حتى وقت قريب كنت واثقاً بأنه لا يوجد شيء أكثر ثباتا من الأرض التي تحت أقدامنا. سواء اهتزت أم كانت مستقرة، فهي لا تذهب الى أي مكان. اما الان فيتبين أنني اخطأت. فقارة استراليا لا تكف عن الحركة. في العام 1994 عدل خبراء الخرائط وحركوا الخارطة 200 مترا كاملة، وهذا لم يجدِ نفعا. فهي لا تزال تتحرك. عليّ أن اعترف بان الانباء عن استراليا أثارت فيّ احساسا خفيفا من الصدمة الوجودية. قبل ذلك وجدت صعوبة في أن اسلم بمذهب مركزية الشمس، الذي يقرر بانه في مركز منظومتنا الشمسية توجد الشمس وليست – مثلما فكر آباؤنا واجدادنا، بالكثير من العقل السليم والقليل جدا من المعرفة الكونية الثابتة – الكرة الارضية. ولكن حراك القارات هذا أين سينتهي؟ وبيأس بحثت عن شيء ما ثابت، لا أجده بعد بضعة أشهر في مكان مختلف. لم يكن هذا سهلا، ولكني وجدته. ثمة شيء ما بقي ثابتا حتى حين يكون كل شيء (بما في ذلك استراليا) يتحرك. سياسة دولة اسرائيل في عهد نتنياهو- اعترفتُ بيني وبين نفسي- هو الامر الاكثر ثباتا في العالم. في المحيط تحدث تغييرات دراماتيكية في كل مكان: تغير الشرق الاوسط تماما. تحطمت دول، صعدت جماعات قومية ودينية أو هبطت. اختفت قوى سياسية رأى الجميع فيها جزر استقرار. زالت مخاطر، وولدت آمال. أما سياسة اسرائيل فلم تتحرك ميلمترا واحدا. في الشرق انهارت الشيوعية، سقطت روسيا في ايدي عصبة فاسدة من كبار الاغنياء والبيروقراطيين السابقين. اخترعت الصين شيوعية رأسمالية، وسياسة اسرائيل؟ على حالها. في غربي أوروبا مؤشرات الى تغيير راديكالي في الفكر نشأ هناك بعد الحرب العالمية الثانية، وفي الولايات المتحدة تحدث تغييرات ديمقراطية من شأنها أن تهز من الاساس الطبقة البيضاء التي سيطرت فيها منذ قيامها قبل 240 سنة. وعلى كل هذه التغييرات ترد اسرائيل بثلاث لاءات: لا لتعديل أي فكر، لا لتعديل أي سياسة، لا لتعلم أي درس. وها هو أساس السياسة الاسرائيلية للقراء الذين لم يفتحوا الملاجئ في السنوات الاخيرة: اسرائيل هي دولة كاملة. تعبير «فيللا في الغابة» لا يعبر عن بهائها الاخلاقي، الثقافي والحضاري. اسرائيل كما شرح نتنياهو (الذي هو وزير اعلام اكثر مما هو رئيس وزراء) في مناسبات مختلفة، ومؤخرا في خطابه في الامم المتحدة، هي الدولة المتطورة في العالم من كل النواحي. لسنا فيللا في غابة بل جنة في الجحيم، إذ ان باقي امم العالم تتميز بخليط من الغباء، التعطش للدم والازدواجية الاخلاقية. كل الادعاءات ضدنا (عن الاستعباد المستمر لشعب آخر، سحق حقوقه، سلب أراضيه والخرق المنهاجي للقانون الدولي) هي كذب. بمعنى، مع أن الحقائق صحيحة، لكن الاستنتاج مع ذلك كاذب، لان الرب أعطانا البلاد واعطى بيبي الحكم كي يقاتل ضد النازيين الذين يخلعون ويرتدون شكلا مختلفا – في هذه اللحظة، مثلا، واضح أن الفلسطينيين هم النازيون، محمود درويش هو يوليوس شترايخر، وابو مازن هتلر – وسيمنع الكارثة بأثر رجعي. محظور عرقلة نتنياهو من أن يحكم، إذ له فقط اعطيت القوة لتغيير الماضي. الاستنتاج النابع من هذه المبادئ هو الاساس للسياسة الاسرائيلية: لا حاجة للاستماع للاغيار، إذ إنهم أغبياء ومحبون لشرنا؛ لا حاجة للثقة بالعرب، إذ إنهم نازيون؛ لا حاجة للتعاطي مع اليساريين، إذ إنهم يحاولون منع بيبي من تغيير الماضي، ويعتقدون ايضا بان العرب هم بنو بشر، وهذا دليل على أنهم خونة يكرهون اسرائيل ويكرهون أنفسهم. ماذا نعم؟ مواصلة الاستيطان ومواصلة التصويت لنتنياهو. إذا فعلتم هذا، فسيسود النظام في العالم، واستراليا ستكف عن الحركة. من يؤمن لا يخاف. وبالنسبة للباقين، لهم كل الأسباب للخوف.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف