قطع وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان، الأربعاء الماضي، موسم الجفاف الاعلامي في ارشاد للصحافيين، حيث عرض خطة سياسية أمنية جديدة حول «المناطق». في الخلاصة، ليبرمان يريد التمييز بين فلسطينيين «سيئين» و»جيدين». القرى التي يخرج منها «المخربون» لتنفيذ عمليات ستعاقب بشدة، والمناطق التي يوجد فيها هدوء أمني ستحصل على تسهيلات اقتصادية واسعة، ويمكنها تنفيذ مشاريع لتحسين البنى التحتية. وأعلن وزير الدفاع ايضا أنه سيبحث عن طرق التفافية في الاتصالات مع الفلسطينيين. الجهاز العسكري، بتوجيه منه، سيتحدث ايضا مع جهات في السلطة الفلسطينية، ولن يواصل التركيز على المحادثات مع رجال الرئيس محمود عباس (أبو مازن).
طريقة العصا والجزرة، مثل البحث عن قنوات بديلة عن القيادة الفلسطينية، تبدو مثل العودة الى السبعينيات والثمانينيات، حيث الحكم العسكري في «المناطق». من المشكوك فيه نجاح الافكار الجديدة. والسؤال هو ما الذي يفكرون به في القيادة الوسطى ومكتب منسق شؤون «المناطق»، الجهازين اللذين طلب منهما، الاسبوع الماضي، طرح الافكار حول علاج الوضع. يدرك ليبرمان بشكل جيد ضعف عباس والصراع على وراثته في السلطة. ولكن تصعب رؤية كيف سيقوم باتصالات علنية مع جهات لا تعمل بتوجيه مباشر من الرئيس الفلسطيني، دون قيام عباس بالتشويش على ذلك. وبالنسبة للعصا والجزرة، تصرفت اسرائيل هكذا أصلا على المستوى المحلي خلال السنة الماضية في الضفة الغربية. إن اعلان قرية معينة هادئة على أنها «خضراء»، كما قال ليبرمان للتمييز بين القرى الجيدة والسيئة، من شأنه اظهار سكانها كمتعاونين مع اسرائيل، الامر الذي سيكون له رد فعل معاكس، حيث سيسعون الى اثبات ولائهم للنضال الفلسطيني بطرق عنيفة.
تم عقد المؤتمر الصحافي لوزير الدفاع بعد كبوتين محرجتين بالنسبة له. في البداية كان الهجوم على ادارة اوباما حول الخلاف في موضوع السلاح النووي، والمقارنة بينه وبين اتفاق ميونيخ مع ألمانيا النازية، حيث اضطر ليبرمان الى التراجع خلال ثلاثة ايام. وبعد ذلك تسرب الى «يديعوت احرونوت» بأن الوزير أمر رئيس هيئة الاركان، غادي آيزنكوت، بوقف تطوع الجنود في الجمعيات التي تساعد اولاد اللاجئين والعمال الأجانب في جنوب تل أبيب. في الحالة الاولى بقي السؤال حول معرفة رئيس الحكومة بالهجوم على الولايات المتحدة، وقد تنصل نتنياهو من صلته بهذا الموضوع. وفي الحالة الثانية يبدو أنه كانت هنا لعبة علاقات عامة صغيرة على ظهر رئيس الاركان. وقد بدت هذه اهانة ثانية لآيزنكوت بعد اخراج الاعلان ضد اوباما اثناء وجود رئيس الاركان في الطائرة عائدا من زيارة ناجحة في البنتاغون. أظهرت اقوال وزارة الدفاع موقفا سلبيا حاسما للجيش الاسرائيلي ضد الاتفاق، الامر الذي لا يعكس بالضرورة موقف رئيس الاركان. خلال فترات سابقة، على سبيل المثال، في فترة باراك – اشكنازي، يصعب التصديق بأن هاتين الحادثتين كانتا ستمران بدون أي رد.
أثبتت الاحداث امكانية وجود تشوش في العلاقة بين وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان. في حالة ليبرمان وآيزنكوت يتركز الامر في الوقت الحالي في الـ 72 ساعة الاولى بعد تنفيذ عملية – الوقت الذي يطلب فيه الوزير من الجيش الاسرائيلي القيام بالعقاب الجماعي ضد الفلسطينيين. وعلى خلفية غضب الجمهور الاسرائيلي والجيش يطلب التأكد من عدم خروج الوضع عن السيطرة. ولحسن الحظ فقد حدث تراجع نسبي لـ»الارهاب» في «المناطق»، وتراجعت نسبة الحوادث. ينسب نتنياهو لنفسه ميزة هذا التراجع. وحسب قوله فان ذلك حدث عندما لاحظ بأنه يتم دهس الجنود في «المناطق» لأنهم لا يهتمون بالتوجيهات الامنية اثناء الحركة بالقرب من الشوارع. استدعى نتنياهو سكرتيره العسكري وأشار الى ذلك، فتحسنت الامور منذئذ.
إن اغلبية الهجمات، عمليا، كانت وما زالت عمليات طعن. ونقطة الضعف في عمليات الدهس تم علاجها في هيئة الاركان قبل أن يشير اليها نتنياهو. ولكن يبدو أن رئيس الحكومة، كسياسي عالمي، لا يهتم ولا يقلق بهذه التفاصيل الصغيرة.

لقاءات مع رئيس الحكومة
لقاء نتنياهو مع هيئة التحرير في «هآرتس»، هذا الاسبوع، استكمل جولة من 8 لقاءات مع صحافيين اجراها رئيس الحكومة خلال ثلاثة اسابيع. وقد سبق هذا اللقاء لقاءات مع مراسلين (عسكريين وسياسيين ومدونين وصحافيين من اليمين الديني) ووسائل اعلام اخرى (القناة 2 وصوت الجيش وسلطة البث وواللاه). ولم تصل بعد دعوة مشابهة لـ»يديعوت احرونوت». بالنسبة لاخبار القناة 10، يمكن أن تصل الدعوة في أي لحظة، عندما يتبين موعد عطلة رفيف دروكر. بتقدير معقول، يمكن القول إن نتنياهو خصص في الآونة الاخيرة 30 ساعة من وقته للالتقاء مع أكثر من 150 محررا ومراسلا. وهذه مبادرة غير مسبوقة كما يبدو.
كان الامر لافتاً ومطولا جدا. وخلال هذه اللقاءات تحدث نتنياهو عن مسلسل الأسر الذي مر به كجندي في وحدة الاركان الخاصة (إنه يكثر من الحديث عن مغامراته في الوحدة الخاصة). صحيح أن رئيس الحكومة اظهر الكثير من الطاقة في اللقاءات والقدرة على التحمل، وكان يمكن للحظة تذكر الرئيس السوري السابق وموضوع المثانة، حيث اعتاد على تعذيب وزير الخارجية الأميركي، وورن كريستوفر، في لقاءات القمة السياسية التي كانت تستمر سبع ساعات دون توقف.
ما الذي يريده نتنياهو؟ الحب والتقدير مثل الجميع. ولكن يبدو أن هناك شيئا آخر في الخلفية. بعد اللقاء الاول مع المراسلين العسكريين، الذي خصص فيه وقت كبير للاجابة عن ادعاءات نفتالي بينيت ويائير لابيد حول عملية «الجرف الصامد» في قطاع غزة، يبدو أن نتنياهو أراد أن يسبق اضرار تقرير مراقب الدولة في قضية الانفاق من خلال الوثائق والاقتباسات من جلسات الكابنيت. وفي لقاءات اخرى كرر مسألة الانفاق، لكنه فعل ذلك بحماسة أقل وركز أكثر على مواقفه السياسية وانجازاته. وتحدث قليلا عن التحقيقات الجنائية التي يتم طبخها ضده وضد أبناء عائلته.
ورغم ذلك، قد تكون هناك صلة. حينما تورط سلفه ايهود اولمرت بعدة قضايا منذ 2007 فصاعدا، أخرج مستشارون ومقربوه دفاع نيكسون من السبعينيات. قيل إن رئيس الحكومة مثل الرئيس الأميركي، هو الوحيد القادر على توجيه السفينة الاسرائيلية في المياه الامنية والسياسية العاصفة. إن انجازاته تقزم الشبهات ضده، لذلك يجب الغاء التحقيق. في الوقت الحالي لا يطرح نتنياهو ادعاء مشابها، ولكن بين السطور، فان هذا الخط الدعائي مدوٍ.
يتحدث نتنياهو خلال اللقاءات عن نفسه وعن ماضيه ولا يتطرق تقريبا لخصومه في الحكومة وفي المعارضة أو وزراء «الليكود». السطر الاخير في اقواله واضح جدا، ايضا بعد 3 – 4 ساعات: في الحياة بشكل عام، وفي الشرق الاوسط بشكل خاص، الاقوياء فقط هم الذين يصمدون. نجحت سياسته في ضمان النمو الاقتصادي لاسرائيل من خلال المخاطرة الامنية المعقولة، مع مراعاة التهديدات المحيطة. إنه يتحفظ على الحروب وينجح في الوقت الحالي في ابعاد اغلبية الاخطار عن طريق شبكة حكيمة من المصالح، سواء مع الدول السنية في المنطقة أو مع الدول الأبعد، من شرق آسيا حتى شرق اوروبا. في اللقاءات مع الصحافيين من اليمين، شدد نتنياهو على أنه لم يتنازل عن شبر واحد من الاراضي، وأن الخطر من وجود دولة فلسطينية قد اختفى من برنامج العمل الدولي. ولليسار قال بشكل غير مباشر إنه ما زالت هناك فرصة لتقدم معين في «المناطق» فقط اذا كان هناك ضبط للنفس. ولكن في جميع اللقاءات عاد نتنياهو وكرر شكوكه حول نوايا الفلسطينيين. وقال إن قيادة السلطة الفلسطينية لا يمكنها التوصل الى اتفاق مناسب بسبب ضعفها وبسبب تمسكها بالايديولوجيا التي تنفي وجود اسرائيل. ومن وراء الزاوية هناك دائما أعداء أكثر خطورة، في البداية «حماس» وفيما بعد «داعش».
في اختبار الزمن، التشاؤم الذي عكسه نتنياهو مع اندلاع «الربيع العربي» في نهاية العام 2010، أثبت نفسه بشكل دقيق. ناور رئيس الحكومة بشكل جيد في الرد الاسرائيلي حول التغيرات في سورية ومصر، وامتنع عن التورط في حروب لا لزوم لها. بالتأكيد هو محق في شكوكه حول الفائدة التي قد تعود من الحوار مع السلطة الفلسطينية. ولكن حول استيعاب رسالته في الوسط واليسار، ما زالت هناك عقبتان، الاولى هي الارث التاريخي الذي بقي من فترة دخوله الى السياسة (وخصوصا دوره في التحريض الذي سبق قتل اسحق رابين والذي تم ذكره مرة تلو الاخرى، الاسبوع الماضي، على خلفية التهديدات الرمزية من قبل دونالد ترامب على حياة هيلاري كلينتون). الثانية هي طبيعته الشخصية والتي برزت في جميع اللقاءات: الحراك الذي لا يتوقف، رفع الصوت، الضرب على الطاولة. وهناك من خرج من هذه الاجواء ولديه انطباع كبير. تذكر البعض اسحق رابين أو اريئيل شارون اللذين تحركا بصعوبة في الكرسي في لقاءات مشابهة ولم يبديا أي انفعالات عاطفية.

رسالة باراك
لقد عكر صفو خطوة نتنياهو الاعلامية، هذا الاسبوع، الشخص الوحيد القادر على جذب الانتباه المشابه، رغم أنه استقال من كل المناصب العامة، ومن المشكوك فيه أن يستطيع العودة في المستقبل. في خطاب مؤتمر حركة «طريقنا» في ريشون لتسيون، ركز ايهود باراك في هذه المرة انتقاداته على نتنياهو واتهمه بالحاق الضرر بالعلاقة الامنية مع الولايات المتحدة. كان لبراك ادعاءان اساسيان: الاول، أن سلوك نتنياهو بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين ايران والقوى العظمى كلف اسرائيل تقليص المساعدات الامنية التي خططت ادارة اوباما لمنحها. الثاني، أنه من وراء الكواليس هناك احداث قد تضع اسرائيل أمام خطر آخر في العلاقات مع الأميركيين و»تعريضها لتحدي امني مركزي». رفض باراك التفصيل، سواء في الخطاب أو في الرد على اسئلة الصحافيين فيما بعد. ولكن يبدو أن هذا اتهام خطير من رئيس حكومة ووزير دفاع سابق، وهذا الامر يلزم ظهوره أمام اللجنة التابعة للاستخبارات في الكنيست. وهذه الجهة سيكون باراك مسرورا بالتحدث أمامها.
بالنسبة للمساعدة الامنية، باراك هو اول من تحدث بشكل علني عن المبلغ الدقيق الذي اتفقت عليه الاطراف مبدئيا، 3.8 مليار دولار سنويا، 38 مليار خلال عقد، مقارنة مع 3.1 مليار سنويا حسب الاتفاق الحالي. شوشت الضربة الاستباقية لباراك فرحة نتنياهو حول الاعلان والتوقيع المتأخرين منذ أكثر من أسبوع رغم الاتفاق على التفاصيل. يقول الخط الدعائي لمكتب رئيس الحكومة إن هذا هو مبلغ المساعدة الاكبر الذي تحصل عليه إسرائيل. المشكلة كما يقول باراك هي أن هذا المعطى يصلح كعنوان وليس كجوهر، حيث إن الامور تتضح عند الدخول في التفاصيل.
يركز الانتقاد الشديد للاتفاق على ما كان يمكن الحصول عليه لو أن الاتفاق تم توقيعه من قبل. صحيح أن نتنياهو ورجاله ينفون بشدة، لكن باراك وقادة آخرين في الاجهزة الامنية والعسكرية، في الماضي والحاضر، على قناعة لو أن نتنياهو توقف عن المعركة الخاسرة ضد الاتفاق النووي عند توقيعه في فيينا في تموز 2005، ولم يصمم على مواصلة الصراع لبضعة اشهر، لكان بالامكان استغلال ذلك وزيادة المبلغ بشكل كبير، حيث قد يصل الى 4.5 مليار دولار سنويا.
إن تفاخر رئيس الحكومة بحجم المبلغ يتغاضى جانبين آخرين. غلاء سعر السلاح، الامر الذي يضائل قيمة المساعدة. وعمليا، في أعقاب اضافات اخرى منحتها الادارة والكونغرس في كل سنة من السنوات الاخيرة، فان مبلغ المساعدة قفز الى 3.6 أو 3.7 مليار دولار كل سنة، حيث تطلب الادارة الأميركية تعهدا اسرائيليا بعدم التوجه الى الكونغرس وطلب مساعدات اخرى. نتنياهو راض ايضا عن أنه رفض القرار الأميركي حول وقف الشراء المتبادل، ربع اموال المساعدة السنوية التي كانت اسرائيل تستطيع استغلالها من أجل الشراء من الصناعات العسكرية الأميركية. عمليا قام بتأجيل النهاية. اتفقت الدولتان على أن هذا المبلغ سيتم تقليصه بالتدريج حتى الغائه مع انتهاء السنة السابعة للاتفاق الجديد.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف