شاب مستلقٍ على سرير في قسم العناية المركزة في مستشفى وولفسون. والدته تجلس على مدخل الغرفة وهي تفكر بيأس بنهاية ابنها الذي اسمه مالك. في 23 أيار فجر الجنود في الليل بوابة منزله في بيت لحم، ومنذ ذلك الحين هو في الاعتقال الاداري دون محاكمة. منذ 16 تموز الماضي بدأ إضرابا مفتوحا عن الطعام ولم يأكل أي شيء. في 9 ايلول فقد وعيه. ويوم السبت عاد الى الحياة، لكنه ما زال يرفض تناول الطعام وأخذ الأدوية طالما لم يتم إلغاء اعتقاله. وقد احتفل بعيد ميلاده الـ 19 في زنزانة العزل التي وضع فيها بعد اعلانه الاضراب عن الطعام. يقف والده في الممر وهو شاحب ومصدوم ويظهر الألم على وجهه والدموع تبلل قميصه. قبل بضعة ايام تم تعليق الاعتقال الاداري لمالك القاضي بأمر من المحكمة. لم يُلغ القرار بل تم تعليقه بسبب وضعه الصحي. فهو يحتضر. والآن حتى يشفى أو يموت فهو ليس معتقلا. ورغم ذلك يقف شرطي على مدخل غرفته ويمنع دخول أي شخص ليس قريبا من الدرجة الاولى. يتحدث مالك مع أمه يسرى بصعوبة، بألم وبهمس بطيء. الأم متألمة، وحينما تقوم بالبكاء يقول لها إنه لن يتراجع عن قراره، هو لا يريد الموت، بل العكس، إنه يريد أن يعيش ولكن بحرية. الضيف غير المسموح له بالزيارة، لماذا يُمنع من زيارته؟ قوة الانسان أمام المستحيل. الخشية من الموت، وكيف يستطيع شاب في الـ 19 التغلب على هذا الخوف وحده. المارة الذين لا يكفون عن الاهتمام بالامور اليومية، وقوة هذا العمل الذي يستطيع اخضاع أقوى الانظمة القمعية. اذا مات مالك فعلى العالم أن يعرف أنه كان يمكن منع موته. وقبل موته، ولاجل منع موته، فانه يجب أن يتحول همسه المتألم لأمه الى صرخة تعمل على تشويش النظام. في الغرفة المجاورة يوجد محمد البلبول، وهو معتقل اداري مضرب عن الطعام فقد بصره بسبب الاضراب. وشقيقه محمود مضرب عن الطعام ايضا ويتم علاجه في قسم العناية المكثفة في مستشفى آساف هروفيه. وكلاهما ايضا على شفا الموت. والد مالك يسير ذهابا وإيابا في الممر، وهو يضع يده على صدره. ويقول لنفسه ولمن يحيطون به وللمارة مقاطع تشبه التي تُقال في الصلاة: «اذا كان عندكم شيء ضده فحاكموه، وليذهب الى السجن، حاكموه». صلاة الأب هذه منطقية، والمنطق مغرٍ، لكن ذلك دعوة يأس من الانسان الذي يشارف عالمه على الانهيار. وأمله هو أنه اذا تم اتهام ابنه واذا عرف على ماذا تم اعتقاله، فهو سيأكل. ليس هناك أب في العالم لا يريد انقاذ حياة ابنه بأي ثمن. يجب عدم التظاهر بالسذاجة. فمالك ومحمد ومحمود ومئات المعتقلين الاداريين لا يختلفون عن آلاف المعتقلين الفلسطينيين الآخرين في السجون الاسرائيلية، اولئك الذين تمت محاكمتهم، وقول «يا اسرائيل، حاكمي أو أطلقي السراح» يعني الاعتراف بحق اسرائيل بادارة حياة الفلسطينيين بالقوة العسكرية والمحاكم العسكرية لأن القضاة هم ضباط اسرائيليون بالزي الرسمي. لا. لا تُحاكمي يا اسرائيل. ليس لك الحق في ذلك. أطلقي السراح.



لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف