- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2016-08-01
من غزه الى لبنان وصولا الى بنغلادش واندونيسيا وحتى فرنسا والمانيا وبلجيكا، مرورا بالعراق، اليمن، ليبيا، سوريا، مصر، الاردن، تركيا، السعودية الى الى ... قتل واقتتال، صراع دول وقبائل، قتال طوائف ومذاهب، صراعات شتى تلف دولنا وشعوبنا ومجتمعاتنا .. ودماء تغرق بها المجتمعات العربية والاسلامية على خلفية كفر وتكفير ونبذ واستئثار.. لماذا كل هذا ، من هو المستهدف ومن هو الفاعل؟
من هو او من هم اسياد هذا الصراع وابطاله، من يديره ويغذيه؟ ما هي اهدافه ومراميه، من هو الطرف القادر على ان يحرق العالم من مشرقه الى مغربه ومن شماله الى جنوبه دون ان نعثر ولو على ابرة او خيط عله يوصلنا الى اكتشاف هذا "اللغز" الكبير، الذي سيبقى يحير الكتاب الباحثين والسياسيين وحتى صانعي "ويكيلكس" و "بنما".
لسنا بحاجة لكثير عناء كي نعرف من هو هذا الاخطبوط. وفي العودة الى التاريخ قليل من الافادة ، وقد نجد بعض من اجابات على اسئلة اليوم والمستقبل.. فالصراع يتمحور في منطقة جغرافية وسياسية هي منطقة الشرق الاوسط.. وحتى ان طالت شرارة الصراع بعض دول اوروبا او افريقيا، الا ان هذا لا يغير من حقيقة ان في منطقة الشرق الاوسط يتركز اطول صراع عرفه التاريخ الحديث وهو الصراع العربي والفلسطيني - الاسرائيلي الذي يضم بين دفتيه ابعاد تاريخية دينية وسياسية واخلاقية وقانونية وانسانية، اضافة الى ان هذه المنطقة التي تمتد من المغرب العربي حتى افغانستان هي منطقة غنية بالثروات الطبيعية ما جعلها دائما مطمعا لقوى الغزو والعدوان..
كثيرة هي النظريات التي ابتدعها عتاة الهيمنة والعنصرية المقيتة في الولايات المتحدة واوروبا وبعض دول آسيا ، والتي تدعو بل وتعمل من اجل التدمير الذاتي. من هذه النظريات برز خلال الفترة الماضية وتحديدا خلال العدوان على لبنان في تموز ٢٠٠٦ مصطلح "الفوضى الخلاقة" من قبل مفكري ومنظري الفكر الامبريالي. ويعتقد اصحاب هذه النظرية أن وصول المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى متمثلة بالقتل والعنف والدم، من شانه خلق إمكانية إعادة بنائه بشكل اكثر ديمقراطية. وان الوضع الحالي في منطقة الشرق الاوسط غير مستقر، والفوضى التي ستفرزها عملية التحول الديمقراطي في البداية هي من نوع (الفوضى الخلاقة) التي ربما تنتج في النهاية استقرارا حقيقيا.. اي بما معناه: الهدم، ومن ثم البناء، وتدمير كل ما هو قائم، ومن ثم إعادة البناء من جديد.
يعود استخدام مصطلح "الفوضى الخلاقة" الى اكثر من مئة عام وتحديدا الى العام 1902 عندما استخدم لأول مرة على يد المؤرخ الامريكي "تاير ماهان". ثم عاد مستشار مجلس الامن القومي الامريكي الاسبق "مايل ليدين" فاحيا هذا المصطلح، خاصة بعد هجمات ١١ ايلول في الولايات المتحدة، إذ تحدث صراحة عن مشروع متكامل للتغيير في الشرق الاوسط اطلق عليه اسم "التدمير البناء"، وهو مشروع يدعو الى اجراء اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة في كل دول المنطقة.
هذه النظرية وجدت صداها الايجابي لدى مجموعة من السياسيين والمفكرين والنافذين داخل الادارة الامريكية، وفي مواقف حساسة من امثال اليميني المتطرف مساعد وزير الدفاع الاسبق ريتشارد بيرل، ووكيل وزارة الدفاع الاسبق بول وولفوفيتز، حيث زادت هيمنتهم على السياسة الخارجية الأمريكية في عهد رونالد ريجان، الذي آمن بفكرة التصعيد. واخذت هذه النظرية مكانها مع مجيء جورج بوش وبدء العمل بها مع الحرب على افغانستان ٢٠٠١ ثم غزو العراق بدءا من العام ٢٠٠٣.
ويكفي العودة هنا الى تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس لصحيفة "واشنطن بوست" عام 2005 التي قالت ان الولايات المتحدة سوف تتبنى فكرة نشر الفوضى الخلاّقة في الشرق الأوسط، في سبيل إشاعة الديمقراطية. وفي عام ٢٠٠٦ عندما كانت المباني تنهار فوق رؤوس الاطفال والنساء من المدنيين اللبنانيين على يد الطائرات الاسرائيلية، كانت رايس تعلن من داخل السفارة الامريكية في بيروت "ان مخاض الشرق الاوسط يولد اليوم".
انا لا اتحدث هنا بنظرية المؤامرة، لكن حتى ولو كان هذا المشروع من صنيعة قوى خارجية غربية واسرائيلية، لكن تنفيذه للأسف يتم بايادي عربية واسلامية، ولنا في حالة الاحتراب والمحاور المنتشرة على مساحة العالمين العربي والاسلامي خير دليل.. وما يحدث يحتاج الى ثورة مضادة يقودها الوطنيون الحقيقيون على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية.. ثورة من اصحاب هذه الارض الغيارى على مستقبلها وهويتها وتاريخها المهدد..
اين الصراع العربي والفلسطيني الاسرائيلي مما يحصل، وهل هناك مكان لنضال فلسطيني وعربي وسط هذا الخراب والدمار الذي يلف عالمنا ؟ الاجابة على هذا التساؤل تكمن في اداراكنا بأن فلسطين، قضية وشعبا، تبقى كلمة السر في كل مشروع تدميري، وتبقى هي المستهدفة من وراء ضرب مجتمعاتنا بهويتها ومستقبلها ..
والسؤال الاهم ، وسط هذه الحروب والصراعات الدموية هل لا زالت القضية الفلسطينية قضية العرب الاولى ؟ وهل ان فلسطين ما زالت محور الوجدان الاسلامي، اقله على المستوى الرسمي.. بعد ان اصبحت اسرائيل، بنظر البعض، دولة عادية يمكن تقبلها كسائر دول المنطقة، اليس هذا ما بشرت به مبادرة السلام العربية ؟ والمصادفة ان من بشر وروج لهذه المبادرة وعمل على اقناع الرافضين والمتحفظين عليها هو نفسه الذي يدعو الى التطبيع مع اسرائيل بغض النظر عن العناوين التي تحملها زيارات التطبيع المختلفة، السرية منها والعلنية..
هنا بامكاننا ان نفهم الخلفيات لما تحاول القوى الرجعية فرضه واشاعته من خلال الترويج لمواقف تشيع مناخات سياسية تدعو الى الأخذ في الاعتبار أن الدول، التي اجتاحتها هذه الثورات، وتلك المستقرة ايضا، باتت اكثر انشغالا بأوضاعها الداخلية ومعالجة التدهور الذي أصاب اقتصادها والخسائر التي تكبدتها، فضلا عن التصدع الذي طرأ على هياكلها، لتبرر حاجتها الى الاستقرار الامني والاقتصادي والسياسي الداخلي، ما يدفعها الى الانكفاء والى ضعف في الاهتمام بالقضايا القومية وفي المقدمة منها القضية الفسطينية.. خاصة ان بعض النخب السياسية والفكرية وتحديدا تلك المعروفة بدعمها للانفتاح على اسرائيل باتت تتحدث صراحة عن العبء الذي باتت تشكله القضية الفلسطينية والمقاومة على هذه النخب التي تتحين الفرصة للانقضاض على المقاومة وثقافتها وبيئتها وكل ما يمت بصلة لثقافة الصراع مع اسرائيل ومشروعها في المنطقة.
أن استمرار الوضع الراهن في ظل غياب افق سياسي للتسوية أو لعملية تفاوضية جاده، باهظ الثمن بالنسبة للفلسطينيين، خاصة في ظل اصرار حكومة اسرائيل على مواصلة السيطرة على الارض ومصادرتها لصالح النشاطات الاستيطانية واصرارها في الوقت نفسه على استمرار هذا التقاسم الوظيفي للصلاحيات مع السلطة الفلسطينية، الذي يحولها الى وكيل ثانوي وحسب المصالح السياسية والاقتصادية والامنية لدولة اسرائيل. فحكومة اليمين المتطرف في اسرائيل بزعامة نتنياهو – ليبرمان تفضل استمرار الوضع الراهن وتسعى لاطالة أمده بهدف خلق مزيد من الوقائع على الارض لا تبقي أمام الفلسطينيين غير خيار القبول بالسلام الاقتصادي وبدولة ذات حدود مؤقتة (دائمة) تحت انتداب اسرائيلي طويل الامد، مثلما تفضل استمرار الوضع في قطاع غزه على حاله. وفي اطار هذا الموقف تناور اسرائيل بخيارات متعددة، وتعفي نفسها من مسؤولياتها الدولية كقوة احتلال ويخرج المجتمع الدولي من حرج الموقف العاجز عن التأثير في المواقف المتعنتة لاسرائيل التي هي من تقرر مصير المستوطنات وقضايا اخرى تتصل بالامن والموارد والمعابر للتخلص من المفاوضات حول حل الدولتين وكذلك حول قضايا الوضع النهائي، للوصول الى النتيجه نفسها، اي السلام الاقتصادي والتقاسم الوظيفي اسرائيل ودولة الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية.