- الكاتب/ة : البروفسور زكي شالوم*
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2016-08-31
على خلفية الأعمال «الإرهابية» الفلسطينية المكثفة والضغوط الشديدة من جانب أوساط من اليمين السياسي في إسرائيل، يبدو واضحاً أن حكومة إسرائيل تتجه نحو تسريع أعمال البناء في المستوطنات وتوسيعها. ويتبين مما نُشر أخيراً أن هذه الحكومة صادقت على إيداع مخططات لإقامة 560 وحدة سكنية في معاليه أدوميم و240 وحدة سكنية في راموت وجيلو وهار حوما. كما تمت المصادقة على إقامة نحو 600 وحدة سكنية في جفعات هماتوس في القدس الشرقية. وقبل ذلك، كانت الحكومة صادقت على تحويل 82 مليون شيقل إلى المستوطنات في «يهودا» و»السامرة» وعلى إقامة 42 وحدة سكنية في كريات أربع. ورداً على هذا، أصدر الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية، جون كيربي، يوم 10 تموز الماضي، تعقيباً مفصلاً واستثنائياً للغاية في حدته جاء فيه: «إننا مطلعون على التقارير بشأن نية حكومة إسرائيل الدفع نحو إقامة مئات الوحدات السكنية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وإذا ما صحت هذه التقارير، فهي خطوة إضافية جديدة في ما يبدو أنه عملية منهجية متواصلة للاستيلاء على الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وشرعنة البؤر، وهو ما يقوّض بصورة جذرية فرص تحقيق حل الدولتين». وشدد الناطق الرسمي على أن الإدارة الأميركية تعارض هذه الخطوات المتعارضة مع عملية السلام. وأضاف أن الإدارة تشعر بالقلق حيال تخصيص أراض في الضفة الغربية للاستعمال الإسرائيلي الحصري، كما ذكّر ببيان اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط من تموز 2016 والذي أوضح أنه منذ اتفاقيات أوسلو [1993] ازداد عدد المستوطنين في «يهودا» و»السامرة» بأكثر من الضعفين، بل ازداد بثلاثة أضعاف في مناطق ج، ويعيش في مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية اليوم 570,000 مستوطن على الأقل. وعلاوة على هذا أقيمت أكثر من 100 بؤرة استيطانية «غير قانونية» في مناطق ج من غير تصريح رسمي من حكومة إسرائيل، ما يعني أنها غير قانونية حتى من منظور القانون الإسرائيلي نفسه. إن هذه الإجراءات، كما أوضح الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية، توجد خطر نشوء وتبلور واقع الدولة الواحدة وتطرح أسئلة جدية حول نيات حكومة إسرائيل للمدى البعيد. وقال إن الإدارة الأميركية تجري «مداولات حادة» في هذه المسألة مع القيادة الإسرائيلية، وإنها تناقش سبل مواجهة المعضلات التي تثيرها مع أعضاء اللجنة الرباعية وأصدقاء آخرين في المنظومة الدولية. يتجاهل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عادة، بيانات الإدارة الأميركية التي تعبر عن الاحتجاج على مصادقات البناء في المستوطنات، والتي غدت واقعا روتينيا خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في فترة ولاية الرئيس أوباما. لكنه اختار الرد هذه المرة بأسلوب التحدي والمواجهة: «نحن نعرف الموقف الأميركي»، قال، «فهو ليس جديداً وهو غير مقبول. فالبناء في القدس وفي معاليه أدوميم، مع كل الاحترام، ليس هو ما سيُبعد فرص السلام. ما يمنع السلام هو أولا وقبل أي شيء آخر، التحريض المتواصل ضد وجود دولة إسرائيل ضمن حدود آمنة أيا تكن، وقد آن الأوان لأن تقرّ أمم العالم قاطبة بهذه الحقيقة الأساسية والبسيطة». في 27 تموز 2016، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا إضافيا آخر أشدّ حدة، ضد أعمال الاستيطان الإسرائيلية. وبعد أن عدّد هذا البيان سلسلة من مصادقات البناء في «يهودا» و»السامرة، أكد المتحدث جون كيربي أن الإدارة «قلقة جداً» و»تعارض بشدّة» [هذه الأعمال] «المتعارضة مع هدف السلام» [والتي تجسد] «عملية منهجية لتنشيط وتوسيع أعمال الاستيطان التي تقوّض فرص تحقيق حل الدولتين». كما تطرق الناطق الرسمي إلى «العدد المتزايد باستمرار من المباني الفلسطينية التي يتم هدمها في مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي تترك عشرات الفلسطينيين، بمن في ذلك الأطفال والنساء، دون سقف أو مأوى». وذكّر الناطق بما أعلنته اللجنة الرباعية أن هذه الأعمال تجسد «عملية متواصلة من الاستيلاء على الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وتأهيل وشرعنة البؤر ومنع التطور الفلسطيني، بما ينطوي عليه ذلك من خطر تكريس واقع الدولة الواحدة والاحتلال الأبدي والمواجهة الدائمة». وهذه المرة رد على هذا البيان رئيس بلدية القدس نير بَرْكات. وفي ردّه، الذي يمكن الافتراض بأنه جاء بالتنسيق مع نتنياهو، رفض بركات الادعاء بأن الحديث يجري عن أعمال استفزازية. وقال بركات إن بلدية القدس تعمل على قاعدة موضوعية لصالح أبناء جميع الديانات في المدينة وتحافظ على حقوق سكانها، كما تفعل الولايات المتحدة بالضبط، تماما. في 10 آب 2016، وجهت إليزابيث ترودو، التي حلت مكان كيربي في منصب الناطق بلسان الخارجية الأميركية، نقداً صريحاً لنية حكومة إسرائيل هدم مبان فلسطينية في بلدة سوسيا. وأكدت الناطقة أن الإدارة الأميركية تنظر بقلق بالغ إلى هذه الإجراءات التي ستسبب ضررا جسيما للفلسطينيين المقيمين في المنطقة. وفي اليوم التالي أصدرت الناطقة بيانا احتجاجيا آخر حيال الأنباء حول نية حكومة إسرائيل إيجاد حل لمشكلة مستوطنة عمونه «غير القانونية» على أساس نقلها إلى مكان آخر من خلال مصادرة أراض فلسطينية خاصة. وقالت إن هذه الخطوة تعني عملياً إنشاء مستوطنة جديدة، وذلك بعد أن قامت الحكومة الإسرائيلية بشرعنة 32 بؤرة استيطانية غير قانونية خلال السنة الماضية بما يتعارض مع التزامها بحل الدولتين. لا شك في أن هذه التصريحات استهدفت نقل رسالة واضحة لا لبس فيها إلى إسرائيل فحواها ما يلي: إن مسألة المستوطنات بصفتها جزءاً من الجهود لدفع عملية السلام ما تزال «تضطرم في أحشاء» الإدارة الأميركية الحالية وستواصل الاشتغال فيها حتى انتهاء ولايتها القانونية. ومثل هذا الكلام بالروح نفسها قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن يوم 29 تموز2016. أكثر من هذا، تربط الإدارة الأميركية في بيانها الاحتجاجي التنديديّ بين البناء في القدس الشرقية والبناء في المناطق الأخرى من الضفة الغربية، فضلا عن ظاهرة البؤر الاستيطانية، وهي توضح عمليا أنها لا تعترف بصحة وشرعية الادعاء الإسرائيلي بشأن «تفاهمات» معها في مسألة حجم ومكان البناء الاستيطاني. وبالإضافة إلى هذا توضح تصريحات ممثلي ومسؤولي الإدارة الأميركية أنه حتى التدخل من جانب السلطة القضائية الإسرائيلية - التي تحظى بمكانة رفيعة ومحترمة على الصعيد الدولي إجمالاً - في مسألة المستوطنات لا يمنحها حصانة تجنبها التنديد من جانب الإدارة الأميركية. ينبغي النظر في دلالات هذه الرسائل من زاوية النظر الأميركية الداخلية ومن منظور العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فالرسائل التي توجهها الإدارة الأميركية في مسألة المستوطنات، وخاصة استعدادها للتحدي والمواجهة ليس في مقابل سياسة الحكومة الإسرائيلية فقط بل أيضاً في مقابل قرارات وإجراءات السلطة القضائية في إسرائيل أيضا تثير الاستغراب، وخصوصاً على خلفية إصدارها وتوجيهها في خضم معركة الانتخابات العاصفة للرئاسة الأميركية. وثمة احتمال ـ يمكن الافتراض بأن الإدارة الأميركية لا تتجاهله ـ لأن يقوم المرشح الجمهوري دونالد ترامب باستغلال هذه التصريحات للتدليل على تعامل غير ودي من جانب إدارة أوباما مع إسرائيل، أملاً منه في أن يؤدي هذا إلى تحويل أصوات ناخبين أميركيين لصالحه وخصوصاً من بين اليهود. في المقابل، من المحتمل في الظروف القائمة حاليا وعلى خلفية التقليد القديم والثابت بشأن دعم غالبية اليهود الأميركيين للحزب الديمقراطي وعلى خلفية النقد الشديد السائد بين اليهود الأميركيين إزاء سياسة الاستيطان الحكومية، أن الإدارة الأميركية تقدّر بأن أغلبية الأصوات اليهودية ستُمنح في كل الأحوال للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون المدعومة من قبل الرئيس أوباما. لكن فوق هذا قد تدل هذه التصريحات على توجه جديد لدى الإدارة الأميركية نحو تهيئة وتوفير الأرضية والشرعية الدبلوماسيتين ـ الأيديولوجيتين لامتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض [الفيتو] في مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يرسي قاعدة جديدة لتحريك عملية السلام تكون أقل راحة بالنسبة لإسرائيل. والمداولات التي تُجرى لدى الإدارة تتمحور حول مشروع قرار سيُعرض على مجلس الأمن بين تشرين الثاني 2016 وكانون الثاني 2017، في الفترة ما بين الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ومراسم تنصيب الرئيس الجديد، وهي الفترة المتحررة من ضغوط الانتخابات ومن الحاجة إلى أخذ أي اعتبارات انتخابية في الحسبان. بات من الواضح أن الرئيس أوباما يصل إلى نهاية ولايته بشعور ثقيل من الإحباط حيال فشله في تحريك العملية السياسية، وهي مسألة حظيت بأفضلية عليا من جانبه طوال فترة ولايته. وتصريحات الرئيس ومسؤولين آخرين في الإدارة الأميركية تدل بجلاء على إلقاء الجزء الأكبر من الذنب والمسؤولية عن الفشل على حكومة إسرائيل ورئيسها، وإن كانت السلطة الفلسطينية لا تخرج معفية تماما من المسؤولية. وتريد الإدارة الأميركية الحالية كما يبدو إنهاء ولايتها بعرض إنجاز يتمثل في وضع قاعدة سياسية جديدة لتحريك عملية السلام. يقع على عاتق حكومة إسرائيل واجب إدراك «جسامة اللحظة» والدلالات الخطرة وبعيدة المدى التي قد تترتب على اتخاذ قرار جديد في مجلس الأمن في ضوء نشوء واقع سياسي - استراتيجي جديد، من المؤكد أنه سيكون غير قابل للعكس أو الإصلاح وغير مريح لإسرائيل بتاتاً. لذلك وفي الظروف القائمة حاليا، يتعين على حكومة إسرائيل بذل جهد مركز ومكثف من أجل التوصل إلى تفاهمات مع إدارة أوباما بشأن مسألتي عملية السلام والمستوطنات. إن التهديد بـ»خطوات ردّ»، مثل ضم مناطق في يهودا والسامرة، وإلغاء الالتزام باتفاقيات أوسلو وبخطاب بار إيلان، إلى جانب تحويل موقف الإدارة الأميركية في هاتين القضيتين إلى موضوع خلاف في معركة الانتخابات للرئاسة الأميركية لن يخدم مصالح دولة إسرائيل في هذه الفترة. إن المكانة المستقرة والمتينة التي يتمتع بها رئيس الحكومة نتنياهو تمكّنه من إنشاء توازن قوى مختلف عن القائم في حكومته حاليا، إلى جانب إبداء الاستعداد لاتخاذ خطوات جدية وحقيقية من أجل تهدئة الخواطر في الإدارة الأميركية ومصالحتها. فالموضوع الإيراني لم يعد يشكل مسألة خلافية محددة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وكذلك الأمر بالنسبة لموضوع المساعدات الأمنية الأميركية لإسرائيل الذي يوشك على الحل كما يبدو. وهذا بالإضافة إلى أن حكومة نتنياهو نجحت حتى الآن، خلافا لما كان في الماضي، في إيجاد وبث انطباع عدم التدخل [الإسرائيلي] في معركة الانتخابات للرئاسة الأميركية. إن هذه الأمور كلها تزيد من فرص حكومة نتنياهو وقدرتها على تحقيق الهدف المهم المتمثل في إقناع الإدارة الأميركية بمنع اتخاذ قرار في مجلس الأمن الدولي بشأن العملية السياسية. عن «مباط عال» *باحث في «معهد أبحاث الأمن القومي»- جامعة تل أبيب.