اتجهت شرطية ببزة رسمية نحو العائق الحجري الذي استند إليه طل (اسم وهمي) كي يستظل به من الشمس المقدسية الشديدة في التاسع من آب في بداية الاسبوع. وبشرته قائلة: "لا يوجد مفتاح. سألت الجميع". حاول طل المتفاجئ أن يعترض، ولكن الشرطية بقيت على حالها. وسألها بيأس: "ماذا يفترض بي، إذاً، أن أفعل؟" فاقترحت عليه: "اذا جئت غدا فسيفتحون لك"، نفخ طل ونظر الى ما وراء كتفها نحو الباب المغلق لجسر المغاربة، الذي يؤدي من ساحة "المبكى" الى ساحة الحرم. على مقعد صغير، تماما وراء الباب المغلق، القيت حقيبة طل. غير أنه في اليوم التالي، كما يعرف، لا يمكنه أن يأتي ليأخذها. فلديه امتحان في جامعة بار ايلان حيث يتعلم للشهادة الجامعية الاولى. ويدقق القول: "امتحانات هذا الاسبوع وكل مادة التعليم توجد فيها"، ويشير الى الحقيبة وينزع القبعة الشمسية التي على رأسه فيكشف انه لا توجد تحتها "كيبا". "هذا هو ايضا احد آثار السياسة في الجبل في أن البوابات تغلق بهذه السرعة". لو لم يقل هذا في موعد قريب من الدخول الى الحرم، محوطا بمشهد الشخوص المعروفين المكافحين من أجل التواجد اليهودي في الحرم لكان من الصعب أن نعرف بان طل ينتمي اليهم. انسوا الشعر الاجعد، الذي يعكس حماسة دينية متزمتة، فطل هو علماني تماما. واحد من مؤسسي وقادة جماعة لا تنفك تتسع من الشبان مثله، طلاب وطالبات في كل حرم جامعي ممكن في اسرائيل، يركزون جهودهم على تحقيق الهدف ذاته الذي يعرف بفضله اشخاص مثل يهودا غليك، يهودا عصيون، وارنون سيغال، وهو صلاة اليهود في الحرم. ومن يدري، ربما حتى بناء الهيكل. يعترف طل: "ليست صائما اليوم. ولكن كان مهما لي أن آتي الى جبل البيت في التاسع من آب. ليس بصفة دينية، بل لأنه يوجد هنا ظلم غير مفهوم في نظري". هم يسمون أنفسهم "طلاب من أجل جبل البيت". في منتصف العام 2014 بدأت تتبلور كمجموعة هامشية غريبة الاطوار، ولكن بعد بضعة اشهر من ذلك حاول فلسطيني من سكان قرية الثوري في شرقي القدس اغتيال يهودا غليك، من الشخصيات البارزة للكفاح من أجل "جبل البيت" واليوم عضو كنيست من كتلة "الليكود"، ما حث دفعة واحدة مجموعة طل الى الاعلى. وهو يقول برضا: "دسنا على دواسة البنزين. كما يقال، فقد تعزز نشاطنا بشكل كبير". ومن بضعة طلاب قلائل اصبحوا بعد شهرين نحو مئة طالب، ليس لمعظمهم اي صلة بالدين. تقول هداس سلبيغر، من سكان تل أبيب وطالبة في العلوم السياسية في جامعة بار ايلان: "تربيت في عائلة يسارية. وكنت اتعرض للكثير من الانتقادات في محيطي على مواقفي من جبل البيت، ولكن عندما سمعت بما حصل هناك صدمت ببساطة، ليس لأني اريد ان اقيم الهيكل او شيئا كهذا، فهذا لا يعنيني حقا. ببساطة لم يبدُ لي منطقيا انه في الدولة التي القدس عاصمتها – وأنا، مع كل علمانيتي ارتبط جدا بهويتي - محظور أن يقال شيء في جبل البيت". حديث ألقاه يهودا غليك في الحرم الجامعي دفعها لتنضم الى مجموعة الجولة الى الحرم كي تشاهد العجب بأم عينيها. "انت تدخل، فيبدؤون بالقول لك: هذا ممنوع، وهذا ممنوع، وهذا ممنوع. فبدأت اسأل ما المسموح؟ انا لا اقيم الفرائض، ولكن لا يمكن لاحد ان يصادر مني هذا الحق. يبدو لي هذا هاذيا". في الجولة ذاتها تبلور في قلبها القرار بان تقوم بفعل ما. هكذا التقت طل، الذي في هذه المرحلة كان غارقاً في الفكرة. "بدأت احج الى الحرم في تشرين الأول 2013 وعشقت المكان"، "فهمت فجأة بان المكان الاكثر مركزية هو جبل البيت، وليس الحائط. شعرت باني خدعت كل حياتي". وخلافا لسلبيغر، فان، طل الذي تربى في محيط ديني، سمع كثيرا عن "جبل البيت". ومع ذلك فان ابتعاده عن عالم الدين في السنوات الاخيرة، والذي باسمه سعى الا تنكشف هويته وذلك لأن قسما من عائلته لا يزال لا يعرف عن مسيرة ارتداده، لم يسمح له بالابتعاد عن فكرة "جبل البيت". بل العكس، فقد "تبين لي ذات يوم بأني لا أعرف جيدا عن الحائط الغربي وجبل البيت وان مركز الامور هو جبل البيت". مجموعة من النشطاء الطلاب تحيط به. كلهم متدينون، حركاتهم بطيئة جراء الحر والصوم. غير أنه في مرحلة معينة يظهر شابان بلباس اصولي ويحتجان على اليهود الذين باسم الدين يسمحون لأنفسهم بالوصول الى المكان المقدس. "من أنا كي اسمح لليهودي بان يحج الى جبل البيت؟"، يهتف أحد الفتيين، وهو من جماعة بوستون. وعلى رأسه تعلو قبعة سوداء، وعلى وجهه لحية صغيرة. "هذا محظور بحظر خطير حسب كل المفتين!"، يقول رفيقه ومجموعة "أمناء الجبل" التي تحيط بهما وتتجادل معهما بحماسة رغم الحر والصوم. يرى طل ويبتعد عنهما بضع خطوات. فهو هنا لاسباب سياسية، ثقافية، تاريخية – وليس غيبية. "جئت الى الجبل في التاسع من آب لأن هذا يوم الخراب. ولكن نهج الصوم يمثل في نظري نهجا سلبيا، للمنفى، وتشاؤميا. ليس هكذا يكافح المرء كي يتحرك شيء ما. نهجي هو العمل وليس النظر الى الماضي". ومع رفاقه في المجموعة ينظم دوائر بيتية، محاضرات، توزيع مناشير، اقامة منصات للمعلومات، للترويج للمسألة – وكل وسيلة اخرى تسمح له برفع الوعي في الموضوع. ويقول: "عندما أحج الى جبل البيت أرى نفسي جنديا أو شيئا كهذا، او احدا ما يمكنه أن يحدث تغييرا. وبدلا من الحزن على الخراب، تعالوا نعمل كي نبني من جديد. هذا هو الخط الذي يوجهني". على مسار الصدام قبل ساعات قليلة من ذلك أوقفت الشرطة سبعة يهود تجولوا في الحرم للاشتباه بانهم أخلوا بقواعد الزيارة في الموقع. في المشهد الذي يسود الحرم في السنوات الاخيرة كان يمكن لهذا أن يكون يوما عاديا آخر لو لم تكن هذه المرة الذريعة مختلفة جدا. ليس انبطاحا ممنوحا او تمتمة هامسة لآيات الصلاة هي التي تسببت بالاعتقال، بل انفجار مشاعر عفوي بسببه ابعد واحد منهم على الاقل. وينضم الحدث في بداية الاسبوع الى إبعاد آخر لنشيط يهودي عن الحرم في الاسبوع الماضي بالذريعة ذاتها بالضبط. "انت تفهم بانهم أبعدوهم لأنهم بكوا في الجبل"، يحتج اورن براشي، طالب في مجال التعليم في "تلما يليم" في القدس وعضو في مجموعة "طلاب من أجل جبل البيت". "ليس معقولا أنه في دولة ديمقراطية يطيرون انسانا من مكان ما لأنه بكى. فالانسان لا يمكنه ان يتحكم بمشاعره. وهو يبكي. لا يبدو لي هذا منطقيا". من ناحية براشي، فان هذا تصعيد واضح في المعاملة المتصلبة تجاهه وتجاه رفاقه من جانب محافل انفاذ القانون. "أتعامل مع هذا من الجانب الوطني ومن الجانب الديمقراطي. اسافر في السبت ولا احافظ على قواعد الطعام الحلال. ومن جهة اخرى اشعل شموع الحانوكا. تقليدي، كما تعرف. لي صلة اكبر من الآخرين في المجموعة بالدين، لأني تربيت في بيت كهذا. ولكن كفاح الطلاب من أجل جبل البيت، هو ايقاظ للشعب غير المتدين". ولكن يوجد لهذا جانب آخر. إذ إن نقطة المنطلق العلمانية هذه تضع هؤلاء الطلاب في مسار صدام محتمل مع "امناء الهيكل" المتدينين، ممن لا يكتفون لجعل المكان "بيت صلاة لكل الشعوب"، كما تقول الفتوى، بل يسعون ليقيموا في المكان بيتا مقدسا (هيكلا) حقيقيا. "الحقيقة هي أنني لم ابلور موقفا منهم"، يقول براشي. "من جهة أقول اذا كان ممكنا ابقاؤها (المسجد الاقصى والقبة الذهبية) فلتبقَ، مع التقاسم على النحو الافضل. فليبقوا القبة ويقسموا هذا بين اليهود والمسلمين، ويحددوا ساعات صلاة لليهود وساعات للمسلمين، مثلما يفعلون في مغارة الماكفيلا في (الحرم) في الخليل". وبغير قصد فان مجموعات الهيكل تلك تخلق ايضا خلافا داخليا في أوساط الطلاب من أجل جبل البيت. وتوضح سلبيغر: "لا يروق لي موضوع الهيكل على الاطلال. فهذا يبدو هاذيا بعض الشيء. ولكنهم لا يلحقون الضرر. انهم لن يبنوا الهيكل حقا. كما أنهم لن يقدموا القرابين. اما ان يحلموا فهذا صبابا. دعوهم يحلمون. انا في الجانب العملي. يهمي الا يتعاطوا معي كمنبوذة في دولتي، ولا يهمني اكثر من هذا. لا الهكيل ولا أي شيء كهذا". اما طل بالمقابل فيفكر بطريقة اخرى، إذ يقول: ارفض تماما الفكرة الامنية للمخابرات وغيرها. فانت اذا استسلمت للعدو فانك تشجعه على المزيد. والاجهزة الامنية تقول عمليا "استسلام". وهذا ما سيؤدي الى المس بالناس. يحتمل انه اذا ما رفع علم اسرائيل في الجبل سيندلع هنا صراع، ولكن في المدى القصير فقط". وهو يؤمن بان هذا سيجدي في المدى البعيد. حتى لو كان يعني هذا السير على خط دعوة أمناء جبل الهيكل على أنواعهم: اقامة المبنى على حجر الشراب، الذي تجلس فوقه القبة الذهبية. طل لا يرى في ذلك اي مشكلة. في مثل هذا الوضع هل ستبقى القبة الذهبية؟ يقول "سؤال صعب. لم اقرر بعد"، وبعد ذلك يفكر للحظة ويرد: "هناك عدة احتمالات. إما ان يقام عليها الهيكل نفسه أو ان تكون جزءا من الهيكل الثالث أو محاولة نقلها الى مكان آخر". ويلخص الامر: "شعب اسرائيل يجب أن يقرر بين هذه الاحتمالات".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف