يشبه برج وزارة الدفاع في الكرياه الروبوت: له قدمان، واحدة تابعة للجيش الإسرائيلي والأخرى لوزارة الدفاع. وليس له رأس. ثمة جسر يصل بين مكتب رئيس الأركان في الطابق الـ 14 ومكتب وزير الدفاع. أثناء المعركة بين باراك وأشكنازي تم إغلاق أبواب الجسر، لا أحد يدخل ولا أحد يخرج، ولا أحد يمر ذهابا أو إيابا. يجب تحويل هذا الجسر إلى نصب تذكاري. توجد في البلاد مئات النصب لتخليد ذكرى الحروب الأكثر نجاحاً والأقل نجاحاً. والدرس الذي يعلمنا إياه الجسر في الطابق الـ 14 لا يقل أهمية عنها. ولو كان الأمر متروكا لي لقمت بوضع لافتة على كل جزء من أجزاء الجسر مكتوب عليها «هذا الجسر لن يغلق أبدا بأمر عسكري». ولكنت فتحت الأبواب على مصراعيها ورميت المفاتيح. الجسر في الطابق الـ 14 مفتوح الآن. في جهة منه يجلس رئيس أركان مجرب ويثق بنفسه وهو يحظى بتقدير الجيش الإسرائيلي والجيوش الأجنبية والجمهور في إسرائيل، وفي الجهة الأخرى يجلس مواطن ألقيت عليه مهمة وزير الدفاع، مباشرة من المعارضة. وهو ملزم بأخذ مكانه – من ناحية أن يكون ينتمي للجهاز القوي والأكثر تأييدا في المجتمع الإسرائيلي، ومن الناحية الأخرى أن يثبت لناخبيه بأن هناك علاقة بين ما قاله عندما كان متحررا من المسؤولية وبين أفعاله اليوم. أن يذوب وأن يبرز، وأن يكون أيضا قاسما مشتركا ومنتقدا، السير برجل في الداخل وبرجل أخرى في الخارج. في الوزارات الحكومية الأخرى يجلس الضباط لمقابلة الوزير الجديد، وفي القيادة الأمنية العسكرية فإن المقابلة متبادلة. يجب أن يحظى الوزير بثقة ضباط هيئة الأركان العامة، وإذا لم تكن ثقة فباحترام. وإذا لم يكن احترام فإن هذا الجسر لن يساعد. أفيغدور ليبرمان هو وزير الدفاع منذ ثلاثة اشهر، وهو يواجه هذا التحدي يوميا. والتحدي نفسه يواجهه رئيس الأركان غادي آيزنكوت. وسواء سلبا أو إيجابا، كان يعلون جزءاً من الجيش الإسرائيلي، حيث حظي رئيس الأركان في فترته بالدعم الكامل. وهذا الأمر لن يحدث في فترة ليبرمان. فلدى ليبرمان احتياجات سياسية أخرى ومواقف اخرى. ليبرمان ليس مواطنا يعمل لدى الجيش الإسرائيلي. من المحظور توقع ذلك. أحد دروس قضية هرباز هو أن رئيس الأركان يجب عليه الحذر، ليس فقط من أعدائه، بل أيضا ممن يحبونه. إن بعض التصريحات التي اصدرها ليبرمان في الأشهر السابقة تظهر صعوبة التأقلم. والربط الذي قام به بين الاتفاق النووي مع ايران واتفاق ميونيخ، كان خاطئا. كان مناقضا للتفاهمات بين نتنياهو والبيت الأبيض، الأمر الذي ألزم ليبرمان بنشر تعديل محرج وضع حاجزا بينه وبين رئيس الأركان، الذي أنهى في تلك الأثناء زيارة سريعة إلى واشنطن. والتصريح حول منع الجنود مساعدة مهاجري العمل في جنوب تل أبيب، كان لا حاجة إليه. كان ليبرمان يستطيع إصدار قرار بإخراج الجنود دون تعريض الجيش الإسرائيلي للتنكيل العلني. يريد الحسم قام سلاح الجو بقصف غزة في هذا الأسبوع. ودون الدخول في تفاصيل العملية، يمكننا القول: إنها كانت استثنائية من الناحية التنفيذية. فقد عبرت عن استثمار طويل لمدة سنة أو أكثر، استثمار لم يستنفد بعد بشكل كامل. وليست له صلة بأي سياسة جديدة، لا عصي ولا جزر. منظمة غير منضبطة في غزة قامت بإطلاق صاروخ قسام واحد نحو سديروت، فقام الجيش الإسرائيلي باستغلال هذه الفرصة. المشكلة هي أنه لا توجد سياسة. في 8 تشرين الأول، بعد ستة أسابيع من اليوم، يفترض أن تجري انتخابات محلية في الضفة الغربية وغزة. ونحن نعرف ما الذي تعتقده الأمم المتحدة عن هذه الانتخابات. وفي بيان اصدره نائب مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، روبرت فايفر، امتدح فيه الانتخابات «التي ستحدث في أرجاء دولة فلسطين». وإذا أجريت الانتخابات فيتوقع أن تتعزز قوة «حماس» في الضفة وتشق طريقها إلى حكومة بمشاركتها. فما الذي تفكر فيه الحكومة الإسرائيلية. نحن لا نعرف. هل هي مؤيدة/ معارضة/ مُسلمة/ منشغلة بأمورها حتى عنقها؟ يمكن أن تكون كل هذه الاحتمالات صحيحة. وحسب تقرير الأمم المتحدة فإن المياه في غزة ملوثة، وعدد كبير من الأطفال يعانون من الأمراض بسبب التلوث، وفي سنة 2020 لن تكون هناك مياه أبداً. «حماس» لا تهتم. فهي تعرف أنه يمكن دائما إلقاء المسؤولية على إسرائيل. ولكن ما الذي تعتقده حكومة إسرائيل في هذا الشأن؟ في نقاش له مع جنرالات هيئة الأركان، قال ليبرمان: إن وقت الأحداث المتبادلة قد انتهى مع «حماس» أيضا، ومع «حزب الله». وهو على استعداد للقيام بخطوات عسكرية فقط من اجل الحسم. هذا يبدو صحيحا، لكن المشكلة تبدأ عند ترجمة هذه الكلمة اللافتة، الحسم، إلى خطوات عملية. وفي نهاية المطاف يريد الجميع شيئا واحدا وهو كسب الوقت، ليس من اجل الحسم بل من اجل المواصلة. هرتسل زاوية نتنياهو العالم موشيه هلبرطال (58 سنة) بروفيسور في الفلسفة في الجامعة العبرية وجامعة نيويورك. وهو عالم مشهور ولامع وصاحب كاريزما. المحاضرون والطلاب يسيرون وراءه هنا وهناك. القبعة المنسوجة على رأسه مربوطة بمشبك. وهي تلوح بين فينة وأخرى وكأنها تريد إطلاق الجناحين والطيران عاليا. وقد طلبت سماع رأيه حول عدد من المواضيع المختلف فيها، من نتنياهو حتى ترامب. وقد التقينا في هذا الأسبوع في منزله في الحي الألماني في القدس. قلت: إن نتنياهو وصف نفسه مؤخرا بأنه مواصل لطريق والده الذي هو بدوره مواصل لطريق جابوتنسكي الذي كان مواصلا لطريق هرتسل. هذه سلسلة واحدة وسلالة واحدة. هل نتنياهو يواصل طريق هرتسل؟ «لا»، قال هلبرطال موضحا: «الشرق الأوسط يتفكك من حولنا والفوضى كبيرة. ونتنياهو يقول في ظل وضع كهذا إنه يجب الحفاظ على الوضع الراهن. ولكن استمرار الوضع الراهن يؤدي بنا إلى الوضع الدائم للدولة الواحدة، ثنائية القومية بين النهر والبحر. وهنا توجد مفارقة: الدول متعددة القوميات ومتعددة الديانات هي الدول التي تتفكك الآن، سورية والعراق ويمكن لبنان أيضا. إن المسار الذي نسير فيه يأخذنا إلى الفوضى ذاتها. «الأمر الآخر الذي يبعدنا عن حلم هرتسل هو التغيير الذي يمر به الليكود، حزب السلطة. في السابق كان الليكود حزبا يمينيا وصقوريا وقوميا مع جذور ليبرالية وديمقراطية عميقة. وفي السنوات الأخيرة انفصل «الليكود» عن هذه الجذور. ولم يعد الصراع مع العالم العربي كافيا بالنسبة له. فهو يبحث عن أعداء من الداخل – منظمات حقوق الإنسان، الأقليات، اليسار ووسائل الإعلام – هذا ما يميز القومية عن القومية المتطرفة: القومية تدافع عن نفسها في وجه الأعداء من الخارج. أما القومية المتطرفة فتركز على الأعداء في الداخل. هاتان العمليتان – دولة ثنائية القومية والبحث عن العدو الداخلي – تعارضان بشكل كبير الموقف الكلاسيكي للصهيونية. إن من طلب في يوم الانتخابات إنقاذ الدولة لأن العرب يتدفقون إلى الصناديق لا يواصل طريق هرتسل. «نعرف جيدا ماذا يعني أن تكون أقلية، ولا نعرف ماذا يعني أن تكون أغلبية. يتحدث نتنياهو بلغة الأقلية، لغة الضعيف، رغم أن القوة في يديه. إنه لا يثق بما فيه الكفاية بصهيونيته من اجل الوقوف من وراء تعهدات وثيقة الاستقلال. أن تكون في موقف الضحية وأنت تملك القوة أمر قاتل». قلت له: لكن المخاوف من العالم العربي والإسلامي مغروسة عميقا في الواقع. أيهود باراك قال: نحن فيلا في الغابة. وأضاف نتنياهو: «فيلا محاطة بالجدران». «لا أتحمس لاعتبار إسرائيل فيلا»، قال هلبرطال، «ولكن يجب علينا الفهم أننا نعيش في منطقة معقدة فيها إشكالية، مخاوف الإسرائيليين حقيقية والأخطار حقيقية. ونتنياهو يستجيب هنا إلى صدى عميق جدا في الجمهور الإسرائيلي. «اليسار في إسرائيل، أو بشكل أدق، أجزاء منه، ينكر التهديد. وهذا ضعف. وبدل فهم الإسرائيلي الخائف يعتبر كل من يصوت لليمين وحشا. هذا ليس صحيحا وليس ناجعا. الحقيقة هي أن الأفراد الذين تم انتخابهم لرئاسة الحكومة من الوسط – اليسار كانوا أولئك الذين منحهم المصوتون الثقة واعتبروهم شركاء في مخاوفهم». سألت: هل الديمقراطية الإسرائيلية في خطر؟. «نعم»، قال: «إنها تحت التهديد، بسبب الهجوم على استقلالية الجهاز القضائي ووسائل الإعلام والعرب في إسرائيل. لو كنا ننوي إجراء المقارنة فان النموذج هو هنغاريا أو بولندا، وليس تركيا أردوغان. لا يوجد ضرر قاتل للديمقراطية. ولكن توجد مشكلة». وراء جدران الغيتو *السياسيون يكثرون في السنوات الأخيرة من الحديث عن دولة يهودية. - «فكر هرتسل بدولة اليهود وليس دولة يهودية»، قال هلبرطال: «لا تستطيع الدولة أن تكون في الوقت نفسه دولة اليهود وأيضا دولة يهودية». طلبت منه التفسير والشرح. «حول سؤال ماذا يعني أن تكون يهوديا توجد لليهود مواقف كثيرة ومختلفة»، قال: «لا يوجد اتفاق حول ذلك. للأسف، نتنياهو على استعداد لدفع ثمن تاريخي في هذا الأمر فقط من اجل الحفاظ على ائتلافه. لنأخذ مثالا: قانون المغاطس الجديد. هذا القانون لا يسمح للحاخامات الإصلاحيين باستخدام المغاطس. وهو مثل قوانين أخرى يقول عمليا ليهود الشتات: إسرائيل ليست بيتكم. توجد اليوم حرية دينية في كفينس أكثر مما في القدس. استخدام قوة الدولة لحسم موضوع الهوية اليهودية يناقض بشكل كبير الفكرة الصهيونية». *أنت تتابع منذ سنوات التغيرات في الوسط الحريدي، قلت له. هل جدار الغيتو الحريدي ينهار؟ - «التغيير كبير»، قال «بعضه ينبع من أسباب اقتصادية. الاقتصاد الحريدي كان اقتصاد النسب، حيث كان الصهر الثري يأخذ لابنته طالبا ذكيا يعيش على حسابه. وإسرائيل حولتهم جميعا إلى أنسباء للدولة. وهذا الأمر انشأ اعتمادا كبيرا للحريديين على الدولة. النساء هن اللواتي ينفقن على العائلة: يحملن عبئا ثقيلا جدا. إضافة إلى ذلك، الحاخام الذي ليس طالبا ذكيا، يعيش حياة التحجر، الأمر الذي يهينه كانسان». نهاية العالم الآن * ماذا تعتقد حول ظاهرة ميري ريغف؟ - «من بين ما يحدث في الليكود، هذا هو الأمر الأقل إقلاقا لي»، قال، «الفوضى التي تقوم بها تغطي مشكلة أكبر – الفجوة بين المركز والمحيط. الجهاز التعليمي في المحيط ضعيف: هي تجد صعوبة في خلق تفوق اجتماعي. للفجوة مميزات طائفية. كان هناك تمييز تاريخي لا يمكن نفيه، وكانت هناك أيضا مواقف مسبقة واحتقار ما للثقافة. هناك علاقة في إسرائيل بين التعليم والدخل، وسوف تزداد هذه العلاقة قوة في المستقبل. «المفتاح هو التعليم: في كل مكان في العالم، التفوق الاجتماعي لليهود جاء عن طريق التعليم – باستثناء دولة اليهود». * حقيقة أن الدولة تدعم المؤسسات التي ترفض تعلم المهن، لا تساعد؟ - «هذا صحيح»، قال، «الدولة تقوم بدعم الجهاز التعليمي الذي يكبح التفوق والريادة». يتابع هلبرطال ما يحدث في معسكره الصهيوني الديني. «حركة الاستيطان خلقت واقعا سياسيا، لكنها لم تُحدث انبعاثا دينيا مسيحانيا»، قال. «انهارت الأيديولوجيا وانتصر المحاسبون. الوجه المضيء للحاخام كوك حل مكانه الوجه الغاضب للحاخام كهانا. «في الهامش، الحركة منقسمة حول سؤال الرسمية. فقدت الدولة هالتها المسيحانية. شبيبة التلال يكرهونها ويتآمرون عليها، من يذهبون إلى الحرم يعكسون الانتقال من المسيحانية إلى نهاية العالم: إذا رفض المسيح المجيء فسنقوم بإشعال الشرق الأوسط، وهكذا نجبره على المجيء». كل شيء في الرأس ثلاثة ضباط متقاعدون – عوزي ديان، داني بيتون والعقيد شموئيل زكاي – تطوعوا ليكونوا شهود دفاع في محاكمة اليئور أزاريا. هذا حقهم. والوقت المتبقي حتى ظهورهم في المحكمة في يافا سيسمح لهم بمعاينة الأدلة بشكل أعمق. ومن المشكوك فيه أنهم قد فعلوا ذلك قبل ذهابهم إلى وسائل الإعلام. تجري المحاكمة في اتجاهين، واحد قيمي: هل يجب قتل «المخرب» بعد تحييده أيضا – في هذه الحالة، بعد تحييده بـ 11 دقيقة. هناك كثير من الإسرائيليين الذين يجيبون على هذا السؤال بالإيجاب. والأوامر السارية الآن في الجيش الإسرائيلي تجيب بالسلب. الضباط الثلاثة لا يزعمون أنهم خبراء مختصون في هذا الأمر. الاتجاه الثاني هو تنفيذي: مصدر الصلاحيات. النيابة تقول: إن قيادة الوحدات والفرق والكتائب هي المسؤولة وليس الجندي أو المستوطنين الذين وقفوا حوله. الدفاع يقول: إن جميع القادة كاذبون وخائفون وهم يريدون حماية أنفسهم. ومن يستمع اليهم هو مهزلة. منح داني بيتون في هذا الأسبوع مقابلة مطولة لعيدي مائير من الشبكة ب، حيث قال: إن الجندي هو مصدر الصلاحية. كل شيء في رأسه. إذا شعر بالخطر فمن حقه إطلاق النار من اجل القتل، بغض النظر عن الظروف. من المشكوك فيه أن هذا الموقف يلائم سيرة الجنرال بيتون أثناء خدمته في الجيش الإسرائيلي. والامر الأكثر خطورة هو أن هذا الموقف ينفي السلطة العسكرية. جيش بيتون المواطن ليس جيشا، بل مليشيا، والاكثر سوءاً هو أنه عصابة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف