كتب غيدي فايس وجاكي خوري
في 15 نيسان 2002 اتصل رئيس الاركان شاؤول موفاز بوزير الدفاع بنيامين فؤاد بن اليعيزر. “المخابرات اكتشفته. نحن نعرف أين يختبىء”، أبلغه موفاز. “أطلب الا تصفوه بل أن تعتقلوه”، ناشده بن اليعيزر، الذي رأى في المطلوب رقم واحد الزعيم التالي للفلسطينيين بعد عصر عرفات. “اذا حاول المقاومة والصراع – سنطلق النار عليه”، أبلغ موفاز مسؤوله، “ولكني مستعد لان اراهن بانه سيستسلم بلا معركة، فليست لديه الشجاعة”. في الاشهر التي سبقت العثور عليه، تصرف مروان البرغوثي كالمطارد. “مرتان حاولنا تصفيته، قشطنا رجاله من اليمين ومن اليسار”، روى لـ “هآرتس″ آفي ديختر الذي كان في حينه رئيسا للمخابرات.
في 29 آذار شرع الجيش الاسرائيلي في حملة “السور الواقي” لاحتلال المدن الفلسطينية. ولاحقا نال الشهر الربيعي اسم “آذار الاسود”. 110 مواطن وجندي قتلوا في العمليات، ولا سيما في العمليات الانتحارية.
عندما احتل الجيش الاسرائيلي رام الله من جديد، اختفى مروان البرغوثي، عضو البرلمان الفلسطيني، أمين سر فتح ورئيس التنظيم، وكأن الارض ابتلعته. فقد تنقل بين شقق الاختباء. “قيل لنا عندها شيئا نادرا جدا”، روى لـ “هآرتس″ النقيب أ من وحدة المستعربين “دوفدفان”. “قالوا لنا ان الامساك به هو أمر من رئيس الوزراء ارئيل شارون”.
المعلومة التي وصلت الى المخابرات في نيسان، من خلال التنصت الخفي على واحد من مقربيه، اشارت الى ان البرغوثي “رئيس أركان الانتفاضة”، يختبىء في منزل سكني في حي الطيرة الفاخر في رام الله. “في الفترة التي سبقت الامساك به تلقينا معلومة عن أنه يهيج الميدان. رأينا انه يقف على رأس المظاهرات الجماهيرية والعنيفة”، يستعيد الذاكرة في حديث مع “هآرتس″ قائد لواء رام الله في ذاك الوقت، العميد احتياط، ايلان باز. “في بداية الاضطرابات كان التقدير في الجيش الاسرائيلي بان رد فعل عنيف وشديد سيهدىء الميدان. غير أن هذا حقق بالضبط الهدف المعاكس. حتى اليوم نفكر ونخطيء بذات الشكل بالضبط. في ربيع 2002، قبل بضعة أيام من معرفتنا مكان تواجده، تلقينا أمرا من فوق لمحاصرة قيادة جبريل الرجوب، رئيس جهاز الامن الوقائي.
والحجة الرسمية، التي كنا نعرف في الزمن الحقيقي بانها ليست السبب الحقيقي، كانت مشاركة رجال الرجوب في العمليات، الامر الذي كان واضحا لنا بانه غير صحيح. اما الحجة الثانية فكانت أن البرغوثي يختبىء هناك، وهذه ايضا تبينت غير صحيحة. جرت مطاردة له. وعندما وصلت المعلومات الاستخبارية عن تواجده في بيت في قلب حي في رام الله، حاصرت كتيبة مدرعات المكان وانتقلت عصا الحملة الي.
تحت قيادتي كانت وحدة “دوفدفان”. فهمنا أنه في البيت. احد الجنود رآه عبر النافذة، يختبىء قرب ما بدا لنا على الاقل كامرأة عجوز تستلقي في السرير. أخرجنا كل سكان البيت. رفعت الهاتف لقائد الفرقة – في حينه العميد اسحق غرشون – وقلت له ان كنت سأعيد النظر في كل الموضوع مرة اخرى. فالامساك بزعيم سياسي في الاسر هذا ليس موضوعا هينا في حملة كهذه، قد تنتهي بمقتله. اما الجواب الذي تلقيته فكان: “نواصل الى الامام. في مثل هه الحالات هناك ما يسمى استخدام اجراء وعاء الضغط. فأنت تدهور بالتدريج الحدث كي لا تعرض للخطر حياة الجنود، لدرجة اطلاق الصواريخ المضادة للدبابات على البيت او استخدام الجرافات. في هذه الحالة، انتهى الحدث عندما صعدنا مسلحين مع الكلاب الى باب البيت الذي اختبأ فيه. خرج هو وبدا خائفا. عندي استعجاب داخلي عن هذه العملية”.
من كان يمسك بيد البرغوثي ويقتاده الى خارج العمارة السكنية كان قائد الفرقة، اللواء احتياط غرشون. “صعدت به الى السيارة العسكرية. أخرجت قنينة الماء وقدمتها له. كان في حالة من التشوش. فزع جدا. قلت له: لا تقلق. لن نفعل لك ما كنت ستفعله لنا”، روى في حديث مع “هآرتس″. “برأيي اليوم ينبغي تحريره بلا شروط. كانسان يحرص على الشعب الفلسطيني، اذا كان ثمة حتى ولو أمل صغير في أن يصبح جهة رائدة في الطرف الآخر. وأنا أقول هذا رغم اني اعرف بان له دم على اليدين بصفته من كان زعيم التنظيم في الانتفاضة الثانية. فالسلام يصنع مع الاعداء الاقوياء، ممن لم تسحق كرامتهم”.
أداة للتحرر الوطني
بعد وقت قصير من القبض على البرغوثي واقتياده الى غرف التحقيق لدى المخابرات، تحدث ايهود باراك، الذي في عهد ولايته كرئيس للوزراء اندلعت الانتفاضة الثانية، مع رئيس الاركان موفاز: “أجننتم؟ ما هذه القصة مع البرغوثي؟” تساءل باراك مستنكرا. “اذا كان هذا في إطار صراعكم ضد الارهاب، فهذا عديم المعنى. أما اذا كان جزءا من خطة كبرى لجعله زعيما وطنيا مستقبليا للفلسطينيين، فهذه خطة عبقرية، إذ ان الامور الحقيقية التي تنقصه في سيرته الذاتية هي الانتماء المباشر للارهاب. وهو سيكافح للزعامة من داخل السجن، فيما انه لا يحتاج في واقع الامر لان يثبت شيئا. فالاسطورة ستنمو وحدها كل الوقت”.
ضباط الجيش الذين القوا القبض على البرغوثي مقتنعون بانه يجب تحريره. وهكذا ايضا وزير الدفاع الذي في عهده اعتقل، بن اليعيزر. “على مدى السنين بعثت له رسائل الى السجن باني اريد ان اجري معه مفاوضات، كشف لـ “هآرتس″ النقاب وكرر أقوال غرشون: “السلام يصنع مع أناس أقوياء”. رئيس الوزراء شارون، الذي اصدر الامر بتصفيته أو اعتقاله، وافق على تحريره بدوافع اخرى، في صفقة مع الامريكيين مقابل تحرير جوناثان بولارد. يوفال ديسكن، نائب رئيس المخابرات في زمن الانتفاضة، قال في أحاديث خاصة ان تحريره ممكن بالتأكيد، كخطوة في إطار المفاوضات مع الفلسطينيين (ديسكن لم يرد على توجه “هآرتس″ في هذا الموضوع). ومقابلهم، فان وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، الذي كان نائب رئيس الاركان في زمن القبض على البرغوثي، مقتنع بان مكان البرغوثي في السجن. في موقف مشابه يوجد رئيس المخابرات الاسبق ديختر، الذي وقف على رأس التنظيم الظلال الذي جاء بالمعلومة الذهبية عن تواجده: “عندما كنت رئيسا للمخابرات، كان هناك وزراء في حكومة شارون حاولوا ممارسة الضغط كي اعبر عن موقف في صالح تحريره. قلت لهم: “لا تكلفوا أنفسكم العناء. كبير جدا في السياسة الاسرائيلية وصفه على مسمعي بانه “مانديلا”. حاييم اورون رأى فيه مستقبل الامة الفلسطينية. وانا قلت لكل هؤلاء ان زعامته اكتسبها بدم اليهود”.
القيادة السياسية والعسكرية التي أدارت الانتفاضة الثانية كانت بالتالي منقسمة بالنسبة للمسألة المتفجرة حول تحرير البرغوثي، ولكن هذا الشرخ هو فقط المقدمة للدراما التي من شأنها ان تقع عندما يعتزل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (ابو مازن) منصبه. فحين يكون مريضا، تعبا وترافقه استطلاعات الرأي العام التي تعكس هبوطا كبيرا في التأييد له (65 في المئة من الجمهور يريدون رحيله) فان ابو مازن كفيل بان يعلن قريبا عن اعتزاله. “لا تأييد له”، يقول يوسي بيلين الذي عقد معه اتفاق “بيلين – ابو مازن”. “هو يعيش مثلما في انظمة اخرى نعرفها: من خلال المراسيم الرئاسية، قوات الامن الموالية له والمشكلة الكبيرة في حقوق الانسان. نظامه ضعيف وعليه فان ظروف اعتزاله لا ترتبط بالضرورة بحالته الصحية”.
في هذه الاثناء، اعلن البرغوثي بانه اذا اعتزل ابو مازن وجرت انتخابات للرئاسة فانه يعتزم التنافس على المنصب من سجن هداريم.
“في كل استطلاعات الرأي العام التي اجريت في السنوات الاخيرة كان يتصدر على متنافسيه بشكل واضح”، يقول لـ “هآرتس″ رئيس مركز البحوث الفلسطينية البروفيسور خليل الشقاقي. في الاستطلاع الاخير للمركز، الذي اجري هذا الشهر شارك 1.200 شخص، فاز البرغوثي بـ 40 في المئة من التأييد. اما ابو مازن فلم يفز الا بـ 20 في المئة واسماعيل هنية بـ 35 في المئة. وفي الاستطلاع الذي اجري في اذار الماضي وعرضت منافسة ثنائية بين البرغوثي وهنية، حصل البرغوثي على 57 في المئة مقابل 39 في المئة لهنية. بينما المنافسة بين هنية وعباس اعطت هنية تفوقا 52 في المئة مقابل 41 في المئة لابو مازن. وعلى حد قول الشقاقي، من المهم ان نتذكر بان اغلبية الجمهور الفلسطيني لا تؤمن على الاطلاق بانه ستكون انتخابات قريبة. ومع ذلك، على حد قوله، ففي سيناريو يكف فيه ابو مازن عن الاداء بشكل مفاجيء، ستكون مؤسسات فتح وم.ت.ف ملزمة باتخاذ اجراءات فورية لانتخاب بديل له. “ولا شك ان مروان البرغوثي هو في موقف بداية افضل بكثير من كل مرشح آخر”.
حتى لو استيقظ الى طابور الصباح في السجن حتى نهاية ايامه، يبدو أن البرغوثي يعرض اليوم بديلا فكريا كاملا لابو مازن، واساسه هو: مصالحة مع حماس، وقف فوري للتعاون الامني مع اسرائيل، ربط السلطة الفلسطينية باحتجاج شعبي جماهيري وعنيف ضد اسرائيل، وكذا مقاطعة البضائع الاسرائيلية. لقد اعتقد البرغوثي بان انتفاضة السكاكين هي خطأ فتاك. وفي حديث عبر وسيط زاره قبل بضعة ايام في السجن قال لـ “هآرتس″ ان الاحتجاج الشعبي يجب برأيه ان يشارك فيه مئات الاف الاشخاص من كل الفصائل، بما في ذلك حماس والجهاد الاسلامي. وعلى هذا ان يكون احتجاجا ثابتا ومنهاجيا، هدفه خلق ضغط دولي شديد على اسرائيل للعودة الى طاولة المفاوضات وانهاء الاحتلال. “في الشعب الفلسطيني يوجد استعداد للكفاح، وهو بحاجة لمن يقوده”، افاد البرغوثي بهذه الروح. “انا لا أزال مؤيد تماما لفكرة الدولتين. يمكن للسلطة الفلسطينية أن تسير من اليوم الى اتجاهين: أن تشكل أداة تحرير من الاحتلال او تشكل أداة تسويغ للاحتلال. دوري هو ان اعيد السلطة الى دورها كأداة للتحرر الوطني”.
رام الله 2016
“الفكرة هي لتجنيد مئات الاف الاشخاص الذين يسيرون نحو القدس″، يشرح لنا الوزير السابق قدورة فارس. وهو يعتبر الشريك القريب للبرغوثي، وممثله في الخارج. “هو ايضا يعرف السجون الاسرائيلية عن كثب: فقد مكث فيها 15 سنة، لعضويته في خلية مسلحة لفتح وتحرر بعد التوقيع على اتفاقات اوسلو. ومؤخرا كشف الصحافي آفي يسسخروف النقاب عن تفاهما توصل اليها فارس مع مسؤولين من فتح، مقربين من البرغوثي، وبين حماس – تفاهمات تتعلق باستئناف الكفاح الفلسطيني بروح مارتين لوثر كينغ والمهاتما غاندي. “طريق آخر هو ان يجلس عشرات الاف الاشخاص على طرق التفافية من الفجر وحتى الغروب”، يقول فارس. “ولنفترض ان مستوطنات سقط بين أيدي الجماهير؟ لا حاجة للمس به بل القول له: “اذهب من هنا. انا أتحدث عن ثورة شعبية مكثفة تشوش الحياة على المستوطنين. انا اريد أن العب الشطرنج مع رفاقي؟ إذن نجلس على الطريق. نريد أن نجري حفلة زواج؟ فلنجريها على الطريق الالتفافي”.
على مدى التاريخ فشلتم في ادارة كفاح غير عنيف، وأغرتكم الاحزمة الناسفة.
“حسنا. هذا يتطلب تأهيلا واعدادا لعدة اشهر. وسأكشف لكم بان كل الناس في قيادة حماس ممن تحدثت معهم عن ذلك، يتفقون مع فكرة الاحتجاج الشعبي المكثف وغير العنيف”.
على طاولة العمل في مكتب فارس معلقة صورة يظهر فيها البرغوثي بلباس السجن، يمسك بيد سجين شاب يدعى ثائر حامد، وكلاهما يبتسمان ابتسامة النصر. ها هما، رمز الانتفاضة الثانية، في 3 اذار 2002، في الساعة 6:00، اختبأ حامد على التلة المشرفة على حاجز في وادي الحرامية، وعلى مدى ساعة طويلة قتل ببندقية سبعة جنود وثلاثة مدنيين. وقد فر واصبح بطلا شعبيا في المناطق. وقد ربطت الاساطير بالشخصية الغامضة للقناص، الذي لم يلقَ القبض عليه الا بعد سنتين. ويقول فارس: “في نظري هو بطل، مثل كل السجناء الفلسطينيين. فقد قتل جنودا الحقوا المعاناة والاهانة بعشرات الاف الفلسطينيين. وقد نجح في الحاق الهزيمة بهم ببندقية واحدة قديمة”.
هل الانتفاضة الثانية، المسلحة، كانت خطأ في نظرك؟
“قاتلنا في تاريخنا بالدم أكثر بكثير مما بالعقل”.
ولد للزعامة
هي تجلس في الطابق السادس من مبنى تجاري في قلب رام الله. من نافذة مكتبها تظهر المقاطعة والمتحف لذكرى ياسر عرفات. وعلى الحائط صور ورسومات لزوجها السجين. ها أنتم أمام فيني مانديلا، الرواية الفلسطينية. منذ سجن زوجها تدير المحامية فدوى البرغوثي صندوقا تموله السلطة بهدف خلق ضغط دولي يؤدي الى تحريره في ظل تطوير اسطورة مشابهة جدا لتلك التي تطورت حول الزعيم في سنوات الابرتهايد في جنوب افريقيا. وقد بدأت الحملة لتحرير البرغوثي في 2013 في زنزانة مانديلا في روبين آيلند، السجن سيء الصيت والسمعة الذي حبس فيه زعماء المقاومة لنظام الابرتهايد. ووقف معها في داخل الزنزانة الصغيرة، أحمد كتيدرا الذي كان مقاتلا معروفا ضد النظام العنصري. ولاحقا تلقى عقابا بالحبس الطويل في ذات المكان.
على اعلان روبين آيلند الذي يدعو الى تحرير البرغوثي، وقع ثمانية حاصلين على جائزة نوبل للسلام، بينهم الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر وديزموند توتو من زعماء الكفاح الاسود في جنوب افريقيا. وهذه السنة بعث توتو برسالة دعا فيها لجنة جائزة نوبل الى منح البرغوثي الجائزة.
وتقف خلف هذه الخطوات الزوجة التي تسافر حول العالم لعقد لقاءات مع وزراء خارجية ومصممي الرأي العام للترويج الى فكرة تحريره.
ولد البرغوثي في 1959 في كوبر، وهي قرية صغيرة قرب رام الله، واعتقل لاول مرة وكان عمره 15 سنة، على مشاركته في مظاهرة ضد الاحتلال. في 1978، عندما كان ابن 19، حوكم وسجن لخمس سنوات في السجن الاسرائيلي بتهمة العضوية في خلية في فتح. وفي السجن أنهى دراسة الثانوية، وبعد الافراج عنه تزوج من فدوى القريبة من عائلته. وهي تقول انه لم يكن بجانبها حين ولدت ابناءها الاربعة.
بعد أن تحرر توجه لدراسة العلوم السياسية في بيرزيت وانتخب رئيسا للجنة الطلاب. ومع اندلاع الانتفاضة الاولى في 1987 أُبعد عن المناطق. ولم يعد الا في 1994 بعد اتفاقات اوسلو وعودة قيادة م.ت.ف الى قطاع غزة والضفة الغربية.
أحد الاصدقاء المقربين من البرغوثي في سنوات اوسلو الاولى كان حاييم رامون الذي يقول: “كنا نلتقي كل اسبوع، ولا سيما في ايام الجمعة في تل ابيب. وكان احد العناصر الاكثر اعتدالا في السلطة. قال لي في حينه اننا يمكننا ان ننهي التسوية بما في ذلك مسألة اللاجئين. وفي الاحاديث بيننا قال انه واضح انه لن يعود أي لاجيء الى نطاق اسرائيل باستثناء الذين يتواجدون في المخيمات في لبنان الذين هم الاكثر مسكنة من الجميع. كانت لديه كراهية مرضية تجاه المستوطنين. وفي الانتفاضة الثانية تبنى الارهاب. وعندما حبس تلقيت منه رسائل بروح لماذا لا يزورني رامون. لا شك أنه سيكون الرئيس الفلسطيني التالي. فهو اجماع. مقبول جدا من حماس. وعندما سيحصل هذا سيمارس ضغط دولي شديد على الحكومة لتحريره”.
في العام 2000 عشية انعقاد مؤتمر كامب ديفيد اعلن البرغوثي بان “ليس لعرفات الحق في التنازل عن حق العودة للاجئين”. قبل بضعة اشهر من اندلاع الانتفاضة الثانية خسر البرغوثي في الانتخابات لمنصب امين سر فتح في صالح حسين الشيخ. وتجاهل عرفات النتائج. وكان يعلون يعتقد في حينه بان هذه خطة دهاء من الرئيس، وان البرغوثي الذي كان يعتبر في حينه زعيما كاريزماتيا وكفاحيا اكثر من منافسه، يرشحه الرئيس لمنصب المايسترو لفرقة عزف الانتفاضة.
قبل ثلاثة ايام من حجيج شارون الحرم واندلاع الاضطرابات في المناطق، التقى رئيس المخابرات الاسبق كارمي غيلون، الذي كان مدير عام مركز بيرس للسلام بالبرغوثي في لوبي فندق حياة في القدس للتخطيط لمشاريع مشتركة للشبيبة الاسرائيلية والفلسطينية. ويقول غيلون: “لم يكن يبدو في حينه كمن يخطط في الليل للانتفاضة وفي النهار يعنى بمشاريع السلام. في نظري كان يبدو كمن هو محب للتسوية. واندلاع الانتفاضة فاجأته مثلما فاجأت عرفات. وعندها امتطى النمر. لقد فهم بان المسار السياسي باتجاه التسوية لن يجديه نفعا كي يصبح زعيما. لا شك أنه من الناحية الشعبية هو شخص محبوب ومرشح جدي لمنصب الرئيس. وكانت لنا مصلحة واضحة في تحريره. اما الان فلا يوجد سبب لذلك لانه لا يوجد أي زخم نحو التسوية.
وفي لاحق السياق في الانتفاضة وصلت معلومات الى المخابرات تقول ان البرغوثي من خلال رجال ثقته في التنظيم وفي كتائب شهداء الاقصى مول وزود الفلسطينيين بوسائل قتالية استخدموها في سلسلة من العمليات داخل المناطق موجهة ضد الجنود والمستوطنين.
في الاشهر الاخيرة التقى الوزير زئيف الكين بـ 15 اكاديمي كي يبحث معهم في مسألة “اليوم التالي لابو مازن”. معظمهم قالوا له ان الشخص الوحيد في فتح الذي يمكنه أن ينتصر على حماس في الانتخابات هو مروان البرغوثي. ولم يؤدِ عصف الادمغة الاكاديمي بالكين الى الانضمام الى حملة تحريره. وهو يقول لـ “هآرتس″ بنبرة متشائمة: “في اليوم التالي لابو مازن ستنهار السلطة ويجب الاستعداد لذلك. اقدر بان فتح لن تخاطر في انتخابات قد تخسرها لحماس، واذا ما أخذت بالرهان، فان حكومة نتنياهو لن تسمح لعرب شرقي القدس بالمشاركة بالانتخابات وهكذا فانها لن تجرى”. ويتوقع الكين فوضى وعنف في اليوم التالي. هناك من يقدرون، بمن فيهم وزير الدفاع السابق يعلون بان مكان ابو مازن سيحتله موظف يتم اختياره بلا انتخابات ديمقراطية عامة.
أما البرغوثي نفسه فقال مؤخرا لشخص زاره في السجن انه يعارض بشدة ان ينتخب خلف ابو مازن في انتخابات على نمط الدول العربية. وهو يقول ان “السبيل الوحيد هو انتخابات ديمقراطية تماما برقابة دولية. من يعتقد بان الرئيس الفلسطيني التالي سينتخب ليس من خلال صناديق الاقتراع – يعيش في الاوهام”.
هناك من يتوقعون بان تتوزع مناصب ابو مازن الثلاثة (رئيس م.ت.ف، رئيس فتح ورئيس السلطة) بين ثلاثة شخصيات، بحيث يكون رئيس م.ت.ف الاعلى بين الثلاثة وهو الذي يقود الخطوات السياسية؛ رئيس السلطة سيكون تكنوقراط مدير الشؤون الادارية، وعلى رأس فتح يقف شخص ثالث يكون من كبار رجالات المنظمة.
وماذا سيحصل اذا ما رغم ذلك كانت انتخابات والمتقدم في الاستطلاعات ينتخب لمنصب الزعيم التالي للفلسطينيين؟ “حتى اليوم لم يجرى في الكابنت السياسي – الامني بحثا يتعلق بهذه المسألة”، قال لـ “هآرتس″ واحد من وزراء الحكومة.
“الخيار التالي بالتأكيد ممكن”، يقترح بيلين: “البرغوثي ينتخب رئيسا للسلطة في الانتخابات، وتقيم الطغمة في السلطة الفلسطينية مجلسا يؤدي الولاء للبرغوثي ويدير الشؤون بدونه ويطالب بتحريره، مع الأمل الا يحصل هذا ابدا”.
رئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، الذي يعارض اليوم تحرير البرغوثي، ادار في السنوات الاخيرة عدة محادثات مع محافل سياسية طرحت فيها مسألة البرغوثي. وفي تلك المحادثات قال ريفلين انه في حالة انتخاب البرغوثي رئيسا للسلطة سيتعين على قادة الدولة ان يعيدوا التفكير بالمسار وان يتخذوا الخطوة الاصح من ناحية المصلحة الاسرائيلية. برأي ريفلين اذا ما مارست الاسرة الدولية ضغطا لتحريره ورأت فيه نوعا فلسطينيا من مانديلا، فان الاصرار الاسرائيلي على ابقائه في سجن هداريم سيكون على اقل تقدير خطوة غير لامعة.
من كفيل بان يحل محل ابو مازن ايضا؟
بورصة الاسماء داخل فتح تطرح كخلفاء محتملين لابو مازن اسماء مثل جبريل الرجوب، رجل الجيل الوسط، الذي يلقى العطف في بعض الدوائر، ولا سيما بسبب القوة التي راكمها بصفته رئيسا لاتحاد كرة القدم الفلسطينية وفي الماضي كرئيس للامن الوقائي؛ د. محمد اشتيه، هو ايضا من الجيل الوسط، عضو اللجنة المركزية في فتح والذي يعتبر اكثر كرجل اداري منه كزعيم شعبي؛ محمود العالول، رجل الجيل القديم المرتبط بالميدان والذي يعتبر كرجل انتقالي يمكنه أن يشكل حلا مؤقتا في القيادة، رغم أنه حسب مصادر فلسطينية تبدو مكانته مؤخرا تخبو – وذلك ايضا بسبب وضعه الصحي ولان ابناء عائلته، زوجته وابناءه، يعيشون في اوروبا.
في هذه الاثناء أعلن صائب عريقات عن أنه سيؤيد البرغوثي. فدوى البرغوثي، زوجة السجين، تدعي بان محمد دحلان اعلن هو الاخر بانه سيؤيده. في اسرائيل هناك من كانوا يرغبون في أن يصبح دحلان هو الخليفة. احد الاشخاص الذين اجروا حوارا معه في الماضي ويذكر كمؤيد له هو وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان. دحلان يعتبر مقرب لرجل المال النمساوي مارتين شلاف، الصديق القريب من ليبرمان.
توتر شديد يسود بين ابو مازن ودحلان، رجل فتح الذي طرد من الحركة ولكنه لا يزال يحتفظ بمراكز قوة، ولا سيما في غزة وفي مخيمات اللاجئين، ويحظى بتيار من المال من بضع دول في الخليج ولا سيما من اتحاد الامارات. ويتحدى دحلان ابو مازن الذي يرد بالاعتقالات، بالتحقيقات، وبالابعادات لكل من يشتبه به كمقرب لدحلان. وعلى الرغم من ذلك، في الضفة الغربية وداخل فتح مقتنعون بان دحلان لا يمكنه أن يكون بديلا لابو مازن اذا ما انصرف الاخير على نحو مفاجيء. فالرجل يعتبر في نظر الكثيرين كمن هو مصاب بالفساد وتتحكم به محافل أجنبية تموله.
ملحق هآرتس 4/7/2016

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف