قبل ثلاث سنوات ونصف السنة تسلم جون كيري مهماته كوزير للخارجية الأميركية. ومثل أسلافه الخمسة الذين سبقوه، سارع إلى اعلان استعداده لتوظيف الوقت والجهد من أجل الدفع قدماً باتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني يعتمد على مبدأ الدولتين. وعندما سُئل لماذا يظن أنه سينجح أكثر من الذين سبقوه، أعطى كيري جواباً أميركياً نموذجياً: « لأننا سنبذل جهداً أكبر». وفي الواقع بذل كيري في هذا الموضوع جهداً أكثر من كل الذين سبقوه، لكنه مثلهم قرر قبل سنة أن يرفع يديه ويستسلم. بناء على ذلك، فإن حل النزاع لا يتعلق بالعمل الجاد فقط. وفي الفترة الأخيرة تزايدت الشائعات بشأن رغبة بوتين في المبادرة إلى عقد اجتماع بين نتنياهو وأبو مازن. ومثل هذا اللقاء ممكن لأنه لا أحد يرغب في أن يهين بوتين، لكن ليس هناك أي فرصة بأن يؤدي مثل هذا النوع من الاجتماعات إلى تحريك عملية حقيقية تنهي النزاع إذا لم يجر طرح أفكار أخرى غير حل «الدولتين». والصعوبة لا تكمن في الاستعداد للعمل الشاق، أو بالقدرة على عقد لقاء قمة، بل تكمن في أنه منذ 23 عاماً هناك خطة واحدة فقط مطروحة على الطاولة، وهي ليست جذابة بما فيه الكفاية للطرفين. تستند خطة الدولتين إلى خمسة افتراضات: الأول، أن حل النزاع يجب أن يكون ضمن نطاق المساحة الواقعة بين نهر الأردن والبحر؛ والثاني، أن الحل يتطلب قيام دولة عربية جديدة مع كامل صلاحيات الدولة؛ والثالث، عدم وجود تطابق بين الرغبة الفلسطينية الحقيقية في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وبين تطلع الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة؛ الافتراض الرابع، أن غزة والضفة الغربية يجب أن يشكلا جزءاً من كيان سياسي واحد بخلاف الوضع الفعلي حالياً على الأرض؛ الافتراض الخامس، أن جميع الدول العربية المعتدلة مهتمة جداً بمثل هذا الحل وستساعد على دفعه قدماً. إذا ما كان هناك طرف دولي - سواء كان بوتين أو ربما الإدارة الأميركية المقبلة - يرغب حقاً في الدفع قدماً بحل النزاع، فإن عليه أن يتجاهل الافتراضات الأساسية - المغلوطة التي ترافقنا منذ زمن طويل، وأن يحاول تحليل كل البدائل الأخرى. إن المبادرة الدولية للبحث مجدداً في حل النزاع هي أمر حيوي، لأنه ليس هناك فرصة لمبادرة إسرائيلية مهما كانت خلاقة، لأن تصبح أساساً لأي نقاش. إن الأمر الذي يحسم في العلاقات الدولية ليس مضمون الصفقة بل طريقة توضيبها- والجزء الأكثر أهمية في التوضيب هو هوية الموضِّب، أي الشخص الذي بادر إلى تقديم الخطة. وكلما كان المبادر إلى طرح الخطة مهماً جداً ويعتبر داعماً لمواقف الطرف الآخر، سيكون من السهل على الطرف الآخر أن يفحص المبادرة بجدية. ومن هذا المنطلق فإن تدخلاً روسياً يمكن أن يكون تجديداً منشطاً شرط ألا يدخل الروس مجدداً في الفخ الذي وقع فيه الأميركيون ويحاولوا أن يفرضوا على الطرفين القبول بخطة «الدولتين». وحتى لو وافق الفلسطينيون على الاجتماع من دون شروط مسبقة، ولو جرت الموافقة على مفاوضات على أساس حل الدولتين، فإن نهاية العملية ستكون المزيد من الإحباط، أو الأخطر من ذلك- انتفاضة ثالثة. لقد قال ألبرت أينشتاين ذات يوم: «من الجنون القيام بالأمر عينه مرة بعد أخرى وانتظار نتائج مختلفة»، لقد حان الوقت للتفكير بحلول أخرى.
*رئيس أسبق لشعبة الاستخبارات الإسرائيلية

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف