الخليل، مدينة الآباء، هي جرح نازف. جام من عشرة انتقادات صُبّ على إسرائيل، تسعة منها، في الأيام التي لا يوجد فيها صدام مع «حماس» في القطاع، كانت من نصيب الخليل. ليس مهماً أن جزءاً من «الأحداث» بين سكان المدينة اليهود والفلسطينيين يعد للإخراج المسرحي. ليس مهماً أن قسماً من البيوت في المدينة هي ملكية يهودية، قديمة أم جديدة، شرعية تماماً. المهم هو أن الخليل أصبحت بؤرة النزاع في «المناطق»، تجتذب إليها كالمغناطيس كل ممثلي «منظمات الحقوق» من العالم ومن البلاد ممن يريدون أن يثبتوا أن إسرائيل هي دولة أبرتهايد. وهم لا يتجولون في جنين وفي أريحا. فهناك لا توجد أحداث. وإذا كانت توجد، فهي بالأساس لفلسطينيين ضد فلسطينيين. هذا لا يهم النشطاء. هم يبحثون عن أدلة على جرائم إسرائيل. ولكن الأعمى وحده لا يرى أنه توجد مشكلة. فمع 97 في المئة من الفلسطينيين و3 في المئة من اليهود، الواقع في الخليل بشع. هذه مدينة لن ينجح أي «إعلام» في تبرير ما يحصل فيها. هذه مدينة ظروف الحياة فيها توضح بأنه لا أمل في التعايش. ليس لأن كل يهود المدينة يتصرفون كالبرابرة وكل الفلسطينيين هناك ضحايا. لا أمل في التعايش لأنه لا يوجد كيان كهذا في محيط من السكان المعادين. في السويد لا يوجد احتلال ولا يوجد صدام. فالمسلمون استقبلوا بالترحاب، ورغم ذلك توجد مشاكل عسيرة الاحتمال. فعندما سعى إمام مالمو لإقامة أكاديمية إسلامية تكافح ضد سياقات التطرف، لم يرغب سكان المدينة اللطفاء في تأجير مكان له. فهم يخافون. وقد اضطر أن يقيم الأكاديمية في هوامش حي روزنجارد الإسلامي. وحسب تقرير شرطة السويد، تحول 55 حياً في أرجاء الدولة إلى أحياء إشكالية (no-go zone). غير أن ما يحصل في أوروبا لا يبرر ما يحصل في الخليل. لأنه في مالمو مثلاً يوجد جهد مشترك من السلطات ونشطاء الجالية الإسلامية لمكافحة العنف والتطرف. أما في الخليل فالوضع معاكس: معظم السكان الفلسطينيين يؤيدون «حماس»، والأمل في التعاون أو المشاركة يوجد في محيط الصفر المطلق. فهل على هذه الخلفية يتعين على إسرائيل أن تزيد الاحتكاك بين السكان؟ الجواب معروف. أعرف بعضاً من اليهود الذين يعيشون هناك. الكثيرون منهم يستنكرون العنف. فهو لا يجديهم نفعاً، بل يعرضهم للخطر. يريدون أن يصلوا إلى تعايش محتمل. أما الأمل في ذلك، كما أسلفنا، فصفر. غير أن المشكلة ليست فقط في السكان اليهود في الخليل بل في الحكومة أيضاً. فهي تنجر. وهي الآن تفكر بمنح ترخيص لإقامة حي يهودي آخر. يتبين أن الحكومة قررت أن تفاقم المشكلة. وهي توفر السلاح لأعداء إسرائيل. يرتبط التاريخ اليهودي بالخليل بحبال كثيرة جداً، ولكن في الظروف الناشئة في العقود الأخيرة، عندما ننظر إلى النزاع من خلال الخليل، وهذا ما يحصل في العالم، فإن كفاح كارهي إسرائيل يحظى بمزيد من النجاحات. والأمل في تغيير الوضع الراهن المشؤوم يقترب من الصفر. يمكن أيضا الافتراض بأن رئيس الوزراء يفهم أنه توجد مشكلة. فهو نفسه يملي سياسة شبه صفر بناء عام في معظم مناطق «يهودا» و»السامرة». والمستوطنون يشكون، وعن حق على ما يبدو، من تجميد البناء. وهذا يعني أنه حتى حكومة اليمين الحالية تحاول تقليص الأضرار، إلى أن يتعاظم ضغط مؤيدي مدرسة «دولة واحدة كبرى». وعندها تأتي لحظات استسلام الحكومة. فهي لا تصمد أمام الضغط. الاستيطان اليهودي في الخليل يسجل المزيد فالمزيد من الأهداف الذاتية في مرمانا. يتبين أن أحداً ما يخطط لنا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف