نمور، غزلان، قرود وحيوانات أخرى تم إنقاذها بسلام من الأسر المزدوج في قطاع غزة، حيث نقلت، الشهر الماضي، الى حدائق اخرى للحيوانات في دول أخرى وفي طولكرم. هذه هي الانباء الجيدة من السجن الاكثر اكتظاظا في العالم. هذا لم يكتب تهكماً. فالحيوانات حصلت على الحرية. واذا تم حبسها من اجل إسعاد الاطفال ستكون على الأقل في مكان واسع. ولن تتعرض للموت البطيء بسبب قلة الغذاء والماء. تميّو السجانون في مكتب منسق شؤون «المناطق» في وزارة الدفاع كالعادة بإخراج الأنباء الجيدة الى الصحف، صورا ومقابلات. «هذه المرة ايضا تم نقل القرود بسبب ظروف الحياة الصعبة في القطاع، الامر الذي لا يسمح بالاهتمام باحتياجاتها الطبيعية»، هذا ما جاء في اعلان منسقة شؤون «المناطق» في نهاية الاسبوع. وقد أشارت على لسان موظفين قاما بتنسيق إخراج الحيوانات: «الاهتمام بالحيوانات خارج القطاع سيكون أكبر، الامر الذي سيجعلنا نعمل من اجل هذا الهدف في كل مرة من جديد». من المسموح خروج القرود. ولكن الناس لا، كما قال الغزيون. وهم لم يفقدوا حس الدعابة والابداع، لكن غزة تستمر في الغرق. وفي نصف السنة الأخير شددت اسرائيل على تصاريح الخروج التي هي مشدد عليها في الأصل بذريعة أن «حماس تستغل من يخرجون» من أجل ارضاء الجمهور الاسرائيلي. تقارير جمعية «اطباء من اجل حقوق الانسان» وجمعية «غيشه»حول مرضى السرطان، الذين لا يُسمح لهم بالخروج لتلقي العلاج، ورجال الاعمال الذين يُمنعون من الخروج، تحظى باهتمام أقل من الاهتمام بالحيوانات. يبدو أنه ليس للسجانين أي حس اخلاقي. وهم لا يدركون صدى جورج أورويل «1984» الكامن في تصريحاتهم. وكمن يطبق سياسة الحصار المنبثقة عن الحكومة، فان مكتب منسق شؤون المناطق يتحمل ايضا المسؤولية عن نشوء ظروف «الحياة الصعبة» وغياب «العلاج الصحي الجيد» للسكان في غزة. لأن اسرائيل تسعى منذ 25 سنة الى فصلهم عن الحل السياسي للدولة الفلسطينية وعن باقي أبناء شعبهم وعن العالم. وهي تمنعهم من العيش بجهدهم الذاتي وتمنع التصدير من غزة، والانتاج غير ممكن، وكذلك لا يمكن ايجاد اماكن للعمل. غزة تغرق في المجاري لأن اسرائيل لا تسمح بدخول المضخات ومواد البناء الحيوية لتوسيع المواقع الموجودة أو اقامة مواقع تصريف جديدة. المياه غير صالحة للشرب لأن اسرائيل تفرض على غزة نظاما متشددا على المياه، حيث تختلط مياه الشرب مع مياه الصرف الصحي، بدل ضم القطاع لشبكة المياه القطرية وتعويض السكان هناك عن المياه التي تسرقها من الفلسطينيين في الضفة. وليس من الصعب التكهن بكمية الغذاء القليلة والامراض التي تنتج عن التقاء الفقر والبطالة وتلوث البيئة. العلاج الصحي في غزة متدن، للبشر وليس فقط للحيوانات. لأن الاطباء لا يُسمح لهم باستكمال دراستهم في الخارج، واسرائيل لا تسمح بدخول الاجهزة الطبية المتقدمة أو صيانة الاجهزة الموجودة. والحصار الاقتصادي والانقسام بين غزة ورام الله هما المسؤولان عن غياب الأدوات والادوية. واضافة الى الظروف البيئية المتدنية هناك تأثير خطير ومتراكم لعشرات آلاف الاطنان من الذخيرة المتقدمة والذكية والغبية التي قامت اسرائيل باسقاطها على غزة في الـ 15 سنة الأخيرة. التأثيرات غير معروفة، لكنها مؤكدة ومخيفة، حيث إن المواد الخطيرة تشربتها التربة في غزة. ولم نتحدث بعد عن الحالة النفسية للسكان الذين يعرفون أنهم يعيشون فقط على الهامش دون أمل قريب في التغيير. لأن العالم الذي يتفاخر بالتنور يقف مكتوف الأيدي.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف