في نهاية الشهر الجاري تصادف الذكرى الستون لعملية «كديش» (العملية التي نفذها الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا في سيناء، قرب السويس، العام 1956 - المحرر) وهي الجولة الثانية في ماراثون الدماء، الذي ما زالت تشارك فيه اسرائيل وجيرانها في بيتهم المشترك. موت شمعون بيريس، آخر المقررين والصانعين لـ «كديش»، الذي اعتاد على التفاخر بمغامراته، يجدد ذكرى العملية وفي الوقت ذاته يرافقنا في الجنازات. المسؤول عن عملية «كديش» هو بيريس، موشيه ديان، وبالطبع دافيد بن غوريون. هم وليس أحد غيرهم، وهذا ليس صدفة. فقد كان لـ «حرب الاستقلال» أبطال آخرون من المستوى المحارب وحتى جنرالات «البلماح»، الموالين لخصوم بن غوريون الحزبيين. فقد شكل بن غوريون الحكومة وكان المسؤول عن وزارة الدفاع، وكان مكبلا من لجنة الوزراء الخمسة. كان ديان قائد فرقة الانقضاض، جريئاً، ولكنه أقل أهمية في الحرب، وبعد ذلك قائد كتيبة القدس، في سياقات دبلوماسية أكثر منها عسكرية. أصبح بيريس جنديا مرتين، وبدقة أكبر، مع رقمين شخصيين مختلفين – فقط من اجل الخدمة في مكتب بن غوريون ولعب أدوار مدنية في جوهرها في وزارة الدفاع دون حصوله على رتب الضباط التي وزعت على المقربين بالجملة. في سنوات الهبوط بعد اتفاقات وقف اطلاق النار وانسحاب أفضل القادة، سنوات الحصار والعمليات، ولكن ايضا سنوات الاتصالات العقيمة من اجل الاتفاقيات، خرج بن غوريون، ديان، وبيريس لشق طريق ترابية بأيديهم من اجل الجولة التالية، جولتهم. دون ازعاج ودون عصي في اطارات الجيب. وفي النهاية – بعد الغاء عملية «عومر» في أواخر العام 1955 – ايضا دون موشيه شريت. كانت المهمة بالنسبة لبيريس وديان مزدوجة – إعداد جيش، سواء بالعتاد والتنسيق، أو بالتدريب والتصميم، وتجنيد بن غوريون المحارب بين المترددين، لكن المتردد بين المتحمسين للحرب ايضا. لقد أرسلهما الى الامام من اجل الاستطلاع والتجول في الوقت الذي احتفظ لنفسه بصلاحية الحسم النهائي، حيث سيتم الزج بالدولة المصابة والسكان الذين يتعرضون للقنابل والتفجير الى داخل الحرب. فشل البريطانيون والفرنسيون في معركة السويس. ولم يسقط ناصر، بل سقط رؤساء الحكومات آيدن وموليه. ولكن في معركة سيناء كان لاسرائيل نجاح لافت، بحجم التوقعات المتدنية التي سبقت ذلك. صحيح أن ناصر استمر في تأجيج الجماهير العربية، وعقد تحالفا مع سورية وهدد بالتزود بصواريخ ارض – ارض، لكن الجيش الاسرائيلي حصل على السمعة، وكان هناك هدوء وردع على الحدود بشكل صدفي ومشروط. في عملية «كديش» تم تقديس السبيل من أجل الهدف. فقد تم اظهار اثنين من المستعربين كمتسللين لتنفيذ عمليات، وتم أخذهما وهما مصابان الى مركز الشرطة في يافا لتبرير الانزال في «المطلة» كرد على اعمال الفدائيين التي تراجعت. وتمت ايضا دراسة فكرة قصف بئر السبع، نوع من التضحية على المستوى القومي. وقد اعترف ديان بعد ذلك بأن المبادرين لعملية «كديش» أرادوا خداع الاميركيين كي لا يقوموا بافشال العملية وهي في مهدها. كان بيريس هو الذي يبني القوة، وقبل فهمه أن موضة «كديش» قد انتهت من العالم مع القوى العظمى الاوروبية التي لم تكن كبيرة بعد، وأن استخدام القوة يتطلب تحديد نقطة التوازن والتنازل في اتفاقيات سلام وأمن عن «المناطق» لمنع السقوط من «مملكة اسرائيل الثالثة» في تشرين الثاني 1956 الى «خراب الهيكل الثالث» في تشرين الاول 1973. بيريس لم يفعل ما يكفي من اجل تحقيق هذا الفهم. ولم تقم أية حكومة برئاسته باخلاء مستوطنات، دون صياغة ذلك بوضوح. وأضاف إلى المثلث المقدس الردع، التحذير، الحسم، والتهدئة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف