بعد سنة ونصف من تصريحه العنصري العلني، ضد المواطنين العرب في مناطق الـ 1948، من حملة الجنسية الإسرائيلية، أثناء انتخابات الكنيست عام 2015، قال "نتنياهو"، رئيس الوزراء، بأن "العرب يذهبون بجماهيرهم بالشاحنات إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، لإسقاط حكومة اليمين الوطنية"، ففي خطاب مسجل ومفاجئ، بتاريخ 25-7-2016، عبر "نتنياهو" عن اعتذاره، من خلال الفيديو، وباللغة الإنجليزية- مدة الخطاب ثلاث دقائق و21 ثانية- وقال مخاطباً المواطنين العرب في مناطق الـ 1948:"لقد حققتم إنجازات عظيمة، لكم قضاة في المحكمة العليا، ونواب في الكنيست"، متجاهلاً أنه كان من أكثر الداعمين المتحمسين لتشريع قانون الإقصاء، الذي يهدف إلى طرد النواب العرب من الكنيست، وإلى تحطيم التمثيل السياسي للمواطنين العرب في الداخل، وتحريضه الشخصي عليهم وعلى نائبة الكنيست "حنين الزعبي"، بأن لا مكان لها في الكنيست، وجاء في شريط الفيديو الموجه إلى الخارج" منكم أدباء مشهورين"، متجاهلاً التحريض على الشاعر "محمود درويش" من قبله ومن قبل وزرائه، ومقارنته لقصيدة "درويش" "سجل أنا عربي"، بالكتاب النازي، "كفاحي" لـ "أدولف هتلر"، فـ"نتنياهو" يحاول إصلاح ما تفوه به لعوامل خارجية، مع أنه في حقيقته عنصري يكره العرب، حيث شرّع عشرات القوانين العنصرية خلال رئاسته لثلاث حكومات متعاقبة، لكن إذا عرف سبب هذا التحول الشكلي لـ "نتنياهو" يبطل العجب.
جريدة "يديعوت احرونوت 30-7-2016"، كشفت حقيقة اعتذار "نتنياهو" لعرب الـ 1948، بأنه تلقى رسالة شديدة اللهجة، حول تصريحاته العنصرية الموجهة لعرب الداخل، حين قال لناخبيه بأن "حكم اليمين في خطر، عليكم الذهاب بجماهيركم للاقتراع"، حيث أن جمعيات اليسار تقوم بنقل الناخبين العرب لصناديق الاقتراع، وما كشفت عنه الجريدة، هو أن ضغوطاً أميركية وأوروبية مورست عليه، كانت وراء الاعتذار، حيث أثارت تصريحاته استهجاناً داخل الإدارة الأميركية، فكيف يسعى "نتنياهو" للمصالحة مع العالم العربي، دون أن يتصالح ويبيض صفحة علاقاته مع مواطني الداخل من العرب الذين يشكلون ما يزيد عن 20% من مجموع السكان، فإذا وقع التحريض على عرب الداخل من قبله بأنهم يهرولون إلى صناديق الاقتراع بكميات كبيرة، فلم يبق أمامه سوى تشريع قانون يحرمهم من المشاركة في الانتخابات، ومن حقوقهم المدنية.
إن الدليل القاطع بأن خطاب الاعتذار موجه للإدارة الأميركية، والمجموعة الأوروبية، أنه ألقاه باللغة الإنجليزية، واكتفى "نتنياهو" بتوجيه التحية باللغة العربية لعرب الداخل، أما مطالبته للمواطنين العرب المشاركة في مجتمعه الإسرائيلي بكثافة، والعمل بكثافة، والدراسة بكثافة، والازدهار بكثافة، فهي تتنافى مع سياسة التمييز والتحريض ضدهم، فالحكومة الإسرائيلية أقرت في مطلع هذا العام خطة لتطوير الوسط العربي في الداخل، ورصدت موازنة لهذا الغرض قيمتها عشرة مليارات شيكل، أي حوالي "2.37" مليار يورو، لكن "نتنياهو" ربط التنفيذ بالقضاء على الجريمة والعنف وجمع السلاح المتواجد بشكل غير قانوني لدى بعض المواطنين، مع أن هذه مهمة الحكومة وشرطتها، بل أنها مطلب من المواطنين العرب، لكن الحكومة الإسرائيلية تغض الطرف عنها، بل أنها تعززها، لإشغال عرب الداخل في الاقتتال فيما بينهم، والانشغال في مشاكلهم الداخلية بدلاً من مقارعة الاحتلال ضد مصادرة أراضيهم، ولانتزاع حقوقهم القانونية المشروعة، فربط "نتنياهو" تنفيذ التطوير وصرف الموازنة المقررة، دليل على نوايا الحكومة غير الجادة تجاه المواطنين العرب، ومساواتهم بالحقوق مع جميع المواطنين في إسرائيل.
إن أكثر من مئة ألف مواطن عربي في النقب يعيشون دون ماء وكهرباء، يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية إن لم يكن أكثر، في دولة عنصرية تعمل على مصادرة عشرات آلاف الدونمات من أراضيهم، وتهدم قراهم لتقيم مكانها مستوطنات يهودية، فإن شبكة العلاقات بين عرب الداخل والحكومة، من علاقات التمييز بين الأكثرية والأقلية، فإن حقيقة الأساس السلبي في هذه العلاقات، سيطرة إسرائيل على أراضي الفلسطينيين، وعلى السكان الفلسطينيين، وعلى السكان منذ عام 1948، وهدم أكثر من (500) قرية فلسطينية، وطرد سكانها منها، وإحلال مكانهم مهاجرين يهود، كل ذلك يغذي مشاعر العداء الشديد، فطالما استمر الاحتلال، من الصعب إزالة الاحتقان والعداء، إلا بإزالته وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فالفجوات كبيرة جداً، والفوارق في الموازنات، والبنى التحتية، بين اليهود والعرب لا نهاية لها، فإسرائيل التي تعمل بإصرار على عدم تطوير البلدات والقرى العربية، وتلجأ إلى هدم منازلهم، تحت ذريعة البناء دون ترخيص، فإن البلديات والمجالس القروية العربية، تقدموا منذ عشرات السنوات بخرائط هيكلية، كي يتمكنوا من البناء على أراضيهم والحصول على التراخيص، لكن السلطات الإسرائيلية تماطل عن عمد لعدم المصادقة على الخرائط الهيكلية، لتضييق وخنق حياة المواطنين العرب، لحملهم على الرحيل، فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتحمل مسؤولية الفجوة الكبيرة مقارنة مع البلدات اليهودية، وتغذي سياستها العنصرية، وعلى سبيل المثال، فقد نشرت جريدة "هآرتس 31-7-2016"، مقابلة مع رئيس المجلس الإقليمي اليهودي للجليل الأدنى، "موتي دوتان" قال صراحة أنه لا يريد العرب عنده في أحواض السباحة كي لا يلوثوا مياهها، فهذه هي العنصرية الملوثة بذاتها، وما المناداة بالموت للعرب-خاصة في ملاعب كرة القدم- سوى نتيجة لسياسات الحكومات العنصرية.
إن المواطنين العرب، لم يهتموا، ولم يكترثوا، باعتذار "نتنياهو"، فهم يعرفون أنه مخادع وكاذب، وأن الاعتذار موجه للعالم الغربي وتبييض صفحته أمامه، فاعتذاره باللغة الإنجليزية إنما ليصل إلى صانعي القرار في الولايات المتحدة لا أكثر ولا أقل، وقد رأى عرب الداخل في الاعتذار نوعا من السخرية، حتى أن "نتنياهو" في جلسة الحكومة قبل الأخيرة، أعلن أن حكومته ستعمل على تعزيز القانون في مجال التخطيط والبناء، أي المزيد من قرارات هدم المنازل، فعرب الداخل يقولون أنهم أبناء هذا الوطن قبل احتلاله من قبل إسرائيل، يريدون العيش في نظام ديمقراطي حقيقي، ومتساوين بالحقوق المدنية والقومية، فقال النائب "أحمد الطيبي" أن اعتذار "نتنياهو" هو مجرد كلام، فالعرب يسمعونه ويضحكون، ونشرت جريدة "يديعوت احرونوت" تصريحاً لرئيس القائمة العربية المشتركة النائب "أيمن عودة"، بأن "نتنياهو" وضع المزيد من الشروط لتطوير المحيط العربي، محاولاً بكل قواه منع خطة التطوير الاقتصادية، محاولاً فرض المزيد من الاشتراطات كي تصبح الخطة غير قابلة للتنفيذ، وجاء في بيان أصدرته القائمة:"عنصرية "نتنياهو" لم تبدأ ولم تنته بالاعتذار، فهو مستمر بالتشريعات العنصرية والإقصائية وفقاً لبرنامجه السياسي، وقال القيادي "محمد بركة": لا تعتذر فأنت عنصري وكاذب ولاسامي، فردود الفعل تكشف أن مسرحية "نتنياهو" لا تنطلي على عرب الداخل، وأن سياسته العنصرية ليست جديدة، بل هي أيديولوجية اليمين الإسرائيلي الذي يريد الأرض بدون فلسطينيين.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف