لم نوزع السجائر، ولم أكن في عملية «عنتيبة»، ولم أتلق اتصالات هاتفية من السائق أو من جحا المصور، ولم أحظ بأخذ صورة معه أو حتى رؤيته في الواقع. ما أذكره هو صباح في الصف الثامن حيث لم استيقظ في الوقت المحدد وكانت لي مشاكل في المدرسة. نعم كان هذا صباحا غير لطيف. أبي الذي تشوشت افكاره بسبب انفجار الحافلات في فترة اوسلو، في اليوم السابق صوت لليمين. بشرني أنه خلال الليل حصل انقلاب دراماتيكي: خسر شمعون بيريس في الانتخابات لصالح بنيامين نتنياهو. كان بيريس بالنسبة لي، ولمعظم أبناء جيلي، رائعا جداً مع ماضي خسارة وحاضر مليء بالشعارات التي يُستخف بها حول التطوير الاقليمي والنانو تكنولوجيا. ومع ذلك، فان هذه الأنباء طمست مشاكل الصف الثامن، وجعلتني أشعر بالخيبة الكبيرة التي فاقت ما جاء بعد قتل اسحق رابين. الشخص الذي هو في مقتبل العمر يفهم أحيانا أن شيئا كبيرا قد حدث، حتى لو لم يفهم بالضبط ما هو. لا تأخذي الامر بهذه الجدية، أبي قام بمؤازرتي أمام الباب، كما فعل منذ ذلك الحين بعد كل انتخابات، حيث لم يعد يصوت لليسار. الناس لم يفهموا في حينه، وبعضهم لا يفهمون اليوم ايضا، أن المجتمع الاسرائيلي الذي شعر بالحداد الكبير على رابين اختار طريق القاتل. إن كليشيه «ذهبنا للنوم مع بيريس واستيقظنا مع نتنياهو» يقوم بمدح الواقع. نحن لم نستيقظ من هذا الكابوس بعد عشرين سنة، وجيل الآباء تنازل عن الأمل بالسلام («هذا ليس هو الوقت»، «لا يوجد شريك»)، وركز على بناء الرخاء الاقتصادي ومهام أخرى مثل الاهتمام بالاولاد وشراء الشقق واحداث الضباب الايديولوجي. ممثلوه: بنيامين نتنياهو وايهود باراك، الجيل التالي، بتعميم فظ، يهتم بشؤون حياته أو بالايديولوجيا، أو بالانفصالية وعدم تعزيز الهوية. إن اليأس، والانقسام، والقبلية، الخلافات والانقسامات هي معايير وقيم لا يمكن النضال ضدها. الجالية، والتضامن، والتواضع هي كلمات غير صحيحة. لم يكن بيريس قدّيسا بالطبع، فهو ايضا أحب الكوكتيل والمؤتمرات الفارغة من المضمون في اماكن جميلة، لكن عمله الرائع هو أمر لم يتم تقديره بشكل كاف، وتتعامل معه اوساط اليسار الآن باستخفاف وانتقاد مبالغ فيه. في العمر الذي كتبتم فيه تغريدة غاضبة، اغنية عن برلين، أو اتخذتم قرارا ايديولوجيا بمستوى التوقف عن أكل الجبن والبيض (أو نقل الاولاد الى روضة مع حاضنة افضل) – أقام شمعون بيريس مفاعلا نوويا وقام بتسليح الجيش الاسرائيلي، هذه الامور جعلتنا نعيش هنا رغم أنه محظور قول ذلك في أوساط المثقفين. لم يكن بيريس رجل سلام كلاسيكيا. فقد كانت له أخطاء، وهو من بين المسؤولين عن الامر غير الاخلاقي الذي يعيب على مستقبل دولة اسرائيل: مشروع الاستيطان. ولكن نجاعة رجل «مباي»، والبراغماتية هي السبب في نشوء الدولة هنا رغم جميع اخطائها ونواقصها وامراضها. إن محاولة بيريس حل المشكلات، أي التأثير في الواقع، بدل أن يكون نبيا جذابا، هي التي خلقت الأمن والصناعة وأماكن العمل. يبشر موت بيريس باعادة التنظيم في المجتمع وفي الساحة الجماهيرية الاسرائيلية: جيل المؤسسين تلاشى. جيل كبار السن الآن هو نتنياهو وباراك. هذا الحراك يُقرب أبناء الثلاثين والاربعين الى موقع تحديد مسار التاريخ. هل سينجح أحد من أبناء هذا الجيل، الذين ليسوا أورن حزان وبتسلئيل سموتريتش واييلت شكيد، في احداث التغيير؟

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف