لن آتي إلى اسرائيل، قال المراقب الأميركي الكبير، فليس لدي ما أبحث عنه عندكم. ماذا يعني هذا؟ سألته بأدب. انظر، قال الأميركي، لا يحصل عندكم شيء، لا مسيرة ولا سلام، ورغم الشائعات فلا شيء اقليميا يحصل حقا. توجد أماكن مثيرة في العالم، وينبغي تفضيلها.
افترض بأنه لو كان نفتالي بينيت حاضرا لتعرض الأميركي للتوبيخ، ولدعي على الفور الى مكاتب التكنولوجيا العليا في هرتسيليا. اما رئيس الوزراء فكان سيطلب منه ان يأتي الى بئر السبع عاصمة السايبر ليريه إرثه – الجدار على الحدود الجنوبية. و كانت ميري ريغف ستأخذه بيدها الى كل المشاريع الرائعة والمتنوعة الثقافية التي تبادر إليها، في مكان ما خيالي لا يعرفه أي منا في واقع الحال.
يمكنهم أن يبقوا لانفسهم المزايدات الاخلاقية. فقد كانت عهود استدعت فيها الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة مواجهات عنيدة حول اسرائيل ومراجعة لبرامج السلام لدى المرشحين المتنافسين. اما في هذ الحملة الانتخابية فاسرائيل توجد أقل مما كانت في أي وقت مضى. ومحاولات الجمهوريين ايقاظها كعلم قتالي في الانتخابات السابقة، بما في ذلك تدخل نتنياهو وسفيره رون ديرمر، فشلت فشلا ذريعا. اما في هذه الانتخابات فاحد لم يحاول حقا.
اوباما هو الرئيس الأميركي الاكثر غير شعبية لدى الجمهور الاسرائيلي، ولكنه يحظى بتعاطف متصاعد في أميركا وبنسبة تأييد بين الاعلى التي حصل عليها أي رئيس في هذه المرحلة من ولايته. اما العداء تجاه اوباما في اسرائيل فلم يؤثر حقا على مكانته في الولايات المتحدة، وعندما قرر رئيس الوزراء الكفاح ضده في الكونغرس نجح في الحصول على فرصة صورة رائعة، ولكن في المناسبة ذاتها، الخطاب الشهير – صفى كل محاولة لاحباط رفع العقوبات عن ايران.
ما لا يفهمه نتنياهو وبينيت هو أن المسيرة السلمية هي عنصر في المكانة والقوة الاسرائيليين في العالم. فقد اثر النزاع العربي- الاسرائيلي على العالم على مدى عشرات السنين، اجتذب اليه وسطاء وسياسيين، هاذين وواقعيين ايضا على نمط كيسنجر. ولا ينبع عدم التوازن في الموقف السياسي الدولي من اسرائيل والفلسطينيين من مؤامرة لاسامية دولية بل من فهم تاريخي – لعله اسطوري فقط – بان القدس هي الحبل السري للعالم. وان الحساسية الكامنة في هذه المنطقة قد تخلق حجوم تهديد خطيرة جدا ولكن ان تستدعي ايضا امكانية كامنة هائلة – ما يسميه اليمين المتطرف تحقيرا «الشرق الاوسط الجديد». بعد عقد من اللاشيء السياسي، بعد أن تبين ان تأثير اسرائيل على أميركا محدود جدا، فان مكانة القدس آخذة في التآكل.
هناك اسرائيليون غير قليلين يشجعهم هذا الوضع. فعدم رغبة الرئيس الأميركي في استثمار مال سياسي في مسيرة سلمية اقليمية يجعل الحياة سهلة على بيبي في الائتلاف. وهذا فضل استراتيجي حقا. ولكن في هذا الوقت يتحرك العالم: كوبا تنفتح على الغرب، ايران وقعت على اتفاق تاريخي يقيد برنامجها النووي، الصين تهدد حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، في بورما يحاولون السير نحو الديمقراطية، في افريقيا تبدأ في الاشراق دول مع امكانية نمو هائلة. اسرائيل، باستثناء صناعة التكنولوجيا العليا، اذا ما اقتبسنا عن دبلوماسي يخدم في اسرائيل، «باعثة على التثاؤب في تكرارها الثابت».
لقد درج رئيس الوزراء على التباهي في الاستقرار الاسرائيلي مقابل العالم العربي المتمزق حولنا. ثمة سبب للفخار، وهو كله يعود الى أجيال من الاسرائيليين وزعمائهم ممن بنوا ديمقراطية مستقرة ومزدهرة في الشرق الاوسط، مبنية على فكرة مد اليد للسلام. وقد ولدت هذه الفكرة سياقات سياسية وعناصر قوة رقيقة، بعضها هو المكانة الكامنة في امكانية حل النزاع. ولكن هذه الفكرة اخترقت وتحطمت، وعمل الكثيرون كي تتبدد امكانية حل النزاع الى ظلام هو الشرق الاوسط الحالي.
يكتشف الأميركيون الان بأن أهمية اسرائيل في سياستهم أقل مما اعتقدوا. هذا اكتشاف خطير بالنسبة لنا. اسرائيل، التي باتت نزاعاتها تبعث على تثاؤب العالم، ولا احد يؤمن بانها ستجح في الوصول الى السلام، هي ضعيفة واكثر هشاشة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف