غضب أوباما
الاعلان الذي نشره البيت، الأربعاء الماضي، ردا على نية الحكومة اقامة مستوطنة جديدة في الضفة الغربية لمن سيتم اخلاؤهم من "عمونة"، كان يجب أن يشعل في أي دولة سليمة ضوء تحذير بحجم شمس صغيرة. أما في اسرائيل فقد أشعل الاعلان الأميركي عدداً من الاعلانات المضادة والرقص وإخراج اللسان.
في ظل تراجع العلاقة بين الدولتين، لا أحد يتذكر اعلانا رسميا كهذا صدر من الادارة، فيه غضب مقدس واهانة وخيبة أمل شديدة واشارات لا تبشر بالخير. يمكن أن يكون الاعلان الذي خرج عن طوره تجاه افعال اسرائيل يهدف الى ايجاد مخرج لمشكلة "عمونة"، لكن في حالة كهذه فان ضوء التحذير يكون مضاعفاً: اذا كانت هذه هي المشاعر التي تنتاب باراك اوباما في الآونة الاخيرة فهذا دليل على أنه يخطط لشيء كبير لتشرين الثاني وكانون الأول. وبدل السعي الى عدم فعل شيء مزعج في الأشهر القريبة لتجاوز تشرين الثاني وكانون الاول بسلام تستمر اسرائيل فيما تريد.
اليكم تلخيصاً للاعلان الأميركي: "نحن نستنكر بشدة نية اسرائيل بناء مستوطنة اخرى في قلب الضفة الغربية. سيلحق هذا الامر الضرر بفرص حل الدولتين. المصادقة بأثر رجعي على شرعية البؤر الاستيطانية غير القانونية القريبة، أو اعادة رسم حدود المستوطنات القائمة، لا تغير حقيقة أن الخطوة الاسرائيلية تناقض تصريحات حكومة اسرائيل القائلة إنها لا تنوي بناء مستوطنات جديدة. موقع وجود هذه المستوطنة في قلب الضفة هو أقرب للأردن منه لاسرائيل، وهو سيستمر في خلق خط طويل من البؤر الاستيطانية غير القانونية التي تقسم الضفة الغربية الى قسمين، وتُبعد امكانية اقامة الدولة الفلسطينية...".
"هذا مؤسف جدا"، قال الأميركيون، "بالذات عندما توقع اسرائيل والولايات المتحدة على اتفاق المساعدات الأمنية غير المسبوق الذي يهدف الى تقوية أمن اسرائيل، تقوم اسرائيل باتخاذ قرار يناقض مصالحها الامنية بعيدة المدى... وما يبعث على اليأس هو أنه عندما تكون اسرائيل والعالم في حالة حداد على موت شمعون بيريس وزعماء العالم احترموا ذكرى أحد ابطال السلام، تم وضع هذه الخطط التي تعمل على افشال فرص حل الدولتين، الحل الذي أيده بيريس... على اسرائيل الاختيار بين نشر المستوطنات وبين الحفاظ على فرصة حل الدولتين... تطبيق القرار الاسرائيلي الاول هو مرحلة اخرى في تخليد واقع الدولة ثنائية القومية... وخطوات كهذه ستؤدي الى تنديد المجتمع الدولي وتُبعد عن اسرائيل من يؤيدونها، وتظهر أكثر التساؤل حول التزامها الحقيقي بالسلام".
الاعلان الأميركي الأولي تم نشره من قبل وزارة الخارجية الأميركية، لكن هذا الامر لم ينته هنا. فبعد ذلك جاء المتحدث بلسان البيت الابيض، جورج آرنست، وأضاف: "الاصدقاء لا يتصرفون هكذا"، "يوجد هنا مكان للقلق، لقد أثارت خطوة اسرائيل لدينا في واشنطن مشاعر قوية". وهناك ثلاثة اسباب متراكمة لاقوال آرنست: مبدأ قرار اقامة مستوطنة جديدة، موقعها المستفز، والتوقيت المستفز أكثر، بعد التوقيع على اتفاق المساعدات وجنازة بيريس. وأكد آرنست على أن سياسة الادارات الأميركية منذ العام 1967 بالنسبة للمستوطنات كانت متطابقة وبقيت كذلك.
الأميركيون في العادة هم أصحاب مزاج بارد، لكن فجأة يخرجون بإعلان كهذا، عاطفي، يعبر عن الاهانة وغاضب. وبعد لحظة قد يبكون. إنهم يربطون بين اتفاق المساعدات وبين نكران جميل اسرائيل. وقد قاموا بادخال شمعون بيريس الى هذا الامر ايضا. يمكن الجدل حول الاعلان الأميركي. ويمكن الادعاء أن الحكومة تحاول ايجاد مخرج للمشكلة القضائية الجماهيرية التي نشأت بخصوص "عمونة" (اليكم نصيحة: ببساطة، أن لا يتم بناء مستوطنات على اراض فلسطينية خاصة. نقطة). ويمكن التلفح بالصمت والأمل بأن الأميركيين سيهدؤون ويمر الامر. المسألة هي أن اسرائيل 2016 هي دولة ثملة من القوة والمسيحانية، متفاخرة بذاتها ومقتنعة أنها الكلب وليس القرادة التي توجد على الذيل.
سارعت تسيبي حوطوبلي الى التنديد بالاعلان الأميركي. وأعتقد أنه في أعقاب هذا التنديد تم اضاءة المصابيح في الغرفة البيضاوية طوال الليل. وفي اعقاب حوطوبلي نشرت وزارة الخارجية الاسرائيلية اعلانا تحريضيا يشمل كثيراً من الاكاذيب ("اسرائيل ما زالت تلتزم بحل الدولتين"). ولكن الارقام القياسية تتحطم في الشبكات الاجتماعية، حيث ينفعل هناك الصحافيون والابطال في نظر أنفسهم الذين يعلنون "الأميركيون فقدوا الصلة"، "الأميركيون لا يعرفون". ويقولون ايضا إن المساعدة التي تبلغ 38 مليار دولار حصلنا عليها "لأننا الواحة الوحيدة المستقرة في المنطقة" وليس بسبب جمال عيوننا. إذاً، ليبحث اوباما عن اصدقائه ولينزل عن أكتافنا قبل أن نصاب بالهستيريا. ويضيفون: لقد حذرتم في العام 2011 من تسونامي سياسي كبير، ولم يحدث أي شيء. لهذا توقفوا عن ازعاجنا.

الركوب على الحمار
نحن في عشية "يوم الغفران". وهذا التوقيت يُحدث لأبناء جيلي بشكل تلقائي القشعريرة في ظهورهم. كثيرون منا لم يكونوا هنا في "يوم الغفران" في العام 1973، أو أنهم كانوا صغارا، وآخرون نسوا ذلك. عندها ايضا كنا نثق بأنفسنا، شرم الشيخ بدون سلام أفضل من السلام بدون شرم الشيخ. الامبراطورية الاسرائيلية ستقضي على كل تهديد، لا حاجة لتجنيد الاحتياط، الجيش النظامي سيقوم بالعمل، سلاح الجو سيضربهم قبل أن يفهموا ما الذي يحدث. كان هناك مفهوم انهار، وكاد يؤدي الى خراب "الهيكل الثالث" (اضافة الى 2800 قتيل).
وما زالت النظرة مشابهة حتى اليوم. العرب غير مهمين، بل العالم هو المهم. بيبي جعل اوباما يركع على ركبتيه ولقنه درسا، وأخرجه عن طوره. وعلى مدى ثماني سنوات لم يتنازل عن أي شيء، بل العكس، عدد المستوطنين في المستوطنات المعزولة زاد بعشرات الآلاف، والوضع في الضفة يسير بشكل سريع نحو نقطة اللاعودة. ليس مهماً ما يقوله الاغيار، المهم ما يفعله اليهود. وكأننا لم نكن في وضع كهذا.
ليكن واضحا: لا أعتقد أنه يوجد الآن اتفاق سلام على الطاولة. أو أنه يوجد شريك حقيقي. لا يوجد سبب لاخلاء حاضرات. لا أحد يطلب ذلك من اسرائيل الآن. ويبدو لي أنه في الوقت القريب لا توجد فرصة لنقف أمام مفارقة كهذه. كل ما هو مطلوب منا هو أن نكون انسانيين، ونتصرف كأناس متحضرين، ونثبت أنه حين نعلن عن التزامنا بحل الدولتين أننا لا نفشل ذلك في الوقت ذاته. لو كانت اسرائيل سليمة لكانت بادرت وأعلنت عن تجميد البناء وراء جدار الفصل أو خارج الكتل الاستيطانية. كان يجب أن تقوم بعدة خطوات لبناء الثقة في الميدان. كان يجب أن تنزل عن أكتافها عبء اثبات نظافة يديها.
بدل ذلك، يستمر نتنياهو في تضليل العالم واللعب ببوجي بقدرة فائقة. وبعد ذلك يستغرب لماذا لا يوجد أحد في العالم (باستثناء شتاينيتس ودافيد بيتان) يؤمن بكلمة واحدة تخرج منه. فمرة يتحدث في بار ايلان، وبعد ذلك يلغي هذا الحديث. تعلن وزارة الخارجية التزام اسرائيل بحل الدولتين. ونائبة وزير الخارجية، تسيبي حوطوبلي، ترفض هذا الحل بكلتا يديها. ولم نتحدث بعد عن بينيت وشكيد وسموتريتش.
القضية هي أنه بعد كل ذلك ما زلنا على قناعة بأنه يمكننا الركوب على هذا الحمار والى الأبد. وأنهم سيستمرون في تصديقنا والدفع لنا وتمويلنا واستخدام الفيتو من اجلنا. جميع من يزعمون أن أميركا لم تعد ذات صلة، كانوا سيضطرون الى البكاء لولا المساعدات الامنية الأميركية التي تجعل الاجهزة الامنية تقف على أرجلها، وتحافظ على قوة أسرائيل في هذا المكان.
الآن، عندما تصل الدراما الى الذروة، ويفكر اوباما ويتردد فيما اذا كان سيقوم بخطوة تاريخية تغير الواقع في الشرق الاوسط النازف، وكذلك شروط اللعبة التي نجحنا في فرضها، نصل في المقابل الى ذروة الوقاحة والانتعاش، وكأن اسرائيل بالفعل هي قوة عظمى عالمية، والولايات المتحدة تجلس الى جانبها وتستمتع بالفتات الذي تقدمه لها. هذه متلازمة دائمة ترتبط بجميع سنوات نتنياهو في الحكم. وقد قال الرئيس بيل كلينتون جملة كهذه لمستشاريه بعد لقائه الاول مع نتنياهو في العام 1996: "من قائد القوة العظمى هنا، ومن هو رئيس حكومة الدولة التي تحصل على الرعاية؟".


لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف