ملامح وجه السلطة الفلسطينية التي تعيش مأزقها التاريخي، الذي إنزلقت إليه. تهرول وراء المصالح الفئوية، ووراء الإستفراد بالقرار، ووراء الإستئثار بالغنائم، على حساب الوحدة الوطنية البرنامجية والتنظيمية، ما يؤدي إلى تدمير المؤسسات المعنية بهذه الوحدة ، كالمجلس الوطني(المعطل دوماً) والمجلس المركزي (المعطلة قراراته على الدوام) واللجنة التنفيذية (المشلولة دوماً).
مأزق السلطة، أنها عاجزة عن السير إلى الأمام بمشروعها الهابط، لأنه يصطدم بالإرادة الشعبية، وهي عاجزة عن الرجوع إلى الخلف، إلى العودة لتبني البرنامج الوطني الإئتلافي، لأن هذا يعرض مصالحها الفئوية للخطر. وبذلك تبقى المعركة مفتوحة بين برنامجين، واضحي الملامح، البرنامج الوطني الإئتلافي التوحيدي، الذي أسس لمنظمة التحرير موقعها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ومشروع أوسلو الفئوي بعناصره الكارثية.
فبدلاً من أن يطلق النار على أوسلو ومشروعها الهابط، تراه يطلق النار على الدعوات لإخراج الحالة من مأزق أوسلو، معتبراً أن الزمن تجاوز البرنامج الوطني الموحد، بجزئيه المرحلي والناجز، الأمر الذي يتطلب طرح برنامج بديل، هو الدعوة للدولة الواحدة، على كامل التراب الوطني الفلسطيني. وهي دعوة في ظاهرها جذابة، فَمَنْ من الفلسطينيين لا يرغب في تحرير أرض فلسطين دفعة واحدة، وأن تقوم عليها الدولة الواحدة، وأن نتجاوز «المرحلة الإنتقالية» كما طرحها البرنامج المرحلي. الطريف في أن أصحاب هذه الدعوة يجادلون البرنامج الوطني بإعتباره «حل الدولتين» وتلك نقطة إنطلاق خاطئة وقاتلة. ويناقشون البرنامج الوطني بإعتبار أن أوسلو يشكل واحدة، من مراحله. وهذه هي قمة العبث والتشويه. [علماً أن هؤلاء يقدمون أنفسهم بإعتبارهم نخبة الشعب الفلسطيني، ونخبة مفكرة، والأقدر على التفكير الحر لأنهم متحررون من الإلتزامات الفصائلية ـــــ كما يقولون ـــــ ].
الأكثر غرابة وطرافة أن أصحاب مشروع (هل هو مشروع حقيقي أم مجرد خيال في اللحظة الراهنة) الدولة الواحدة يقرون ويعترفون أن الوصول إلى هذا «الحل» يتطلب إحداث تغييرات واسعة في الأوضاع العربية، وفي موازين القوى الفلسطينية، وفي بنية المجتمع الإسرائيلي الذي ينزاح نحو اليمين أكثر فأكثر، كما أن هذا يتطلب حملة دبلوماسية على الصعيد العالمي، لتوفير التأييد الدولي لهذا المشروع. أما دون ذلك فلا نعرف ماهي ملامح هذا المشروع ولا ماهي آلياته النضالية، لا على الصعيد الفلسطيني، ولا على الصعيد الإسرائيلي، ولا على الصعيد العربي والدولي، إلا إذا كان مطلوباً من الشعب الفلسطيني أن يعيش تحت سلطة الحكم الإداري الذاتي، وسلطة الإحتلال، إلى أن تتوفر الظروف المناسبة لقيام الدولة العربية الإشتراكية (كما دعا أحدهم) وفي سياقها تقوم الدولة الفلسطينية الواحدة على كامل تراب الوطن، دون المرور بمرحلية البرنامج الوطني كما قدم نفسه أساساً لوحدة شعبه ومؤسسته.
ثم يمتد العبث بالمشروع الوطني، في ألاعيب سياسية مفضوحة، تحاول أن تجعل من مشروع أوسلو طريقاً إلى الإستقلال والسيادة (المنقوصة).
ولا يكفي، كما يبدو، ربع قرن من العبث السياسي تحت سقف أوسلو، للخروج بالخلاصات المقنعة أن هذا الطريق مسدود ولا يصل إلى الدولة المستقلة، وأن أفضل ما يمكن أن يقود إليه، هو حكم إداري ذاتي، على الناس، وليس على الأرض، تبقى فيه السيادة بيد سلطة الإحتلال، دوماً بذرائع أمنية واهية. ولأن التاريخ لا يعرف الموت، فإن مفاعيل هذه السياسة من شأنها أن تنتج لهذه المرحلة أدواتها وفئاتها الإجتماعية المستفيدة من الواقع القائم، تتراكم عندها المصالح، وترتبط هذه المصالح بدوام الحال على ما هو عليه، ويصبح أي تغيير بهذا الموقع وكأنه يعرض مصالحها للخطر، فتجد نفسها، في نهاية المطاف، معنية بتقديم الخدمات للإحتلال، كصون التعاون الأمني بما يخدم مصالحه هو دون غيره، والحرص على التبعية لإقتصاده، على حساب بناء إقتصاد وطني، فتنقلب القيم والمفاهيم، وتأخذ «الوطنية» شكلاً جديداً، بحيث يكون التقارب مع الإحتلال، والتفاهم مع الإحتلال، والحرص على عدم إزعاج الإحتلال، ضرباً من ضروب الوطنية.
مثل هذا العبث من شأنه أن لا يكتفي بتشويه المشروع الوطني الفلسطيني، بل وكذلك الذهاب بالمشروع نحو الكارثة الوطنية. وهي كارثة نقرأ علاماتها يومياً على ملامح وجه السلطة الفلسطينية التي تعيش مأزقها التاريخي، الذي إنزلقت إليه. تهرول وراء المصالح الفئوية، ووراء الإستفراد بالقرار، ووراء الإستئثار بالغنائم، على حساب الوحدة الوطنية البرنامجية والتنظيمية، ما يؤدي إلى تدمير المؤسسات المعنية بهذه الوحدة ، كالمجلس الوطني(المعطل دوماً) والمجلس المركزي (المعطلة قراراته على الدوام) واللجنة التنفيذية (المشلولة دوماً).
مأزق السلطة، أنها عاجزة عن السير إلى الأمام بمشروعها الهابط، لأنه يصطدم بالإرادة الشعبية، وهي عاجزة عن الرجوع إلى الخلف، إلى العودة لتبني البرنامج الوطني الإئتلافي، لأن هذا يعرض مصالحها الفئوية للخطر. وبذلك تبقى المعركة مفتوحة بين برنامجين، واضحي الملامح، البرنامج الوطني الإئتلافي التوحيدي، الذي أسس لمنظمة التحرير موقعها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ومشروع أوسلو الفئوي بعناصره الكارثية.
* * *
ولا يقف العبث عند حدود التنازلات والتشويهات ذات المنحى اليميني، بل يأتي العبث أحياناً من موقع «المزايدة» على البرنامج الوطني الفلسطيني، لصالح برنامج يستند إلى سياسة حرق المراحل، وتجاهل الوقائع، وفرض النوايا والرغبات بديلاً لعناصر التحليل العلمي والموضوعي.فبدلاً من أن يطلق النار على أوسلو ومشروعها الهابط، تراه يطلق النار على الدعوات لإخراج الحالة من مأزق أوسلو، معتبراً أن الزمن تجاوز البرنامج الوطني الموحد، بجزئيه المرحلي والناجز، الأمر الذي يتطلب طرح برنامج بديل، هو الدعوة للدولة الواحدة، على كامل التراب الوطني الفلسطيني. وهي دعوة في ظاهرها جذابة، فَمَنْ من الفلسطينيين لا يرغب في تحرير أرض فلسطين دفعة واحدة، وأن تقوم عليها الدولة الواحدة، وأن نتجاوز «المرحلة الإنتقالية» كما طرحها البرنامج المرحلي. الطريف في أن أصحاب هذه الدعوة يجادلون البرنامج الوطني بإعتباره «حل الدولتين» وتلك نقطة إنطلاق خاطئة وقاتلة. ويناقشون البرنامج الوطني بإعتبار أن أوسلو يشكل واحدة، من مراحله. وهذه هي قمة العبث والتشويه. [علماً أن هؤلاء يقدمون أنفسهم بإعتبارهم نخبة الشعب الفلسطيني، ونخبة مفكرة، والأقدر على التفكير الحر لأنهم متحررون من الإلتزامات الفصائلية ـــــ كما يقولون ـــــ ].
الأكثر غرابة وطرافة أن أصحاب مشروع (هل هو مشروع حقيقي أم مجرد خيال في اللحظة الراهنة) الدولة الواحدة يقرون ويعترفون أن الوصول إلى هذا «الحل» يتطلب إحداث تغييرات واسعة في الأوضاع العربية، وفي موازين القوى الفلسطينية، وفي بنية المجتمع الإسرائيلي الذي ينزاح نحو اليمين أكثر فأكثر، كما أن هذا يتطلب حملة دبلوماسية على الصعيد العالمي، لتوفير التأييد الدولي لهذا المشروع. أما دون ذلك فلا نعرف ماهي ملامح هذا المشروع ولا ماهي آلياته النضالية، لا على الصعيد الفلسطيني، ولا على الصعيد الإسرائيلي، ولا على الصعيد العربي والدولي، إلا إذا كان مطلوباً من الشعب الفلسطيني أن يعيش تحت سلطة الحكم الإداري الذاتي، وسلطة الإحتلال، إلى أن تتوفر الظروف المناسبة لقيام الدولة العربية الإشتراكية (كما دعا أحدهم) وفي سياقها تقوم الدولة الفلسطينية الواحدة على كامل تراب الوطن، دون المرور بمرحلية البرنامج الوطني كما قدم نفسه أساساً لوحدة شعبه ومؤسسته.
* * *
العبث السياسي، إن أتى من هنا، أو أتى من هناك، فلا يكون الرد عليه نقاشاً نظرياً فحسب، بل يكون النقاش الحقيقي [إلى جانب أهمية نشر الوعي والمعرفة بحقائق المشروع الوطني] في الميدان، من خلال تقديم النموذج العملي، في كيفية أن يشق المشروع الوطني طريقه نحو التحقيق.