- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2016-08-18
شيء ما يحدث في إسرائيل، فهناك تحركات كثيرة على الصعيد السياسي باتجاه التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، فقد سبق أن كتبنا بأن الحل يتطلب عوامل ثلاثة، الأول: الحل العسكري وعلى الأقل إيجاد قدرات عسكرية عربية تخشاها إسرائيل، وتراجع سياستها التوسعية، واختيارها للسلام، وهذا- كما يعلم الجميع- غير متوفر حالياً، ولا على المدى المنظور، الثاني: ضغط أميركي حقيقي وجدي على إسرائيل لإلزامها باحترام قرارات الشرعية الدولية بالنسبة للقضية الفلسطينية، وباحترام اتفاقاتها مع الفلسطينيين، وهذا يبدو بعيد المنال، أما الثالث: تحول جذري وجاد في الرأي العام الإسرائيلي باتجاه السلام، غير أن الحكومة الإسرائيلية، وهي أكثر حكومة يمينية، لا تؤمن بالسلام ولا بحل الدولتين، بل أن أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، يعتبرونها ملك بلا منازع لليهود، ووفقاً لذلك فإن إسرائيل ماضية في مخططاتها وتوسعها واستيطانها وهدم المزيد من المنازل الفلسطينية لفرض الأمر الواقع، حتى أنها أخذت تهدم المنازل التي بناها الأوروبيون للأسر الفلسطينية المحتاجة، في الضفة الغربية، وكل ذلك لفرض الأمر الواقع، وكل التقدير لسفراء الدول الأوروبية الذين اعتصموا أمام البيوت الفلسطينية المهدومة على حاجز "قلنديا"، واستنكارهم للاستمرار بهدم منازل الفلسطينيين، غير أن هناك بصيصاً من الأمل أظهره استطلاع للرأي العام الإسرائيلي نحو الحل، أجري من قبل "منظمة إسرائيل تبادر"، في شهر حزيران من العام الجاري، طال جميع الانتماءات السياسية والحزبية، فـ "منظمة إسرائيل تبادر" هي منظمة مستقلة، تضم في صفوفها رجال أمن ودبلوماسيين، وسياسيين سابقين، من كافة الانتماءات، يدعمون فكرة مبادرة السلام العربية، وقد أظهر هذا الاستطلاع الحديث أن أغلبية الإسرائيليين ما زالوا يؤيدون حل الدولتين لشعبين، والملفت للنظر، أن 51% من مصوتي الأحزاب اليمينية يدعمون حل الدولتين، مقابل 73% من مصوتي أحزاب المركز والوسط، و74% من مصوتي أحزاب اليسار، وأفاد الاستطلاع أن نسبة متدنية بلغت 8% تؤيد حل الدولة الواحدة، أي دولة ثنائية القومية، وبرز في الاستطلاع أن تأييد الإسرائيليين لمبادرة سلام إقليمية تزداد بين جميع المعسكرات السياسية والحزبية القائمة في إسرائيل من اليمين والمركز إلى اليسار، في حين لا تشمل المبادرة إعادة اللاجئين الفلسطينيين، وأن تكون الدولة الفلسطينية المستقلة منزوعة السلاح، فقد مل الإسرائيليون استمرار الوضع الراهن، إضافة إلى ثورة السكاكين.
لنفترض أن نتائج هذا الاستطلاع حقيقية ومسلم بها، وهو لا يعكس إستراتيجية اليمين الإسرائيلي من الحل، فقد يكون لهذا التحول مجموعة من الأسباب من بينها التسريبات عن لقاءات خليجية-إسرائيلية، وقيام وفد سعودي أكاديمي برئاسة الدكتور "أنور بن ماجد بن أنور عشقي"، بزيارة لفلسطين المحتلة، واجتماعه مع مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين، والدكتور عشقي من مواليد عام 1943 بالمدينة المنورة، ويعمل مستشاراً لدى مجلس الوزراء السعودي، وهو لواء متقاعد، محاضر في كلية الأركان، وفي كلية الملك عبد العزيز الحربية، كما أنه ألقى محاضرات في الموضوع الإيراني، وعن البعث الإسلامي في منابر عديدة، كما أنه طرح نظرية إستراتيجية بكلية القيادة والأركان السعودية، تحت عنوان: "المنظومة الإستراتيجية في عهد النبوة وإسقاطات العصر"، وسجله حافل في مجال تخصصاته، ويتمتع بعضوية مجالس أمناء ومراكز دراسات عربية وأجنبية عديدة.
لقد كشفت وسائل الإعلام عن لقاءات عديدة لشخصيات سعودية متنفذة مع مسؤولين إسرائيليين، كان من بينها لقاء علني في واشنطن، جمع الأمير السعودي "تركي الفيصل"، مع رئيس استخبارات إسرائيلية سابق، كما أجرت جريدة "هآرتس" الإسرائيلية مقابلة مع الأمير، ومما جاء في هذه المقابلة، قول الأمير السعودي أن العرب رفضوا في الماضي السلام مع إسرائيل، لكن الأخيرة هي التي ترفض وتقول لا للسلام الآن، ودعوته لـ "نتنياهو" للتحلي ببعد نظر لإعلان استعداده لإجراء مفاوضات مع الفلسطينيين، على أساس مبادرة السلام العربية، كما أن الدكتور "أنور عشقي"، سبق أن التقى مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، "دوري غولد"، وقد تكون هذه اللقاءات، إضافة إلى تحركات أخرى، ساهمت في بداية هذا التحول الذي أظهره استطلاع الرأي العام الإسرائيلي آنف الذكر، غير أن معظم الإسرائيليين غير مطلعين على مبادرة السلام العربية، التي تجري محاولة لتسويقها، وللمساهمة في تسويق هذه المبادرة لابد من تدشين موقع إلكتروني حتى وإن كان داخل إسرائيل، يكون مهمته إجراء نقاش وحوار وشرح لتفاصيل المبادرة، التي يجهلها الإسرائيليون، لخلق أجواء مؤيدة للعملية السلمية، وبالتالي للتأثير على صانعي القرار في إسرائيل.
التسريبات عن لقاءات علنية وغير علنية كثيرة، فالوزير الإسرائيلي السابق "مايكل ملكوير"، حسب جريدة "جروزاليم بوست 6-8-2016"، الذي التقى الوفد السعودي الأكاديمي برئاسة "أنور عشقي"، قال بأن التسوية مع السعودية ستحدث في أسرع مما تتصور، مع أن الأغلبية العظمى من اليهود، تنقصهم المعرفة، كما ذكرنا، عن تفاصيل مبادرة السلام العربية، كذلك فإن مبادرة السلام التي طرحها الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، يفضلها "نتنياهو" عن المبادرة الفرنسية، لكنها توقفت وهناك صمت، ولا حديث عنها، ربما جاء ذلك بعد أن اتخذت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية سلسلة من القرارات، التي لا تنسجم مع المبادرة المصرية، بل دعمت المبادرة الفرنسية، ودعمت قرارات القمة العربية في موريتانيا، عبر التمسك بمبادرة السلام العربية، ودعوة أمين عام جامعة الدول العربية "أحمد أبو الغيط"، لتقديم مشروع قرار إلى الأمم المتحدة، بشأن المستوطنات، ففي مؤتمر دولي عقد مؤخراً، في الجامعة الأردنية، تحت عنوان:"التحولات في الشرق الأوسط"، شارك فيها مفكرون وخبراء عرب وأوروبيون وأميركيون، تحاوروا حول أوضاع الشرق الأوسط سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وأسباب عدم الاستقرار، تطرقوا أن من أسبابه قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وما رافقه من تشريد لشعبه ومعاناته وتعثر عملية السلام.
من جهة أخرى، كشف الرئيس الإسرائيلي السابق "شمعون بيرس" النقاب أن رئيس الوزراء "بنيامين نتيناهو"، كلفه عام 2013 العمل من أجل تسوية الصراع على أساس دولتين لشعبين، بحيث تقام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وقال أنه توصل إلى تفاهمات بهذا الشأن مع الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، وأن الدولة الفلسطينية يكون حدودها وفقاً لما كان عليه الحال قبل حرب عام 1967، مع تبادل أراضي بالاتفاق، وحسب "بيرس" كما جاء في جريدة "يديعوت احرونوت 6-8-2016"، اتفق على غالبية القضايا، ولم يبق سوى الرتوش، وأكد "بيرس" أن مبادرة السلام العربية تصلح أساساً متيناً لهذه المفاوضات، لكن "نتنياهو" حسب "بيرس"، الذي كان في طريقه إلى عمان في حينه للاجتماع بالرئيس الفلسطيني، تراجع وأمره بالعودة إلى إسرائيل، وصفه "بيرس" بالخطأ الفاحش، أما رئيس الموساد السابق "شبتاي تيفت"، دعا في بث لحركة ضباط من أجل أمن إسرائيل، "هآرتس 8-8-2016"، إلى الاستفادة من الفرص السانحة، ودعم المبادرة السعودية للسلام، بينما قالت "سيما فاكنين"، المديرة العامة للشؤون الإستراتيجية، أن العالم ينظر لإسرائيل كدولة منبوذة مصابة بالجذام، بحيث أصبح هناك تساؤل إذا كان يحق لإسرائيل الوجود أم لا "7-8-2016"، وهو موقع إلكتروني للشؤون الإسرائيلية، وحسب "راديو إسرائيل 7-8-2016"، قال أن إسرائيل هي دولة عنف، أكثر من أي شيء آخر، ووفقاً للتقرير السنوي للنيابة الإسرائيلية العامة، فهي تنظر في أكثر من (30) ألف تحقيق في جرائم سنوياً، ومع كل ما تقدم، فإن "نتنياهو" وحكومته غير مبالين بهذه التحركات، وهذه الحقائق، مفضلين شهوة الحكم عن مصلحة شعبهم، دون الأخذ بالحسبان التوجهات العربية نحو السلام، التي تطحن دون وصول الطحين، وباعتقادي أن لا آفاق لتحقيق السلام، رغم هذه الفرص المتاحة.