هذا ما ظهر من شريط الفيديو بعد مونتاج وكالة «معاً»: الجنود فوق سطح البيت القريب، جندي واحد على السطح السفلي، اثنان فوق الشرفة في الشقة التي فوقه، واثنان آخران ينظران من نافذة الشرفة. عدد من الفتيات والاولاد ينظرون اليهم من السطح المجاور، هدوء مطبق. فجأة يرفع الجنديان أيديهما باشارة الى شيء ما، ويقوم أحدهما بتصويب سلاحه ويبدأ باطلاق النار، يسقط محمد العمصي مصابا على سطح منزله، ويبدأ بالزحف للنجاة، من اجل النزول عن السطح، الى أن قام الطاقم الطبي بانزاله بوساطة سلم وأخرجه من هناك. لم يكن العمصي يحمل أي شيء بيديه باستثناء الهاتف المحمول. ولم يكن وجوده يشكل خطرا على الجنود على السطح المقابل، على بُعد 80 مترا منه. صوب الجندي نحوه وأطلق النار، رصاصة تلو الاخرى، وكلها اخترقت جسده، كف يده مغطاة بالدم ويظهر مصدوماً وهو يتلوى من الألم. مرت بضعة اسابيع منذئذ، والعمصي نائم في صالون بيته فوق سرير متحرك حصل عليه من جمعية خيرية فلسطينية تشبه «يد سارة» الاسرائيلية. العمصي شاب أنيق، مبتسم وهادئ، وبيت عائلته جميل مقارنة بمخيم اللاجئين الفقير الذي يعيشون فيه، مخيم الفوار، والذي يشبه المخيمات في غزة التي لا تبعد كثيرا عن هناك. في 16 آب اقتحم مئات الجنود المخيم تحت جنح الظلام، وخلال أقل من 24 ساعة أصابوا عشرات السكان وقتلوا شخصا واحدا، كانت الغنائم مسدسين قديمين. وقد وصفت عميره هاس هذه العملية («طوق أمني، قتيل وعشرات المصابين من اجل مسدسين»، «هآرتس»، 19/8). حسب المتحدث بلسان الجيش، هذا الاسبوع، كان هدف الحملة «الافشال والحاق الضرر بخلايا الارهاب في ارجاء المخيم»، وشمل ذلك «التمشيط من اجل الوصول الى الوسائل القتالية واعتقال خمسة مطلوبين». وقيل ايضا إنه «تم اطلاق النار على الجنود اثناء الحملة، وحدث إخلال بالنظام العام شمل رشق الحجارة والطوب وعشرات العبوات والزجاجات الحارقة. وردت قوات الجيش بوسائل تفريق المظاهرات واطلاق النار». في المخيم هم على قناعة بأن هدف الاقتحام كان فقط من اجل تدريب جنود الجيش الاسرائيلي. كانت عشية عيد الاضحى عندما وصلنا الى المخيم. وفي الملحمة المحلية تجمع السكان وانتظروا حصتهم من الجزار. الجيش الاسرائيلي لا يكثر من اقتحام المخيم المكتظ – كثير من السكان يعيشون على كيلومتر مربع واحد – ومنذ ذلك الاقتحام لم يعد الجنود الى هناك. العمصي (22 سنة) هو ابن خباز المخيم، ابراهيم العمصي، الذي يعتبر مخبزه الاول من بين مخابز الفوار منذ تأسس هذا المخيم في الخمسينيات. تعلم العمصي تجميل الوجوه، لكنه يساعد والده كخباز. وهو يعمل ورديتين على مدار الاسبوع، ولم يسبق أن اعتقل أو اشتبه بشيء. وفي الطابق الموجود فوق الصالون يتم بناء شقته التي من المفروض أن يسكن فيها عندما يتزوج ويقيم عائلة. وهو الاكبر من بين الاولاد الستة للعائلة. كف يد العمصي مضمدة، وقدماه مصابتان من اطلاق النار والعمليات الجراحية. ويعاني من الآلام الشديدة. وليس من الواضح بعد اذا كان سيستطيع المشي أو اذا كانت يده ستعمل من جديد. الآن هو يمشي على قدم واحدة بصعوبة ويعتمد على العكازات. يوم اقتحام الجيش الاسرائيلي للمخيم أيقظه اخوته في الساعة السادسة والنصف صباحا: الجنود اقتحموا المخيم في الثالثة والنصف فجرا، وفي هذه الساعة انتشروا في أزقته وسيطروا على عدد من منازله. واعتقد سكان المخيم في البداية أن القوات الكبيرة جاءت لهدم منزل محمد الشوبكي، الذي طعن جنديا اسرائيليا، وقتل فيما بعد، لكن تبين بسرعة أن للجنود اهدافا مختلفة. صعد سكان المخيم على الاسطح لمشاهدة ما يحدث، وهذا ما فعله العمصي ايضا. ويوجد لمنزل العمصي سطحان: الاول مع دربزين وفوقه سطح بدون دربزين يوجد عليه خزان للمياه ولاقط للاقمار الصناعية. وقد صعد العمصي على السطح العلوي لرؤية الوضع بشكل أوضح. وعلى سطح المنزل المجاور، الذي كان محصنا أكثر، تركزت الطواقم الصحافية. وفي الشارع الرئيسي حدثت اشتباكات مع الجنود وتم رشقهم بالحجارة، لكن هنا في أعلى التل الذي بنيت عليه المنازل ساد صمت. حسب تحقيق «بتسيلم»، الذي أجراه موسى أبو هشهش، سيطر الجنود على نحو 30 منزلا وأجروا التفتيش في 200 منزل وفتحوا الثقوب في الجدران من اجل القناصة. يزحف من اجل الخلاص في حوالي الساعة التاسعة صباحا تحدث العمصي مع الصحافيين على السطح المجاور. وفجأة سمع أحد الجنود الذي كان موجوداً على شرفة منزل قريب وهو يتحدث معه بالعربية: «أين تريد أن تحصل على ذلك؟». وفهم العمصي الرسالة وخاف. وهو يقول إنه لم يسبق هذا التهديد أي شيء. كان الشارع هادئا ولم يفعل العمصي أي شيء قد يُفسر كتهديد على حياة الجنود البعيدين حوالي 80 مترا في خط هوائي. والده ابراهيم على قناعة بأن الجنود أطلقوا النار على ابنه من اجل الاستعراض أمام طواقم التصوير. اسماعيل النجار، صديق العمصي، سأل من السطح المجاور: «ماذا قال لك الجندي؟»، لكن العمصي لم يُجب. فبرمشة عين رأى الجندي وهو يصوب نحوه السلاح ويقوم باطلاق النار. ثلاث رصاصات متتالية اصابت قدميه وخاصرته. وعندما رفع يده نحو مطلق النار وصرخ: «كفى، كفى»، أطلق الجندي رصاصة اخرى أصابت كف يده. وقد كانت هذه رصاصات «روجر». إنهم لم يقتلوه. حاول العمصي ايجاد مخبأ فوق السطح المكشوف، لكن دون فائدة. وفي فيلم «معا» يظهر وهو يزحف من اجل الخلاص. بوساطة سلم من الحديد، قديم، خفت من استخدامه في هذا الاسبوع، هو الوسيلة الوحيدة للصعود والنزول من وعلى هذا السطح، قام الممرضون باخراجه بشكل ما من هناك الى أن وصلوا الى سيارة الاسعاف التي قامت بنقله محاولة تجاوز الطرق التي يوجد فيها الجنود الى المستشفى الاهلي في الخليل. كان وعيه مشوشا. وقيل في المستشفى إن هناك اصابة في الاوعية الدموية. ولتجنب بتر قدمه كانت ثمة حاجة الى نقله الى مستشفى عالية في الخليل، ولأنه لم يكن هناك مختص بالاوعية الدموية تم نقل العمصي في المساء الى المستشفى الحكومي في رام الله وهناك تم اجراء عملية جراحية له. بقي العمصي يرقد في مستشفى رام الله مدة عشرة ايام، وما زالت احدى الرصاصات توجد عميقا في جسمه، والاطباء لا يعرفون اذا كانوا سيستطيعون اخراجها أم لا، لهذا قد يضطرون الى ارساله الى الاردن لاجراء عملية له هناك. وفي وعاء من البلاستيك بالقرب من سريره احتفظ بالشظايا التي تم اخراجها من جسده. وهو الآن يتناول خمسة أنواع من مُسكنات الألم. تركنا العمصي في سريره وصعدنا الى سطح المنزل. بعد أن اصابه الجنود ببضع ساعات قتلوا صديقه الشاب محمد أبو هشهش (19 سنة) الذي خرج من مدخل بيته وقتل على الفور. قام الجنود باطلاق النار من ثقب في حائط أحد المنازل القريبة، ومنذ ذلك الحين بقي ذلك الثقب والى جانبه لافتة رسمت عليها صورة الشاب كنصب تذكاري. ومن المشكوك فيه أن يكون هناك شيء أوجب قتله، مثل اطلاق النار على الخباز الشاب من الفوار.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف