يخلو الخطاب الانتخابي في طبعته الأخيرة من مفردات العرس الديمقراطي. والسائد في اللقاءات خطاب البكائيات. التجربة برمتها على المشرحة، تقييم التجربة وفي قلبها خيبة أمل النساء من خذلان الأحزاب والسلطة. حكاية مشاركة المرأة في الانتخابات وإن كانت قديمة، إلا أن رياح الانتخابات هبَّت برائحتها من جديد، جددت الحديث وجعل الموضوع أشبه بتمرين يومي للمهتمين والمهتمات. مراجعة التجربة الصعبة: حصر تقييم الأداء بالعضوات وإعفاء الأعضاء من التقييم، عدم ربط فشل العضوات بفشل المجلس ورئيسه أولا. حديث العدد والنوع، تحدي الترتيب في القوائم، أسس اختيار ومعايير القوائم وصولاً إلى البرامج الانتخابية، شكل التحالفات، وفي نهاية المطاف، مشاركة تمشي على جهاز "تريدميل". سؤال المليون، لماذا تستمر فكرة المشاركة تراوح في المكان. والجواب المليوني: لا يمكن الوصول له بقراءات عَجولة وقصص وبكائيات، لا بد من دراسة عميقة تقيس التطور المُحرز، وماذا قدمت "الكوتا" غير إيصال العضوات إلى المحطة، دون استكمال باقي المهمات لأنها ليست من شأنها. دراسة تضع التصورات حول توفير الحامل الاجتماعي المطلوب للوصول للمنشود؛ والمحاليل الإضافية والسياسات الاستراتيجية لتسريع التفاعل الكيميائي نحو التغيير. سيذهب الجواب حتماً نحو البيئة القائمة، فهي ليست مهيَّأة للتنافس بين الرجال والنساء، بمعزل عن تطبيق نظرية التغيير. فالميزان القائم هو لصالح الرجال، لأن النظام الفلسطيني بكل طبقاته؛ يتأثر بالقيم التقليدية القائمة على الانتقاص من شأن المرأة والتسليم بتابعيتها، وهو الفهم الذي كَبَحَ تقديم سياسات تخفف الفجوات التمييزية القائمة، واستبدال الثقافة العشائرية السائدة بثقافة الحقوق والمواطنة، إزالة الحواجز من أمام مشاركة الفئات المهمشة والأقليات. الواقع يجيب، أن العلاقات الاجتماعية المبنية على أساس القوة والسلطة، تحدّ من قدرة المرأة على إيجاد الوقت اللازم لتنمية المهارات اللازمة للاشتراك في صنع القرار. كما أن الرهان على دور الاحزاب التغييري لصالح المرأة ضعيف بسبب محدودية أو شكلانية وصول النساء الى موقع القرار الحزبي، على افتراض أن الأحزاب تؤمن بدور المرأة وتستهدف تعزيزها قدرتها ومكانتها. تُحال معضلة المشاركة على الأحزاب أولاً، دون إعفاء المؤسسة النسوية من المعضلة؛ فالمشكلة واضحة على الضفتين. سأبدأ بالمؤسسات النسوية، فالأجدر بها العمل وفق مصالح قضيتها وجمهورها. فالأطر النسائية الرئيسية مرتبطة بعلاقة عضوية بالأحزاب، وبعضها خرج من رحمها وتوجه نحو تأسيس المراكز للتعاطي مع مستجدات المرحلة. وجميع هذه الأطر لم تتبن مفهوم التبادلية في علاقتها مع الحزب السياسي، ولم تكرس نفسها كأحد مراكز القوة المؤثرة في المشهد، فبقيت تنزل ببرنامج الحزب نحو القاعدة بينما الحزب أحجم عن حمل برنامج إطاره إلى مراكز القرار المشارك بها أو المراكز التي لا يشارك بها لكنه يملك الضغط عليها من الشارع، لنتذكر حملة تغيير الضمان الاجتماعي والحد الأدنى للأجور. وعليه، يمكن تفسير إقصاء النساء عن المشاركة في مشهد المصالحة ولجانها، وكذلك عدم تنفيذ الالتزامات، بما نصت عليه المرجعيات المحلية المنادية بالمساواة وتوقيعها وانضمامها للمواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. برأيي أن مواقف الأحزاب ضبابية ومتذبذبة، وأثبتت التجارب ترددها في الصدام مع القوى الأصولية لصالح قضايا النساء، وعدم وضوح الرؤية الاجتماعية تحت عناوين الأولوية للقضية الوطنية، وتبهيت البرنامج الاجتماعي. وترددها في إنتاج رؤية اجتماعية منصفة وعادلة للمرأة وحقوقها، حيث تماهت فصائل مع المواقف النمطية السائدة، وحصرت الأخرى رؤيتها في المعارضة السياسية. أما على جبهة الأطر النسوية وتفرعاتها، فلم يطرأ تغيير جوهري على طرق عملها لجهة التركيز على المناطق الريفية والمهمشة، والنطق باسم النساء والتفاوض عنهن على صعيد المشاركة والقانون. وترك خطاب المطالب من موقع الضعيف، والتوقف عن طرق أبواب الأحزاب للمطالبة بالحقوق، لأن طريق استجداء الحقوق غير نافذ. لا بد من إعادة تموضع الحركة النسائية ممثلة بالاتحاد العام للمرأة والأطر والجمعيات والمراكز، كحركة اجتماعية، وطرح نفسها كأحد مراكز القوى في المجتمع، يفاوض كقوة مطمئنة إلى جماهيريته، يمثِّل ويضع السياسات. كنت ولا زلت أعتبر، أن مشاركة المرأة في عضوية مجالس الحكم المحلي من أهم مقاربات تحريك السواكن، نقل مركز ثقل العمل والحراك إلى القاعدة النسائية، حيث تمكِّن العملية الانتخابية وإجراءاتها من التواصل مع النساء وتنظيمهن، التسجيل والترشيح والدعاية الانتخابية. فرص توسيع الإطار العامل المنظم وإشراكه وجذبه إلى العمل العام على قاعدة برنامج له أرجل، بعيداً عن الانتظام من أجل الانتظام، لا بد من خلق ملموسية ومصالح وجدوى للانتظام. المسار الانتخابي، فرصة متاحة أمام رفع الوعي العام، فرص الظهور والتحدث في الإعلام واستخدام أدواته، إثارة القضايا النسوية والفجوات التمييزية والحقوقية على أساس المواطنة. نقل مركز النقاش الحقوقي إلى القاعدة، حيث المكان الذي تكون فيه المرأة بمواجهة البنية الفكرية الاقصائية، ويُمارس عليها الوكالات الحصرية. وللنقاش تتمة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف