كل من وصل إلى المحكمة كمدع أو كمدعى عليه تعرف على نحو شبه مؤكداً اجراء التوفيق. يحصل الامر عندما يقترح القاضي على الطرفين محاولة تسوية النزاع خارج المحكمة. وخلافا للاجراء القضائي، الذي يحسم فيه القاضي حسب الادلة التي تطرح أمامه، فان الموفق يجتهد في ان يجلب الطرفين الى التوافق. يصل الطرفان الى المحكمة وهما متحاملان أحدهما على الاخر، ولا يكونان منفتحين على رؤية زاوية نظر الطرف الاخر. يعمل الموفق على أن يدرس الطرفان مصالحهما المهمة، ولكن أيضا مصالح الطرف الاخر. وبهذه الطريقة يعمل على جسر الفجوة القائمة بين الطرفين وجلبهما الى التوافق على الحل الامثل الذي يمكن ان يكون مقبولاً من كليهما. يمكن القول إنه بينما يخرج في الاجراء القضائي دوما طرف واحد بشعور أنه خسر دون حق، واحيانا يشعر الطرفان بذلك ايضا – ففي اجراء التوفيق الناجح يخرج الطرفان بشعور أنهما حققا الحل المثالي من ناحيتهما. وفضلا عن ذلك، فان الحسم القضائي لا يضع حدا للخلاف بين الطرفين، الامر الذي لا يوجد في اجراء التوفيق، وذلك لحقيقة أنه ينتهي بالتوافق المتبادل. يمكن القول ان المحاكم تحسم في النزاعات ولكنها لا تحلها. وبينما درجنا على أن نصنف اجراء التوفيق ضمن النزاعات بين الافراد فان هذا أداة مهمة لحل النزاعات بين الجماعات. هكذا هي النزاعات بين منظمات العمال ومنظمات ارباب العمل، والنزاعات داخل التجمعات السكانية المختلفة او بينها نفسها. في هذه الحالة يكون اجراء التوفيق أهم، لأنه يعنى بعلاقات مستمرة. فمن اجل السماح للطرفين بمواصلة علاقات الجيرة، من المهم العمل على حل النزاعات، وبالذات بالتوافق. وبطبيعة الحال، فان هذه الاجراءات تستدعي الحوار، رؤية الصورة العامة لكل الاطراف، والوصول الى حل يجسد المصالح المهمة لكل الاطراف. مثال جيد على ذلك يمكن أن نجده في مقال اليكس غرزيبوبسكي من كندا ومن معهد تسوية النزاعات في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، من الخبراء الرواد في عالم التوفيق وتسوية النزاعات. ويصف المقال نجاحه في العمل على انهاء نزاعات طويلة بين السكان الاصليين وبين الحكومة الكندية، بشأن استخدام الاراضي المخصصة للاصليين والاعتراف بحقوقهم وملكياتهم. فقد كانت هذه نزاعات شديدة، عن طريق التوفيق والتوافق المتبادل فقط كان يمكن التغلب عليها. ويستند المقال إلى محاضرة القاها غرزيبوبسكي عشية افتتاح المؤتمر الدولي الذي انعقد في المركز الاكاديمي بيرس في رحوفوت، في موضوع الاماكن المقدسة. فهل لهذا المقال صلة بدولة اسرائيل. بلا شك. فمثل هذا الاجراء قد يجدي في حال التوترات داخل المجتمع الاسرئيلي، بل والوصول ايضا الى حل بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. وخلافا للرأي الذي تطرحه دوائر مختلفة، أعتقد أن الحل المفروض لن يؤدي الى انهاء النزاع. وبالمقابل، كلما كان الطرفان غير قادرين على تسوية النزاع بنفسيهما فان اجراء التوفيق قد يساعد في تقليص الفجوات. وعندنا مثال ناجح: في اعقاب زيارة انور السادات للقدس بدأت محادثات سلام بين اسرائيل ومصر. ولم تنجح المحادثات، ولكن ما أن استدعي الطرفان الى محادثات في كامب ديفيد، بوساطة الرئيس الاميركي، حتى انتهت باتفاق سلام.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف