لا تميل القصص القومية في العادة إلى الاعتراف بالدور الذي تقوم بلعبه جهات خارجية في تحقيق حرية وسيادة الأمة. تسري هذه الامور على الدول القومية ذات الشعوب الصغيرة التي كانت محرومة من الاستقلال السياسي على مدى مئات السنين ولا يمكن وصف انبعاثها في العصر الحديث دون ذكر التدخل العميق للقوى العظمى. صحيح أن الشارع المسمى على اسم الرئيس الأميركي، وودرو ولسون، الذي ساهم بشكل حاسم في تأسيس جمهورية تشيكوسلوفاكيا الاولى، هو من الأوردة الرئيسة لبراغ. واسم وزير الخارجية البريطاني، اللور آرثور جيمس بلفور، حيث إن الرسالة التي ارسلها إلى اللورد روتشيلد التي وضعت الاساس القانوني السياسي لقيام دولة اسرائيل، تعلق فوق منزل رئيس الحكومة في الدولة اليهودية. ولكن من طبيعة الاشياء فان القومية تعطي الجهات الخارجية الايجابية المكان الثاني على الاكثر في الرواية القومية، على شكل إعطاء مرجعية خارجية للسياسة القومية المستقلة التي يطبقها "الشعب" بقواه الذاتية فقط. هذا هو ملخص القصة التي يحب روايتها في الآونة الاخيرة، الكثيرون من بين الاقلية الاسرائيلية الذين يعارضون الاحتلال والاستيطان، وحسب موقفهم الذي عبر عنه نتسان هوروفيتس في مقاله "دون أميركا"، هآرتس، 20/9، فان استمرار الاحتلال يرتبط برغبة الشعب في اسرائيل، في الوقت الذي يشاهد فيه كل العالم بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص ما يحدث في حيينا الاسرائيلي الفلسطيني، ولا يمكننا الرهان على التدخل الغربي والأميركي الخارجي من اجل تقسيم البلاد. سيحدث هذا الامر فقط عندما نقوم نحن الاسرائيليين بالاعتراف بأن السيطرة على شعب آخر هي أمر سيئ وضار من الناحية السياسية والاخلاقية لمستقبلنا، ونقرر وضع حد لمشروعنا الكولونيالي القومي المسيحاني المتطرف الذي تُعتبر اسرائيل هي فقط المسؤولة عنه. ينشئ هذا الموقف صورة مشوهة للعلاقات بين الشعوب. لا أحد يختلف على أنه ليس جون من نبراسكا ولا تانيا من ألاسكا يقفان من وراء اقامة وازدهار مشروع الاستيطان. ولكن مثلما أنه قبل 100 سنة لم يكن باستطاعة حركة قومية تابعة لأقلية صغيرة أن تنبعث دون التأييد السياسي لقوة عظمى، هكذا ايضا لا تستطيع دولة قومية صغيرة، هي قوة عظمى بالمفاهيم الإقليمية، أن تستمر في الاخلال بشكل علني ومنهجي بالقانون الدولي دون غطاء فعلي من منقذي العالم. إن من يصف السلوك الغربي بشكل عام وسياسة الولايات المتحدة بشكل خاص في التغاضي عن الاحتلال يخطئ الحقيقة. جهاز العقوبات الذي استخدم مثلا ضد روسيا وضد فلاديمير بوتين، التي هي على حق بسبب السياسة الهجومية وغير القانونية في اوكرانيا، هذا الجهاز لا يستخدم في حالة الاحتلال الاسرائيلي، ليس بسبب عدم مبالاة أميركا، بل نتيجة تأييدها الفعلي لاسرائيل المحتلة والاستيطانية. اضافة الى ذلك، هي تستخدم الفيتو بشكل تلقائي ضد كل قرار يندد بالاستيطان في مجلس الامن، حيث إن الحديث يدور عن تعبير واضح للفعالية السياسية الدبلوماسية. نشطاء السلام، الذين يعتبرون الولايات المتحدة العنوان لتوجيه جهود النضال ضد الاحتلال والمستوطنات، لا يعتبرون بأنه دون تغيير عميق في الوعي الاسرائيلي لن يحدث أي تغيير في الوضع الكولونيالي الحالي، ولا يأملون ذلك، وبأنه بدل الرغبة القومية السيادية للاسرائيليين يأتي "ضغط أميركي" أو "تدخل أميركي". بل على العكس، هم يطلبون من الولايات المتحدة وقف التدخل الخارجي لصالح الكولونيالية الاسرائيلية. هذا التدخل الذي لم يتوقف أبداً يسبب الضرر الكبير لمستقبل اسرائيل القومي لأنه يشجع الاسرائيليين على الاستمرار في استهلاك المزيد والمزيد من سم السيطرة على شعب آخر، السيطرة التي تهدم الاسس القانونية والسياسية والاخلاقية لدولتهم. وفي الوقت ذاته، فُرضت هذه الخطوة على السياسة الأميركية من جهات داخلية، ليس لها أية صلة بمستقبل دولة اسرائيل، كما كان بالامكان رؤية ذلك للمرة الألف من رسالة 88 سناتوراً لبراك اوباما. تدعو هذه الرسالة الرئيس لفرض الفيتو على كل قرار أحادي الجانب في الموضوع الاسرائيلي الفلسطيني – أي، على سبيل المثال، بغض النظر عن مدى عدالة قيام الدولة الفلسطينية فان السناتورات يعملون بتشجيع ودعم من اللوبي المؤيد لاسرائيل "الايباك"، ويجب على الولايات المتحدة معارضة ذلك، أي أن الاعتبارات الانتخابية الأميركية الداخلية، التي ليس لها صلة بالمصالح الاسرائيلية، هي التي تقدم للولايات المتحدة المبرر للحفاظ على الوضع الخارجي الذي يسمح لاسرائيل بالغرق أكثر فأكثر في الوحل الكولونيالي. واذا امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو على قرارات تندد باسرائيل كونها تحرم الفلسطينيين من حق تقرير مصيرهم القومي فان المفارقة هي أن اسرائيل ستحصل على السيادة الحقيقية أخيرا. فدون التنفس الاصطناعي للشرعية السياسية والاخلاقية لاسرائيل المحتلة والمعتدية والقمعية من قبل القوة العظمى الأقوى في العالم، سيحتاج الاسرائيليون اليهود، لاول مرة في تاريخ دولتهم القومية، إلى مواجهة نتائج افعالهم. نأمل أنه بعد 2 تشرين الثاني من هذه السنة وفي مسافة الزمن المصيري بين انتخاب الرئيسة أو الرئيس الأميركي الجديد وبين انتهاء ولاية الرئيس الحالي في 20 كانون الثاني 2017، فان كل المواطنين الاسرائيليين الذين يعارضون الاحتلال، وهم قلقون على مستقبل الدولة الأخلاقي بسبب استمرار استعباد الفلسطينيين القومي، أن يقوموا ويطالبوا الرئيس الأميركي بـ "كفى للفيتو المهين. اسمح لنا بأن نصلح بأيدينا الإجحاف الذي نسببه يوميا لشعب آخر، كي نستطيع العودة إلى عائلة الشعوب".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف