الخطاب الهابط للرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أثار انتقادات واسعة، حتى أن البعض وصفه بأنه شكل تراجعاً عن خطابه العام الماضي الذي لوح فيه بإمكانية التحرر من إلتزامات الإتفاقات الموقعه مع إسرائيل، إذا لم تلتزم بها تل أبيب. في هذا الخطاب، أقر عباس أن إسرائيل لا تلتزم الإتفاقات، وأن السلطة تلتزمها من جانب واحد، وأكد (خلافاً للعام الماضي) تمسكه بها، وتمسكه بالعملية السياسية في إطار تطبيقات أوسلو، رغم إعترافه في الوقت نفسه أن إسرائيل هي التي تعطل هذه العملية السياسية وأنها إستبدلتها باللجوء إلى إجراءات ميدانية من طرف واحد، تهدد مصير العملية السياسية وتغلق الطريق أمام «حل الدولتين» الذي ما زال عباس متمسكا به، بإعتباره الحل الذي تتبناه الرباعية الدولية.
خطاب رئيس السلطة الفلسطينية حفل بالنداءات إلى المجتمع الدولي. نداء للضغط على إسرائيل لوقف الإستيطان. ونداء لوقف إجراءات التضييق على تحركات الفلسطينيين في الضفة. ونداء للولايات المتحدة يدعوها لتسهيل إنعقاد مؤتمر باريس لإستئناف العملية السياسية. ونداء آخر لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وأرضه في مواجهة الإحتلال والإستيطان. في هذه النداءات تكرار لمواقف سابقة، دون أن تتقدم فيها السلطة الفلسطينية خطوة عملية واحدة، فلا قيمة لمثل هذه النداءات، خاصة الموجه منها إلى الأمم المتحدة، إذا لم تتحول إلى مشاريع قرارات إلى مجلس الأمن الدولي و إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. منذ نيسان (إبريل) للعام 2015، والرئيس عباس ومساعدوه يتحدثون عن عزمهم على التقدم بمشاريع القرارات هذه إلى المنظمة الدولية في أقرب فرصة ممكنة. وحتى هذه الساعة لم تحن هذه الفرصة فيما يزداد إلتهام إسرائيل للأرض الفلسطينية وتنبت في أنحاء الضفة، مئات الشقق الإستيطانية، وتقوم سلطات الإحتلال بالمقابل بهدم عشرات المنازل الفلسطينية بذريعة أنها مخالفة للقوانين (الإحتلالية). ولا تتقدم السلطة الفلسطينية بخطوة عملية واحدة، لا في إعادة النظر في أسس وآليات تعاونها الأمني وتبعيتها الإقتصادية لإسرائيل، ولا في تقديم الشكاوي إلى المحافل الدولية المعنية، كمجلس الأمن، ومحكمة الجنايات الدولية ومحكمة لاهاي، هذا دون أن يغيب عن بالنا الوضع المتدهور في قطاع غزة خلف أسوار الحصار الإسرائيلي البري والبحري والجوي.
البعض ربط بين هبوط الموقف السياسي للرئيس عباس، وبين الأزمة المالية الخانقة التي تعانيها السلطة الفلسطينية، وأنه رغب ألا يشوش في خطابه، على التحرك الفرنسي لعقد مؤتمر باريس، وتحركات الجهات المانحة والمؤسسات المالية الدولية، لحل الأزمة المالية للسلطة والتي وصل العجز بموازنتها حتى الآن إلى 1,3 مليار دولار، مما يهدد حتى بموقف صرف مرتبات الموظفين المدنيين والعسكرين.
ليس الخطاب في الأمم المتحدة هو وحده الذي هبط هذه المرة، بل وكذلك مستوى القضايا المدرجة على جدول أعمال القيادة الفلسطينية. فبدلاً من البحث عن حلول للقضايا الجوهرية (الخلاص من الإحتلال والإستيطان) أصبح الهم توفير مرتبات حوالي 190 ألف موظف فلسطيني ينوبون عن الإحتلال من إدارة شؤون المناطق المحتلة. ويعفونه من إعباء هذه الإدارة وتكاليفها المالية والسياسية والأخلاقية. حتى بات، بإعتراف عباس نفسه، «إحتلالاً بلا كلفة» وأصبحت السلطة بالمقابل «سلطة بلا سلطة».
فمتى يحين الزمن الذي تتولى فيه القصية الفلسطينية قيادة تملك من الإرادة السياسية والشجاعة الوطنية ما يمكنها حقيقة من قيادة السفينة الفلسطينية إلى بر الأمان؟

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف