لكن كما ذُكر أعلاه، فإن الإسرائيليين على شاكلة يسسخاروف، يعتبرون أن الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية، يعيشون في فراغ ولا يتأثرون بالممارسات الإسرائيلية، من استيطان ونهب أراض وتقييد حرية التنقل وحواجز عسكرية وإهانات واقتحامات للأقصى، وفي الوقت نفسه عجز السلطة الفلسطينية على مقاومة هذه الممارسات. هؤلاء الإسرائيليون يعرفون ما الذي تفعله ماكينة الاحتلال بالفلسطينيين، لكنهم يعتبرون أن هذه ممارسات شرعية، ومن حق إسرائيل اقترافها بسبب الحجة الممجوجة: الأمن.
وانطلاقا من هذا المفهوم، أشار يسسخاروف، إلى أن 'منسق أعمال الحكومة (الإسرائيلية) في المناطق'، يوءاف مردخاي، 'حذّر قيادة السلطة من أن الذهاب إلى انتخابات قد يكون رهانا خطيرا. لكن رئيس السلطة أبو مازن أصر على إجراء الانتخابات في موعدها من أجل إظهار ولو أدنى حد من الديمقراطية في المناطق'.
وكان المحلل العسكري في صحيفة 'هآرتس'، عاموس هرئيل، قد أشار إلى الأمر نفسه، قبل ثلاثة أسابيع، وكتب أن معظم قادة السلطة الفلسطينية وحركة فتح يبدون واثقين من أنهم سيفوزون في الانتخابات. 'في عدد من اللقاءات التي عُقدت مؤخرا، حذر مسؤولون إسرائيليون نظراءهم في السلطة من أنهم مبتهجين أكثر مما ينبغي وأن معسكر عباس قد يُمنى بهزيمة. وحماس قد تستغل الانتخابات وتعزز تأثيرها السياسي في الضفة وتقوض بشكل أكبر مكانة السلطة ورئيسها المسن'.
ووفقا للمحلل العسكري في صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، أليكس فيشمان، فإن التقديرات في إسرائيل هي أن حماس ستفوز بالانتخابات البلدية في مدينة الخليل والبلدات المحيطة بها وتلك الواقعة في جنوب جبل الخليل، وفي جنين ونابلس وقلقيلية. 'وفي طولكرم يوجد انعدام يقين، لكن يتوقع مفاجآت سلبية كثيرة أخرى'.
واعتبر فيشمان، في مقاله الأسبوعي في 5 آب الفائت، أن حملة الاعتقالات التي نفذتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وطالت قرابة 70 ناشطا في حماس، كانت 'مجرد البداية. لكن اعتقال ناشطي الحركة ليس ضمانا بالضرورة للجم قوتها. ففي بداية العام الحالي، حاولت السلطة منع فوز الكتلة الإسلامية في انتخابات مجلس طلبة (جامعة) بير زيت، واعتقلت قسما كبيرا من الناشطين، ورغم ذلك فشلت في مهمتها'.
إلا أن هرئيل وفيشمان أشارا إلى أنه سيكون بإمكان إسرائيل التدخل في هذه الانتخابات والتأثير على نتائجها، لكنها تتحسب من انتقادات دولية لخطوة كهذه ومن اتهامها بمنع سير عملية انتخابية ديمقراطية.
*خطط عسكرية إسرائيلية في الأدراج
في مقاله الأسبوعي الأخير، يوم الجمعة الماضي، كانت لهجة فيشمان أكثر تصعيدا. وتناول في هذا المقال عدة قضايا أمنية تتعلق بقطاع غزة والغارات الإسرائيلية الشديدة عليه، مطلع الأسبوع الماضي، وإيران وحزب الله وسورية وكذلك الانتخابات البلدية الفلسطينية. وبدت بصمة المصادر في الجيش الإسرائيلي واضحة للغاية في هذا المقال.
وفيما يتعلق بموضوع هذه السطور، كرر فيشمان أنه يتوقع أن تفوز حماس في قسم من المدن في الانتخابات البلدية في الضفة. 'برئاسة بلدية قلقيلية، على سبيل المثال، يتوقع أن يفوز مرشح حماس، الذي لا توجد علاقات معه، ومع أمثاله'. أي لا توجد لسلطات الاحتلال علاقات مع مرشحين من حماس أو بعض الذين تدعمهم حماس، لأن هذه الحركة لن تخوض الانتخابات البلدية بمرشحين مباشرين عنها وإنما من خلال دعم مرشحين وتحالف معهم.
وأردف فيشمان أنه 'في ظروف كهذه ثمة احتمال لوجود تهديد مباشر على المستوطنات المحاذية للمدن التي ستستولي عليها حماس (بالانتخابات). وفي موازاة ذلك، توجد إمكانية لحدوث صدام داخل المجتمع الفلسطيني واشتعال الشارع. والصورة الأمنية الإسرائيلية حيال الضفة ستتغير. وستتركز الأجندة على مواجهات عنيفة بأحجام واسعة في الضفة. والشعور بالقوة النسبية الذي نعيشه اليوم، والذي هو جزء من نافذة الفرص، سيُمحى كليا. وهذا الثقب الأسود أصبح موجودا خلف الزاوية'.
وأضاف فيشمان أن 'موضوع الانتخابات القريبة في الضفة مطروح مؤخرا، وفي أحيان متقاربة، في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، في مكتب وزير الأمن وفي مجلس الأمن القومي. وإلى جانب تقدير الوضع بشأن التبعات المتوقعة، تجري مداولات مبدئية طوال الوقت حول السؤال: هل ينبغي على إسرائيل التدخل، ومحاولة إرجاء موعدها؟ والقرار في إسرائيل، حتى الآن، هو عدم التدخل. ورغم ذلك، تتجه العيون في هيئة الأركان العام وقيادة الجبهة الوسطى، طوال الوقت، نحو تلك الأدراج التي تنام فيها خطط الطوارئ التي تدربت قوات في الجيش عليها خلال العام الماضي لمواجهة احتمال تفجر أوضاع شامل في الضفة'.
*نتنياهو والانتخابات الفلسطينية
لفت محلل الشؤون الأمنية، ران أديليست، في مقال في صحيفة 'معاريف'، في 13 آب الفائت، إلى 'حالة الذعر الحالية التي تنتاب جهاز الأمن الإسرائيلي في أعقاب الإعلان عن إجراء الانتخابات المحلية في الضفة والقطاع'. وأضاف أنه 'بحسب وزراء الحكومة الإسرائيلية، هذا الختيار، أبو مازن، هو فرخة منتوف ريشها تارة وداعم للإرهاب تارة أخرى، شريك أمني تارة ومحرض تارة أخرى. كل شيء متعلق بالمصلحة الآنية للمتحدث'.
وكان وزير 'القدس والتراث' الإسرائيلي، زئيف إليكين، المقرب جدا من نتنياهو، أعلن مؤخرا أن 'أبو مازن ليس ذا صلة بالواقع والسلطة انهارت عمليا، وعلينا أن ندخل إلى مراكز المدن في الضفة والبدء بالسيطرة عليها. ورأى أديليست أن 'هذه صيغة المستوطنين للآية التوراتية ’لتمت نفسي مع الفلسطينيين’. أي تنفيذ عمل نابع من عجز كامل أمام واقع تهزم فيه القوى الدولية (المؤيدة) للدولة الفلسطينية موقعا تلو الآخر لدولة إسرائيل (في الحلبة الدولية)'.
ووصف أديليست الممارسات الإسرائيلية منذ حرب العام 1967 بأن 'إسرائيل تمارس ضد الفلسطينيين سياسة الجزرة، منح ’تسهيلات’ و’حكم ذاتي’، والعصا، سلب أراضي وحكم عسكري وضغط وحشي. وهذا غباء عنيف ومتواصل ويتحطم كل مرة على صخرتي الواقع: الأولى داخلية، انتفاضة وعمليات تلحق الأذى بالجانبين؛ والثانية خارجية، شرعية للفلسطينيين ونزع شرعية عن إسرائيل'.
لكن أديليست اعتبر أن كل الممارسات الإسرائيلية متركزة في في أمر واحد، وهو الصراع بين نتنياهو ورئيس حزب 'البيت اليهودي' على زعامة اليمين. 'وانتصار حماس في الانتخابات التي ستجري بعد شهرين من شأنها أن تشكل طعنة سيف قوية في الشريان الرئيسي لنتنياهو وليبرمان'.
وأوضح أديليست أن 'المشكلة الهستيرية لدى الاثنين هي أنه حان الوقت لتنفيذ تعهد بتسهيلات ميدانية (للفلسطينيين) مُنحت للولايات المتحدة والفرنسيين والسعوديين والأمم المتحدة. وانتصار مؤيدي حماس، المؤكد تقريبا، سيحول نتنياهو إلى بطة هدف لدى بينيت، الذي سيصف حكومة إسرائيل كمن تدعم الإرهاب الحماسي (نسبة إلى حماس). هذا هو سبب الذعر'.
ووفقا لأديليست فإن 'طُعم نتنياهو هو محاولة إحباط الانتخابات. من أجل منع بينيت من الرقص على ’الاستسلام' للإرهاب الحماسي أكثر مما هو من أجل إنقاذ أبو مازن، الذي يضع فجأة شروطه لإجراء الانتخابات، من خلال ضمان انتخاب عدد من رؤساء البلديات المسيحيين. ولا شك في أن المصلحة الإسرائيلية هي انتخاب أنصار أبو مازن، وتلتقي هنا مصالح نتنياهو وأبو مازن في إحباط انتخابات حقيقية. والمشكلة هي كيف يمكن إجراء حملة تضليلية لانتخابات يراقبها العالم ميدانيا بواسطة مندوبين من دول عديدة؟'.
وأشار هذا المحلل إلى محاولة إسرائيل، وتحديدا محاولة وزير الأمن في حينه أريئيل شارون، الفاشلة في تنصيب بشير جميل رئيسا للبنان في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. بعد هذا التنصيب جرى اغتيال الرئيس وحل مكانه شقيقه أمين جميل، الذي رفض الاعتراف بالتفاهمات بين إسرائيل وشقيقه.
وأضاف أديليست أنه 'نشهد عملية مشابهة في الضفة الآن. والفرق هو أن الشاباك يسيطر ميدانيا هنا وليس الموساد، كما أن الجيش الإسرائيلي ليس متفقا مع نتنياهو، وليبرمان لا يُحسب. والرجل الذي يحسم الأمر من أجل إحباط حماس في الانتخابات هو نداف أرغمان، رئيس الشاباك. وإذا تقرر أن تجري الانتخابات تحت ’عصي الجيش الإسرائيلي’ وإذا تمت المصادقة على خطة الشاباك، فإنها متعلقة بموافقة الجيش الإسرائيلي الذي لديه أجهزة استخبارات وأبحاث خاصة به. (رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي) غادي آيزنكوت كان السكرتير العسكري لشارون بعد أن فشلت خطة الأخير في لبنان. وبالإمكان الافتراض أنه ربما تعلم آيزنكوت شيئا عن حدود القوة'.
وأشار المحلل إلى أن 'الأمل الوحيد لدى من يرى بأية إشارة إلى وحدة فلسطينية تهديدا لسلامة إسرائيل، هو أن تخوض حماس وفتح حربا أهلية عنيفة. هذا حصل ويمكن أن يحصل. وفي انتخابات تشرين أول ستثبت الحركتان ما إذا تعلموا هم ونحن الدرس'.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف