وزارة الدفاع، وللدقة الحكومة، ستدفن في الأرض 600 مليون شيكل كي تهدئ الضمير، وتسد أفواه سكان غلاف غزة وتسكت النقد على قصورات معالجة الانفاق.
قبل بضعة أشهر كشف زميلي ناحوم بارنيع النقاب عن قرار الحكومة اقامة عائق جديد حول قطاع غزة: بضع عشرات الامتار في عمق الارض، اسمنت، مجسات وما شابه ستشكل النهاية لعصر الانفاق. لقد جرى الحديث عن استثمار هائل بمبلغ 2.7 مليار شيكل، بهدف استكمال المنظومات التكنولوجية لاكتشاف الانفاق التي ستصل ذات يوم الى النضج العملياتي والتغطية عليها في حالة الفشل.
لقد توجهت وزارتا الدفاع والمالية للمهمة وكل واحدة منهما ساهمت بـ 300 مليون شيكل لبدء الاشغال في مقطع صغير نسبيا. المقطع الاول هو تجريبي ايضا، وعليه فهو اغلى بضعة أضعاف من مقاطع العائق التي ستأتي بعده. حتى هنا إدارة منطقية. ولكن من هنا عادت وزارة الدفاع الى طريقة "توكل" التقليدية: سيكون على ما يرام. نبدأ، وهذا يتدبر من تلقاء نفسه. ولكن لا شيء يتدبر، لأنه لا يأتي من أي مكان – لا في كتاب الميزانية للسنتين القريبتين، لا في ميزانية وزارة الدفاع ولا في مخططات المالية – أي مخصص مالي لمواصلة الاشغال.
عندما ستنتهي الاشغال على المقطع الاول بنجاح، ستصدر عطاءات لثلاث شركات بناء كبرى لاستكمال عائق بطول 60 كيلومترا حول قطاع غزة. وسيتعين على الشركات التي تفوز أن تشتري معدات خاصة من الخارج، وكلها تعتقد بانه ما أن تصدر الاشارة حتى يبدؤوا بالحفر. خطأ. فجأة سيتبين انه لا يوجد مال، وانه خلف الحماسة الاولية، لا يتطوع احد في وزارة الدفاع أو المالية لتمويل استمرار الاشغال. الناطق بلسان وزير الدفاع مقتنع – ردا على سؤالنا – بان الجواب المالي سيصدر في وقت ما، باتفاق بين مكتب رئيس الوزراء ومكتب وزير المالية. وعلى حد قوله، فان وزير الدفاع يعمل على اقرار الميزانية. هراء.
من المشكوك فيه ان يكون أحد ما في مكتب وزير الدفاع، بما في ذلك الوزير، يعرف كم من المال استثمر حتى اليوم في جدار الفصل في الضفة. إذاً لعلمكم: حتى اليوم استثمر في نحو 500 كيلومتر من الجدار نحو 13 مليار شيكل، فيما أنه من أجل صيانة الجدار يستثمر كل سنة بضع مئات ملايين اخرى. ولكن الجدار لا يبرر الاستثمار لأنه لم يستكمل على طول 280 كيلومترا في جنوب جبل الخليل، في منطقة غوش عصيون، حيث إن التسلل الى اسرائيل يتواصل بلا معيق.
تذكير: على اقامة الجدار في الضفة قرر اسحق رابين في 1995، وبدؤوا يبنونه في 2002 في اعقاب كارثة العمليات "الانتحارية". بناؤه، كما أسلفنا، لم ينتهِ – وهذا بالضبط ما سيحصل في غزة. سنبقى عالقين مع عائق على طول بضعة كيلومترات وسيستمر الجدال: هل البناء سيمول من ميزانية الدفاع، إذ ان هذه حرب ضد "الارهاب"، أم من ميزانية الدولة، إذ ان الحديث يدور بزعم وزارة الامن عن مشروع وطني؟
وبالمناسبة، يلوح رئيس الوزراء بمشروع الجدار على الحدود المصرية. يجدر بالذكر ان المشروع نفذ بعد عشر سنوات من توصية الجيش به لاسباب امنية. ولم يصدر الامر الا عندما نشأت المشكلة السياسية للمتسللين.
بعد أن دفعت الضريبة اللفظية باهظة الثمن عن الجدار في القطاع، يبدو أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع يصليان لتتوقف "حماس" عن الحفر بطريق المعجزة، أو تتبخر الانفاق. متى سيجدان المال؟ عندما ستقع - لا سمح الله - مصيبة، وبالاساس اذا كانت لها آثار سياسية داخلية. في هذه الاثناء يدفنون مئات الملايين في الارض، وتواصل "حماس" الحفر في نقاط اخرى على طول الحدود.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف