- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2016-08-15
- ما بين شطب مبدأ «الأرض مقابل السلام» و«تقليم» المبادرة العربية ومن ثم تهميشها تكمن السياسة المشتركة لكل من تل أبيب وواشنطن تجاه التسوية
- الحديث عن مبادرة مصرية يهدف إلى تجاوز موضوعة «المبادرة الفرنسية» لأنها تتحدث عن مؤتمر دولي على الرغم من تغييب قرارات الشرعية الدولية عن هذا المؤتمر
- لم تبحث أي من المبادرات الأميركية وغيرها جديا انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة
كشفت مصادر فلسطينية مطلعة عن اقتراح أميركي مقدم للجانب الفلسطيني وجوهره عقد مؤتمر إقليمي في القاهرة بشأن حل الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي تحضره بعض الأطراف الدولية والعربية إلى جانب فلسطين وإسرائيل.
المصادر تقول إن هذا الاقتراح طرح خلال اللقاء الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس مؤخراً بين الرئيس عباس ووزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي تحدث عن مؤتمر إقليمي يستند إلى «المبادرة المصرية».
وبالتفاصيل يحدد الوزير الأميركي الأطراف المعنية بحضور هذا المؤتمر بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، ومن الدول العربية كل من السعودية والأردن ومصر والإمارات؛ ومعهما الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي.
بلا مبادرات
تلفت المصادر الانتباه إلى أنه لا يوجد في الأساس ما يمكن تسميته بـ«المبادرة المصرية» وإن كل ما هنالك دعوة من الرئيس المصري السيسي لعقد اجتماع ثلاثي يجمع كلاً من الرئيس عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحضور الرئيس المصري، وأن لا شيء عملياً جرى في هذا الاتجاه.
لذلك ــ ترى المصادر ــ أن الحديث عن مبادرة مصرية يهدف إلى تجاوز موضوعة «المبادرة الفرنسية» من زاوية أنها تتحدث عن مؤتمر دولي؛ ترفضه إسرائيل، على الرغم من أن قرارات الشرعية الدولية مغيبة عن صيغة هذا المؤتمر وإطار عقده.
في هذا المجال يلفت المراقبون الانتباه إلى أن الاقتراح الأميركي الجديد يدل على أن واشنطن قد وضعت مسبقاً الموضوع الفلسطيني كهامش في مجرى التطورات في المنطقة، وأن عقد مثل هذا المؤتمر يهدف أساساً إلى إخراج أية اتصالات رسمية عربية مع تل أبيب من تحت الطاولة ووضعها في سياق مداولات معلنة ومباشرة تحت يافطة الموضوع الفلسطيني، وخاصة أن واشنطن قصدت عن عمد الابتعاد عن أية صيغة سبق أن طرحت في المبادرات التي طرحت بشأن حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وأن التلطي وراء ما يسمى المبادرة المصرية جاءت للإيهام بأن الهدف من هذا اللقاء الإقليمي هو البحث في التسوية.
ويلاحظ المراقبون في السياق أنه ومنذ عقد اللقاء في باريس بين الرئيس عباس وكيري حصل تطور خطير عبرت عنه زيارة ضابط الاحتياط السعودي إلى تل أبيب وأيضاً تحت يافطة محاولة دفع عملية التسوية والتعبير عن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني على الأرض مباشرة.
لا أرض مقابل السلام!
عندما عقد «مؤتمر مدريد» خريف العام 1991، كان عنوانه «الأرض مقابل السلام». وبعد انفضاضه بوقت ليس بالطويل، بدأت مفاوضات سرية بين وفد فلسطيني وآخر إسرائيلي في العاصمة النروجية، أوسلو. ونجم عنه لاحقاً الإطار الذي وقع بموجبه «اتفاق أوسلو» وحاول مهندسوه الإيحاء بأن مبدأ «الأرض مقابل السلام» لا يزال ساري المفعول من خلال النص على مرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات ويتم خلالها تسليم الأراضي للسلطة الفلسطينية وتختم بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
جميع الوقائع التي تمت منذ تلك الفترة أكدت أن مبدأ «الأرض مقابل السلام» كان خدعة أميركية وأن الهدف منها هو جذب المعنيين فلسطينياً وعربياً إلى قاعة المؤتمر ــ وبعد ذلك، وفرت قواعد وأسس «اتفاق أوسلو» لإسرائيل مسرباً آمناً للتملص من استحقاقات هذا المبدأ.
ومنذ أيار 1999، موعد انتهاء الفترة الانتقالية في اتفاق أوسلو حتى اليوم، لم تبحث أي من المبادرات الأميركية وغيرها على نحو جدي مسألة انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة، وبقي مشهد ولاية السلطة الفلسطينية المجزوءة محصور بحدود التجمعات السكانية الفلسطينية دون أي سلطات حقيقية حتى على هذه التجمعات، وهو ما نشاهده دوماً عبر الاقتحامات والاعتداءات وعمليات الاعتقال الإسرائيلية المتواصلة.
«المبادرة العربية».. وداعاً؟
حاولت «المبادرة العربية» التي انبثقت عن اجتماعات القمة العربية في بيروت (2002) الربط بين علاقات إسرائيل «الطبيعية» مع محيطها العربي بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه.. أولاً. على ذلك تم التأكيد على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس كأساس للتحرك العربي الجماعي تجاه التسوية.
وعلى الرغم من أن هذه المبادرة ظلمت حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم ربطاً بتنفيذ القرار الدولي 194، وتحدثت عن «حل عادل» لقضية اللاجئين، على الرغم من ذلك، رفضتها تل أبيب من زاوية الاعتراض على وضع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس في مقدمة التحرك العربي. وبالطبع كان هذا الرفض متصل بجوهر الرؤية الإسرائيلية التوسعية لمستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة وبخاصة مدينة القدس التي ترى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أنها عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل.
وبحكم التوافقات الواسعة بين واشنطن وتل أبيب، تم فرض مسار مختلف لأداء «لجنة المتابعة العربية» المكلفة بمتابعة تنفيذ المبادرة والتواصل مع المجتمع الدولي لهذا الغرض، فتحولت هذه اللجنة إلى ظل للتحرك الأميركي في عملية التسوية، وكان هذا بمثابة بداية تآكل هذه المبادرة من الناحية العملية.
ومع ذلك، واصلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وضع شروط على صيغة هذه المبادرة كي تجردها من كل ما لا تسمح به الرؤية التوسعية الإسرائيلية.
يمكن القول إنه ما بين شطب مبدأ «الأرض مقابل السلام» ومحاولات «تقليم» المبادرة العربية ومن ثم تهميشها تكمن السياسة المشتركة تجاه التسوية لكل من تل أبيب وواشنطن.
لماذا المؤتمر الإقليمي؟
ما سبق يمهد للحديث عن وظيفة المؤتمر الإقليمي كما طرحه الوزير الأميركي كيري. وطالما أن أطر التسوية المطروحة خرجت حتى عن القواعد التي وضعها مهندسوها، فإن ما يجري في المنطقة من تطورات دموية عاصقة، والحديث المتواصل عن إعادة رسم خريطة هذه المنطقة، يلقي بعض الضوء على المساعي الأميركية ـ الإسرائيلية في هذا الاتجاه.
ترى تل أبيب نفسها معنية تماماً بما يجري، وفي ظل هذه الظروف، تجد أنها تستطيع ما لم تستطعه في مراحل سابقة وعلى أصعدة مختلفة. فقد أعلن نتنياهو مراراً أن إسرائيل لن «تتخلى» عن الجولان السوري المحتلة. وأنه غير معني «بحل الدولتين» ولم يكن تراجعه عن ذلك جدياً. كما تجد نفسها في مقدمة أصحاب المصلحة في «محاربة الإرهاب» وسبق أن عرضت على الأردن جهودها الأمنية في هذا المجال؛ وترى أن ما يحدث في سيناء يتصل مباشرة بأمنها الخاص.
أمام هذا، ترى تل أبيب أن أي جهد لتحقيق مصالحها الأمنية والتوسعية ينبغي أن يلقى قبولاً من المحيط الرسمي العربي. وفي ظل الاصطفافات القائمة تجد في كسر حالة المقاطعة «الرسمية» مدخلاً لإطلاق مساعيها في تحقيق مصالحها الأمنية والتوسعية.
والمؤتمر الإقليمي الذي يجري الحديث عنه، هو لقاء مباشر بين دولة الاحتلال وعدد من الدول العربية تحت اليافطة «الفلسطينية»؛ والتطبيع هو الإنجاز الذي تبحث عنه، في ظل الارتباك والهلع والانقسام الذي يصيب المشهد الرسمي العربي.
المؤسف أن هذا كله يدور في الوقت الذي تبذل مكونات حملة مقاطعة إسرائيل كل ما تستطيع كي تضيق الخناق على الاحتلال وسياساته، وقد سجلت إنجازات واسعة في هذا المجال دفعت حكومة نتنياهو لاتخاذ إجراءات وقوانين عقابية بحق نشطاء هذه الحملة.
«المتابعة العربية» : ماذا بعد شطب مبدأ «الأرض مقابل السلام»؟