«دولتان، وطن واحد»، هذه مبادرة سياسية مدنية جديدة، تؤيد استبدال الصيغة المقبولة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: بدلا من دولتين لشعبين، بدولتين بسيادة ضعيفة، حيث يتم اعطاء قسم من صلاحياتهما للاطار الكونفيدرالي الى شيء فوق الدولة وذي صلاحيات في مجالات المواطنة. في الحل المقترح تكون الحدود مفتوحة ويستطيع الفلسطينيون السكن والعمل في اسرائيل والعكس، وتستطيع المستوطنات وسكانها البقاء في مكانهم. إن مبادرة «دولتان، وطن واحد» ليست مهمة بحد ذاتها. الفكرة مليئة بالثغرات وغير معقولة من الناحية الامنية وضعيفة من الناحية الاقتصادية. وهي ايضا مناقضة للعقل المباشر والغريزة الوجودية لاغلبية الجمهور في الجانبين ولا يمكن أن يقبل الرأي العام بقائد اسرائيلي أو فلسطيني، ولذلك لا يمكن أن تكون جزءا من النقاش السياسي. مع ذلك، فان السبب الذي يدعو للحديث عن المبادرة، التي شارك فيها بعض الاشخاص الجيدين، هو المزاج الذي سئم، رفع الايدي والتنصل من المسؤولية. هل تذكرون الجهود المتواصلة لمعسكر السلام من اجل انهاء الاحتلال، واقامة الدولة الفلسطينية ووضع الحدود، اخلاء المستوطنات واقناع الشعب بضرورة هذه الخطوات؟ البشرى هي أنه يمكن تجاهل كل ذلك. يتبين اننا كنا محجمين طوال هذه السنوات، مثل الحاجة الى الدولة القومية وتقسيم البلاد في الحدود المتفق عليها وضمان الاستقرار الديمغرافي، الامني والسياسي. الدليل القاطع على فشل المواقف القديمة هو أنه لم يتم التوصل الى اتفاق سلام. هل يوجد دليل افضل من ذلك؟. لذلك حان الوقت للخروج من اطار التفكير. من الصعب اخلاء مستوطنين، حيث أنهم اصبحوا مرتبطين عاطفيا بالتلال؟ لنتركهم اذا هناك، وليس مهما اذا عرضنا حياة اليهود للخطر وأحطنا الدولة الفلسطينية بالمستوطنات. ليس من الجميل الطلب من اللاجئين التنازل عن حق العودة وعدم الاستجابة للحنين للقرى التي دُمرت. لنعطيهم اذا المجال للسكن والعيش في اسرائيل، وليس مهما اذا كانت النتيجة واقعا بوسنيا مع خلط بين السكان المتخاصمين. مثل العادة، في اليسار الراديكالي، الجوهر هو الشعور بالاكتمال النفسي والاخلاقي وليس الواقع الخارجي. الامر المهم هو أن الحل السياسي سيعتمد على الاطار النفسي الجماعي للخطأ الاول، وليس ما سيحدث على الارض. إن ما تعكسه الاقوال حول المسارات التي تتجاوز حل الدولتين هو اليأس من قدرة اليسار على النضال من اجل مواقفه، واليأس من المعركة التي تبدو وكأنها استنفدت ذاتها. ولكن المشكلة في الصراع من اجل السلام لم تكن وهي غير مرتبطة بالهدف والحلم، بل بضعف المعسكر الذي يقوده. اسحق رابين وايهود باراك لم يناضلا من اجل السلام، ولم ينجحا ببساطة في تحقيقه بالشروط السياسية غير الممكنة (التي شملت عدم نضوجهم هم أنفسهم). كم من الجيد أن متصدري الصراع من اجل انهاء الابرتهايد في جنوب افريقيا أو تحقيق الاتفاق في شمال ايرلندا أو اسقاط جدار برلين، لم يفكروا بـ»الخروج من الاطار النظري» وأن يكونوا ابداعيين، وتمسكوا بالمواظبة السيزيفية في طريقهم. هكذا يجب أن يكون ايضا الصراع على السلام هنا. في النهاية سينجح فقط اذا واصلنا دحرجة الصخرة الى قمة الجبل. احيانا يبدو أن الخيار هو الخروج من الاطار النظري. كل واحد يمكنه فعل ذلك والحكمة هي البقاء في داخله بشكل جريء.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف