خلال نقاش في لجنة مراقبة الدولة، تم في 23 تموز الماضي، تفاخر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بأن اسرائيل نجحت في الانتصار على «بي.دي.اس». رد نتنياهو بذلك على تقرير مراقب الدولة في ايار 2016، الذي تحدث عن الفشل في عملية الدعاية القومية، والتي يُعتبر نتنياهو مسؤولاً عنها في مواجهة المقاطعة. «عالج بي.دي.اس ولذلك فان مؤيدي المقاطعة في حالة دفاع عن النفس. انهم يتعرضون لضربات في ساحات عدة، انتصرنا عليهم»، أعلن نتنياهو. كانت هذه كما يبدو لحظة اخرى من الرضا عن النفس يقوم رئيس الحكومة بنشرها في مستوى عال في الاونة الاخيرة. لقد احرجت اقواله وزير الامن الداخلي، جلعاد اردان، الذي هو وزير الشؤون الاستراتيجية وكذلك مسؤولين في وزارته، لأنهم يعملون في هذه الايام على بناء مقر الوزارة مع ميزانية كبيرة وبلورة خطة شاملة لمحاربة «بي.دي.اس» وما يسمى «سلب شرعية» اسرائيل. اذا كان نتنياهو محقا فلا حاجة الى الوزارة التي تحاول تصوير حركة المقاطعة كتهديد كبير لاسرائيل. عمليا هذا هو الموقف المنهجي للحكومة كلها ورئيسها. الى أن ظهر في اللجنة، كان يمكن اخذ الانطباع، ان نتنياهو استبدل «بي.دي.اس» بايران بمستوى التهديد الحقيقي الوهمي لديه. في اسرائيل التي لغتها العسكرية، صورها وثقافتها، تتسرب الى المجتمع المدني، فان استعداد وزارة الشؤون الاستراتيجية لتحدي المقاطعة هو مثل مقاومة «الارهاب». وليس صدفة، أن المدير العام السابق للوزارة، رام بن براك، الذي كان تابعا لرئيس «الموساد» وخسر أمام يوسي كوهين في المنافسة على رئاسة المنظمة، اعتبر بي.دي.اس «ارهابا» من نوع آخر. وفي الاونة الاخيرة تبنت هذا الموقف مسؤولة الرقابة، العقيدة سيما فكنينغ غيل، وبغطاء كامل من الوزير جلعاد اردان. «نحن نريد إقامة وزارة جالية من المحاربين»، قالت مؤخرا. ايران في الخارج والـ»بي.دي.اس» في الداخل اقيمت وزارة الشؤون الاستراتيجية في العام 2006 كترتيب من اجل افيغدور ليبرمان الذي انضم مع حزبه «اسرائيل بيتنا» الى حكومة ايهود اولمرت. ومنذ ذلك الحين تحولت الوزارة الى عملة تنتقل الى التاجر، وتقدم للوزراء الذين لا توجد لهم وزارات مناسبة أو الذين بحاجة لأن يشعروا بأن وضعهم تحسن. خلال عقد من وجودها اتسعت وتقلصت مثل المطاط. وحين خرج ليبرمان في العام 2008 من حكومة اولمرت تم تفكيك الوزارة، ومع انتخاب نتنياهو لرئاسة الحكومة بعد عام فتحت من جديد. اغرى نتنياهو في حينه موشيه يعلون، الذي انضم الى «الليكود»، واراد وظيفة ليكودية تلائم مستواه العالي. خلال سنواته الاربع في الوزارة زاد يعلون من حجم العاملين، لكنها كانت لا تزال وزارة هامشية وزائدة. في العام 2013 اعطيت الوزارة كتعويض للمقرب من نتنياهو يوفال شتاينيتس. من اجل ارضاء شتاينيتس، الذي غضب بسبب ابعاده عن المالية حيث تم دمج وزارتين – المعلومات والاستراتيجية – في وزارة واحدة. وضع نتنياهو تحت مسؤولية الوزارة معالجة الاتصالات الدولية وجهود اسرائيل لافشال الاتفاق النووي بين ايران والقوى العظمى. كانت ايران على رأس اهتمام الوزارة، وعلى الهامش كان موضوع التحريض الفلسطيني ومقاومة حركة المقاطعة. مع اقامة الحكومة الحالية قبل سنة ونصف السنة انقسمت الوزارة من جديد: منحت المعلومات كتعويض لوزير المواصلات، اسرائيل كاتس، ووضعت الشؤون الاستراتيجية في يد وزير الامن الداخلي اردان. دخل اردان الوزارة، وتم تقليص عمالها الى سبعة، وبدون ميزانية للنشاطات – فقط الرواتب والمصروفات العامة. اردان هو شخص حكيم، فهم أن الاتفاق النووي اصبح حقيقة قائمة ولا حاجة لمحاربته. بل على العكس، من الافضل تحسين العلاقات مع الدول العظمى في حال اتضح أن ايران تخل بالاتفاق. احد الاهداف المركزية لـ»الموساد» هو متابعة تنفيذ الاتفاق النووي والكشف عن أي اخلالات اذا كانت كهذه. اذا تحسنت العلاقات وتكون لدى اسرائيل معلومات مؤكدة عن الاخلالات فستسمع القوى العظمى هذه الادعاءات. عندما نزل الموضوع الايراني عن برنامج العملي الدولي والاسرائيلي قرر اردان بأن وزارة الشؤون الاستراتيجية ستركز على الصراع ضد حركة المقاطعة وسلب الشرعية، إضافة الى العلاج الثانوي لموضوع التحريض الفلسطيني. يعمل عيدي مزراحي في الوزارة ومن الاستخبارات العسكرية سابقا يركز معطيات وينشر بشكل فصلي «مقياس التحريض». وقد حصل اردان في العام الماضي على وعد من نتنياهو ووزير المالية، موشيه كحلون، بالحصول على ميزانية 128 مليون شيكل من اجل النشاطات، اضافة الى ميزانية شاملة للرواتب والمكاتب والسيارات بمبلغ 44 مليون شيكل. في ظل وجود هذا الوعد كان على اردان أن يقرر اين سينفق المال. قبل نحو ثمانية اشهر عين فكنينغ غيل مديرة عامة، حيث بدأت بسرية في اقامة هيئة تنسق مواجهة الوزارة وباقي وزارات الحكومة والجيش والاستخبارات ضد الظاهرة. مفاهيم هذه الوزارة عسكرية ومحاربة، لذلك فان الصراع ضد حركة المقاطعة وسلب الشرعية تشارك فيه ايضا الاستخبارات. في نقاش حول الموضوع في بداية آب اوضحت غيل ردا على سؤال رئيس اللجنة للشفافية في الكنيست، عضو الكنيست ستاف شبير: «نريد ان يكون عمل الوزارة سرياً، حيث إن الامور حساسة، ولا استطيع أن اتحدث في جلسة عامة لماذا توجد حساسية... جزء كبير مما نفعله يتم تحت الرادار». بسبب رغبتها في الحفاظ على السرية فقد قدمت للجنة تفاصيل قليلة جدا حول نشاط الوزارة وخططها وقالت انها ستفعل ذلك في جلسة مغلقة للجنة الخارجية والامن. سلم الجهود البنية التي تتبلور هي حسب الصيغة التي وضعها بن براك. تنقسم الوزارة الى ثلاثة اقسام: استخبارات، وسائل اعلام، وتشغيل. وترفض الوزارة نشر الاسماء. جند 25 موظفا وعلى رأس قسم الاستخبارات محقق سابق في الجهاز الامني. وظيفته مثل ضابط الاستخبارات في جمع المعلومات والتي تصل جميعها من مصادر علنية، لكن بعضها يصل من مصادر سرية. تساعد الوزارة وحدات من الاستخبارات، حيث يوجد في الاستخبارات العسكرية وحدة من اجل هذا الموضوع، وايضا يساهم «الشباك» في الصراع. في مؤتمر «يديعوت» حول موضوع مقاومة «بي.دي.اس»، الذي تم مؤخرا طرح اردان موقفه من هذا الامر. قال ان وزارته تحارب المنظمة وفروعها وان اسرائيل انتقلت من الدفاع عن النفس الى الهجوم. «سنعمل كل شيء من اجل الكشف عن نوايا (بي.دي.اس) الحقيقية، من يقف وراءها، ومن يمولها من اجل ان يفهم العالم نواياهم. في القريب سيعرف كل نشيط فيها أنه سيدفع ثمن ذلك. هذا صراع على الشرعية وعلى حق وجود دولة اسرائيل كدولة للشعب اليهودي»، قال الوزير. مع ذلك وحسب موقف اردان فان وزارة الشؤون الاستراتيجية يجب ان تعمل مثل السلطة الوطنية للطوارئ في وزارة الدفاع: كهيئة تنسيق بين من يعملون أو يجب ان يعملوا في هذا الامر، وتشغيل كل من يقدر ان يساعد في مقاومة المقاطعة. احدى الساحات المهمة في مقاومة حركة المقاطعة هي الرأي العام، وهذا ما تقوم به وزارة الخارجية منذ زمن، حيث اخذت منها هذه المهمة. بدأت وزارة الشؤون الاستراتيجية، بمساعدة وزارة السياحة ومنظمات يهودية وغير يهودية في الخارج، تمويل زيارات من يسمون «صانعي الرأي العام» لاسرائيل في الامور المختلفة من صحافيين، اصحاب مدونات، ممثلين سينمائيين، وقادة اتحادات مهنية. والهدف هو التأثير على وعيهم. واحيانا يتم الحديث عن نفقات كبيرة خصوصاً عند الحاجة الى تغطية تكاليف الطائرة للشخصيات المشهورة ووضعهم في اجنحة في الفنادق الفاخرة. كل ذلك يتم بالتوازي مع جهود وزارة الخارجية لاقناع الحكومات بمنع تشريع مقاطعة اسرائيل. وهناك عدة دول سنت قوانين تمنع فرض المقاطعة على اسرائيل. لذلك يعتقدون في وزارة الشؤون الاستراتيجية ان اسرائيل بحاجة الى سن قانون كهذا. في المقابل، كتاب القوانين فيه قانون سن في 2010 بمبادرة عضوي الكنيست، زئيف الكين، وداليا ايتسيك، ينص على ان كل دعوة علنية للمقاطعة، سواء ثقافيا او اكاديميا، هي اجحاف مدني يعتبر ذريعة لدعوى تعويض عن الاضرار وايضا دعوى جنائية، والعقوبة هي غرامة. لكن المدعي حسب هذا القانون سيحصل على التعويض فقط اذا ثبت انه تضرر ماليا. وكما هو معروف لم تقدم حتى الآن أي دعوى ضد شخص أو منظمة بناء على هذا القانون. «هذا قانون تحريضي ويجب استبداله»، قال مصدر رفيع في الوزارة. ولكن حتى يتم سن القانون فان الطريق طويل ويمر بوزارة العدل والمستشار القانوني للحكومة والكنيست ومحكمة العدل العليا. نشاطات اخرى بادرت اليها الوزارة هي استخدام رافعات الضغط والتأثير من اجل اقناع الشركات بعدم مقاطعة اسرائيل. اعمال من هذا النوع ترتبط ايضا بتشغيل منظمات يهودية مؤيدة لاسرائيل في الولايات المتحدة مثل الايباك او حركة الطلاب اليهود. ايضا هذا النوع من الاعمال له حساسية معينة لان حكومة اجنبية على علاقة به (اسرائيل) التي تحاول العمل والتأثير على منظمات وافراد في دول اخرى. في السطر الاخير، كل تلك هي خطوات قانونية واعتيادية يمكن تسميتها دبلوماسية جماهيرية. ملفات مظلمة في آذار الماضي اتهمت «بي.دي.اس» الاستخبارات الاسرائيلية بالمسؤولية عن مجموعة من هجمات السايبر ضد موقعها في الانترنت. في تلك الفترة هدد متحدث غير معروف باسم أبو نبيل، بالهاتف، عائلة المحامية الفلسطينية ندى كسوانسون في السويد. وقبل حوالي ثلاثة اسابيع نشرت عميره هامس مقالا في «هآرتس» حول هذا الموضوع. كسوانسون تملك جوازي سفر اردنيا وسويديا وتعمل في منظمة حقوق الانسان الفلسطينية «الحق» وهي حلقة الوصل مع محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. كسوانسون وزميل فلسطيني لها هدد هو الآخر قدما قبل المكالمة الهاتفية باسبوعين تقريرا ودعوى من اجل التحقيق بشبهات بجرائم الحرب في احداث «يوم الجمعة الاسود» في رفح، اليوم الاخير من عملية «الجرف الصامد». في ذلك اليوم قتل الكثير من الفلسطينيين (100 حسب «حماس»، 41 حسب الجيش الاسرائيلي)، نتيجة القصف المدفعي والطائرات القتالية والمروحيات في اعقاب خطف هدار غولدن من قبل «حماس» التي ما زالت تحتجز جثته الى الآن. في اعقاب التهديدات ابلغ المدعي العام في هولندا أنه سيبدأ التحقيق. لم يعلن احد مسؤوليته عن الحادثة ضد المحامية الفلسطينية، ولم يتطرق احد لادعاءات «بي.دي.اس» بأن الاستخبارات الاسرائيلية تحاربه في السايبر. ولكن ليس سرا أن وزارة الشؤون الاستراتيجية وجهات استخبارية اسرائيلية، تساعد في الصراع ضد حركة المقاطعة، يناقشون ويدرسون عددا من الوسائل التي يمكن استخدامها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف