لا يوجد في إسرائيل أي يسار راديكالي. فيسار كهذا هو يسار فوضوي واحيانا ارهابي، مثلما في اوروبا وأميركا اللاتينية. في خارطة اسرائيل يعتبر اسحق هرتسوغ «يسارا» ويائير لبيد «وسطا» – الاثنان يمين معتدل – وما يعتبر يسارا راديكالا هو اليسار الوحيد القائم هنا، وهو يسار معتدل. وكل ما تبقى هو 50 لونا من اليمين بموافقة قطيع مخيفة والقليل من الخلافات الحقيقية. يتفق الجميع على كل الحروب، ويتجنّد الجميع ضد الانتقاد الدولي، ولا يثير الاحتلال ايضا المعارضة الناجعة. انظروا الى الامر الغريب: داخل هذه المادة الملتصقة والموحدة، الاقلية التي تفكر بشكل مختلف والتي تتلاشى، تنجح في كسب الكراهية والغضب الى درجة تبدو فيها كأنها تهدد بأن تكون الاغلبية. إن غضبا كهذا يمكن أن يشير الى أمر واحد فقط هو عدم الثقة لدى الاغلبية في صدق طريقها. إن الحد الفاصل ليس اليسار أو اليمين، بل الصهيونية، تلك القيمة المضللة وغير المحددة والأنانية التي انتهى زمنها والتي تميز بين الاسرائيليين الشرعيين واولئك الذين ليسوا كذلك. تقول أنا «صهيوني»، فأنت غير متطرف. هذا جميل، لقد أنقذت نفسك. تقول أنا «لست صهيونيا»، فأنت خارج المعسكر. للأسف قد تتلاشى. عندما تكون الصهيونية عقيدة فان الكفر بها هو خيانة. وكل من يتجرأ على زعزعة صلاحية الصهيونية، كما تراها الاغلبية، هو يسار راديكالي غير شرعي. ومؤخرا هو يعتبر مجرما ايضا. لقد أضيف الآن اتهام آخر، أصعب من كل الاتهامات، وهو أنه بسبب اليسار الراديكالي فان اليمين موجود في السلطة. الفرق الضئيل نفسه في المجتمع الاسرائيلي يخلق التفكير الشاذ في مقابل الجوقة الموحدة والمنتشرة، وهو الذي يخلد سلطة اليمين. لا توجد أي طريقة لمطاردة المنطق المتلوي لهذا الادعاء، لكن آري شبيط قام بطرحه («اليسار الراديكالي ينتحر»، «هآرتس»، 29/8). صحيح أن شبيط يعتبر اليسار «اخوانه واخواته»، كم هذا مؤثر – أنا شخصيا لي أخ واحد وهو ليس شبيط – ايضا «يتألم لسقوطهم»، ولحسن حظهم. وعلى الرغم من ذلك فان اليسار الراديكالي مقطوع عن الواقع، وهو مقطوع عن الفخار الاسرائيلي، وقد تراجع في وجه الفلسطينيين. والذروة في أنه أقدم على الانتحار، وهو الآن يقوم بمساعدة اليمين من اجل أن يقتلنا جميعا. شخصان ونصف تقريبا متهمان بكل شيء. بنيامين نتنياهو في الحكم، بسبب اسحق ليئور. وميري ريغف بسبب ايلانا همرمان. وهرتسوغ بسبب عنات مطر. 800 ألف مستوطن بسبب زئيف شترنهل. عودة الى الواقع: كان هنا انتحار هو انتحار اليسار الصهيوني الذي فقد طريقه وتحول الى تقليد رخيص لليمين. عمليا هو كان هكذا دائما. ولم يكن بالامكان منع موته: اليمين سيبقى دائما يمينا أفضل منه، ودائما يتفوق الأصل على التقليد. إن اليوم الذي أسس فيه اليسار الصهيوني مشروع الاستيطان هو اليوم الذي أعلن فيه عن انتحاره. غولدا مائير ويسرائيل غليلي وموشيه ديان ويغئال ألون وشمعون بيريس هم الذين قاموا بشنق اليسار ونصبوا اليمين. وورثتهم أعلنوا عن الموت. ليس هناك لليسار الراديكالي أي دور في ذلك. إنه يستحق التقدير لا النصائح الاخلاقية، لا سيما من شبيط. إنه الجناح الوحيد في اليسار الذي يقول الحقيقة ولا يقوم بتزوير الصهيونية. والحقيقة هي أنه فقط بسبب اليسار الصهيوني (واليمين بالطبع) تم تفويت فرصة حل الدولتين، الذي لم تكن اسرائيل تقصده بشكل جدي ولو للحظة. والحقيقة هي أن الديمقراطية تناقض اليهودية، وبالعكس. والحقيقة هي أنه بقي خيار واحد من خيارين، إما الديمقراطية وإما الابرتهايد. هل هذا انتحار سياسي؟ يحتمل. احيانا تكون هذه هي الطريقة الوحيدة التي بقيت. هذه هي الحقيقة. واليسار الراديكالي فقط هو الذي يقولها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف